الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جوليان أوبير يكتب: زمن «واقعية» ساركوزى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى حدث لم يسبق له مثيل أعرب نيكولا ساركوزى فى مقابلة مع صحيفة لوفيجارو عن رأيه بشأن الحرب فى أوكرانيا، وهو رأى أتفق معه تمامًا، على الرغم من أنه يتعارض تمامًا مع السياسة الرسمية لجمهورية فرنسا؛ فماذا قال رئيس الجمهورية السابق من حيث الفكرة؟ إن هذا الوضع الرمادى الذى تعيش فيه فرنسا وحالة «لا فى سلام ولا في حرب مع روسيا » أمر خطير اذ انه من المرجح أن يخرج عن السيطرة كما أنه من الوهم استعادة السلامة الإقليمية لأوكرانيا كما كانت قبل ضم شبه جزيرة القرم فى عام ٢٠١٤ لأن هذه المنطقة التى يسكنها الروس بشكل رئيسى هى فى نهاية المطاف أقرب إلى موسكو منها إلى كييف، كما أن الوقت قد حان لكسر الجمود وتنظيم استفتاء لتسوية النزاعات الإقليمية على المناطق التى تتنازع عليها موسكو فى عام ٢٠٢٢؛ وأنه أيضا من الوهم دمج أوكرانيا فى الاتحاد الأوروبى أو حلف شمال الأطلسى: لأن حيادها سيكون أكثر حماية لها وأكثر انسجاما مع طبيعة هذا البلد الذى يعد حلقة الوصل بين الغرب والعالم السلافى.
وسرعان ما تعرضت تصريحات نيكولا ساركوزى للانتقاد من قبل قطاع كبير من السياسيين حيث عمد أكثر النقاد الى نزع الشرعية عن تصريح ساركوزى ورأوا أنه سيستفيد من سخاء روسيا! وهكذا تجرأ جوليان بايو السكرتير الوطنى السابق للبيئة الأوروبية فى حزب الخضر، قائلًا: «إننا سنفهم الأمر بشكل أفضل اذا علمنا أن الروس اشتروه»، مذكرًا فى عدة مناسبات بالصلات بين ساركوزى وشركة تأمين روسية وهذه العلاقة أصبحت الآن موضوع تحقيقات من قبل العدالة (وأنه تلقى ٣ ملايين يورو من هذه العلاقة). وقد ذكر البعض أنه ألقى محاضرات إيجابية للغاية عن فلاديمير بوتين فى موسكو فى عام ٢٠١٨.
وقد اعترض نقاد آخرون على هذه التصريحات ويرون أن هناك نقاط ضعف واضحة فى تصريح ساركوزى والتى أشار إليها منسق الاستخبارات السابق، حيث قال: «هل من الممكن الثقة بسيد الكرملين: يؤكد ساركوزى أنه كان على حق فى أبريل ٢٠٠٨ هو وأنجيلا ميركل فى معارضة أوكرانيا وجورجيا وامريكا الذين كانوا يأملون فى انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو. ومع ذلك فإن الضمانات التى منحت لروسيا فى قمة حلف الأطلسى فى إبريل ٢٠٠٨ لم تمنع فلاديمير بوتين من إرسال دبابات إلى جورجيا بعد أربعة أشهر. فلماذا نثق به؟».
من جانبه، أكد ليونيل جوسبان أن «بوتين تصرف كعدو لفرنسا مذكرا بالخطابات اللاذعة ضد الغرب والعمليات الإلكترونية خلال الانتخابات أو تنظيم مسرحيات كى نصدق بوجود مذابح فى مالى. ويمكننى أن أضيف إلى هذه القائمة حقيقة أن السبب فى طول الحرب فى أوكرانيا هو رغبة الرئيس الروسى المعلنة فى احتلال المزيد من الأراضى الأوكرانية؛ أليس هذا دليلا على أن موسكو لم تتخلى عن طموحاتها؟».
وبينما يرسم نيكولا ساركوزى صورة متفائلة للغاية لدوافع فلاديمير بوتين، إلا أننى أعتقد أن موقفه فى الواقع واضح وواقعى (للأسف) وشجاع سياسيا لأنه يفجر الفقاعة الخطابية لأولئك الذين يرون باسم المبادئ ان موسكو على خطأ وانه لايجب تقديم أى تنازلات. وفى الأساس هم على حق ولكن الأخلاق لم تحسم أى صراع أبدًا؛ فهل نصدق أن ستالين الذى تعاون معه تشرشل وروزفلت لفترة طويلة كان قديسا؟
ويخدش ساركوزى وهو فى ذلك على حق أولئك الذين يتخيلون تغيير النظام؛ فمن ناحية ليس من المحظور الاعتقاد بأن المصير المأساوى لبريجوجين سوف يهدئ الطموح والرغبة فى الرئاسة داخل دوائر السلطة الروسية! ومن ناحية أخرى من الأفضل التفاوض مع بوتن وهو محاور معروف وله سمعته بدلًا من التفاوض مع بديل قد يصل إلى السلطة باستخدام القوة والطرق العسكرية والتى لن تكون بالضرورة سلمية!
