تظهر بين الحين والآخر أعمال فنية تقوم على دراما الجريمة تُثير جدلًا واسعًا لما تحتويه من مشاهد