ومع ذلك، فإن السؤال المحورى والذى يتجاوز سيكولوجية الأطراف الفاعلة، هو: هل لديهم مصلحة فى الاسراع بعملية التفاوض من اجل التوصل إلى مخرج من الصراع؟ اعتقد نعم.. وبالتالى، فليس من المهم أن يكون رد فعل بوتين إيجابيًا فى المقابلة التى أجراها مع لو فيجارو حول تطورالامور فى أوكرانيا بل حول القنبلة الديموغرافية التى ستأتى إلى بلدان الجنوب لتصبح دول الشمال خالية من السكان. لقد فهمت الرسالة كما يلى: «قرأت المقابلة وأنا لا أصادق على اقتراح الرئيس السابق حتى لا أفقد ه شرعيته وحتى لا يضعف موقفى فى حال فتح المفاوضات! ورغم ذلك فإننى أهنئه على نقطة أخرى قضية الهجرة والقضايا الديموغرافية التى أضعها بحكم الأمر الواقع فوق الأولويات الأخرى، الأمر الذى يدفع أوكرانيا إلى المركز الثانى فى تلك الأولويات. ومن خلال القيام بذلك فإننى أسعى إلى تحقيق مصلحة مزدوجة: ١ - أعتقد أن التحليل يسير فى اتجاهه الصحيح فيما يتعلق بأوكرانيا. ٢- يجب أن نتفق كلنا تجنبا لتراجع الحضارة الغربية والروسية أمام صدمة الهجرة.. فى الحقيقة، هذه هى أولويتي».
وأود أن أضيف أن السياق يدعو أيضًا إلى البحث سريعًا عن حل عن طريق التفاوض. والحقيقة أن الولايات المتحدة وحدها هى التى تستفيد اليوم فى الوضع الحالى.
وقد بدأت الصين وروسيا تشعران بآثار التراجع عن العولمة وتواجه المملكة الوسطى أزمة نمو لا ترتبط بالنمو الدولى ولكن بوضعها كدولة متوسطة الدخل ذات اقتصاد مُدار إلى حد كبير (القطاع المصرفى المعتمد، أزمة العقارات، ارتفاع البطالة). وسوف تستفيد الصين من انخفاض التوترات الدولية مع الغرب لأن البلاد لم تعد قادرة على الاعتماد على التجارة الدولية لتحقيق التوازن (انخفضت الواردات الأميركية من الصين بنسبة ٢٥٪ فى النصف الأول من هذا العام). ومع ذلك وعلى عكس ما يتوقعه نيكولاس بافيريز فإن الأزمة قد تكون مؤقتة فقط، لأن بكين تسيطر على عملتها ونظامها المالي؛ لذلك إذا كانت هناك فرصة فعليك اغتنامها.


الدولة الورسية عانت من الهجوم المضاد الأوكرانى ويقال إن القوات المسلحة الروسية منهكة ونفدت ذخيرتها ولكن كما يرى الخبراء العسكريون فإن الهجوم المضاد الحالى الذى تشنه أوكرانيا لن يهزم روسيا لا فى عام ٢٠٢٤ ولا فى عام ٢٠٢٥. وهكذا كشفت صحيفة واشنطن بوست عن محتوى مذكرة سرية منسوبة إلى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، الذى تحدث عن أنها «مسألة نسبية» إذا كنا نتحدث عن القدرة على قلب ميزان القوى الإقليمى للقوات فى حالة وقوع هجوم مضاد.
وفى الوقت نفسه، تواجه روسيا انفجارا فى الإنفاق العسكرى (الذى تضاعف فى عام ٢٠٢٣)، والعقوبات الاقتصادية (التى تجبرها على التحايل على حظر التصدير من خلال بيع المواد الهيدروكربونية بسعرزهيد )، وعجز فى الميزانية بنسبة ٢٠٪ وارتفاع التضخم... ومع ذلك ومرة أخرى يجب وضع الهشاشة الروسية فى منظورها الصحيح. وكما يشير مركز دراسات أنماط التصنيع (CEMI-EHESS) التابع لمدرسة الدراسات العليا فى العلوم الاجتماعية، فإن الانهيار المتوقع لم يحدث لأن روسيا تعلمت كيف تتكيف مع الصدمات الاقتصادية: ففى عام ٢٠٢٢، تحول النمو الذى كان ٣.٥٪ فى الشهرين السابقين للعقوبات تحول إلى ركود صغير بنسبة -٢.١٪. وقد عادت أحجام ومستويات الإنتاج إلى مستويات ما قبل العقوبات ليس فقط فى الفروع الصناعية المرتبطة بالجيش.
لذلك إذا كان هناك ضعف فليس من المؤكد أن طول الوقت سيجعل موسكو أكثرقبولا لمسألة التسوية. كلما ارتفعت تكلفة الحرب بالنسبة للمجتمع، كلما ارتفعت تكلفة التسوية السلمية لأنه من الصعب على السياسى أن يعود خالى الوفاض بعد الكثير من التضحيات فى الحياة.
وأخيرا، لم تخرج أوروبا منتصرة من هذا الصراع الذى طال أمده، كما يتعين عليها أن تسعى للحصول على إمداداتها من الطاقة من دول أخرى غير روسيا كما أن قدرتها التنافسية تتآكل ويتزايد اعتمادها الاستراتيجى على واشنطن وقد ذكرت صحيفة لوموند مؤخرًا أنه فى عام ٢٠٠٨، كان الناتج المحلى الإجمالى لمنطقة اليورو والولايات المتحدة بالأسعار الجارية يعادل ١٣.٠٨٢ مليار و١٣.٦٣٥ مليار يورو وبعد خمسة عشر عاما لم تتجاوز إيرادات الأوروبيين ١٥ ألف مليار دولار إلا بالكاد، فى حين ارتفعت إيرادات الولايات المتحدة إلى ٢٦.٩٠٠ مليار دولار بفارق يصل إلى حوالى ٨٠٪!
فى الختام فإن لحظة اقتراح حل سياسى أصبحت أكثر ملاءمة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية فى نوفمبر ٢٠٢٤. ولا شك أن دعم أوكرانيا ليس امرا مقدسا كما تمتلئ الصحافة الأمريكية بالفعل بتصريحات واضحة لمسئولين من عدة دوائر سياسية أمريكية موثوقة رفضوا الكشف عن هويتهم إلا أنه انتقدوا دعم إدارة بايدن المستمر للأوكرانيين، فى حين سيتم تخصيص ٤٣ مليار دولارلدعم كييف وسيتضاعف هذا العدد قريبا. وهنا لا يجب أن ننسى أن نظرية الاختلاف ما بين العسكرى والمدنى لا تزال راسخة، حيث تعكس العديد من المصادر خيبة الأمل والانتقادات من جانب المسؤولين بشأن الهجوم المضاد الأوكرانى ضد الجيش الروسى، أو حتى الخيارات العسكرية الأوكرانية. وكان صوت الجنرال مارك ميلى الذى يدعو إلى حل سياسى للصراع هو الاعلى صوتا.
فى ظل هذه الظروف يمكن أن تكون أوكرانيا بمثابة كعب أخيل للرئيس الذى انتهت ولايته خاصة وأن المعارضين الأكثر إصرارا فى الكونجرس هم من أنصار ترامب. وفى منتصف يوليو الماضى تعهد دونالد ترامب، الذى ينوى مواجهة بايدن، بإنهاء هذه الحرب فى يوم واحد. وأمام كل هذا لماذا لا يميل الرأى العام الأميركى لهذه النزعة السلمية التى تتفق مع طبعه ً؟ وإذا قرر بايدن فجأة سحب البساط من تحت قدميه من خلال اقتراح حل سياسى قبل الاجتماع الكبير فى نوفمبر ٢٠٢٤؛ سنجد أنفسنا نحن الأوروبيين بشكل مفاجئ وحيدين فى موقف صعب.. ولهذا السبب حان الوقت لاقتراح حل سياسى أوروبي؛ وإلا فسنحكم على انفسنا بدفع ثمن السلام بعد ان دفعنا ثمن الحرب.. ناهيك عن مشاعر الازدراء والكراهية الأبدية من جانب موسكو وكييف.
 معلومات عن الكاتب: 
جوليان أوبير.. سياسى فرنسى.. انتخب نائبًا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017.. ولم يوفق فى انتخابات 2022.. وهو حاليًا نائب رئيس الحزب الجمهورى ورئيس الحركة الشعبية «أوزيه لافرانس».. يكتب حول تصريحات الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى حول الحرب فى أوكرانيا.. والتى يوافقه عليها.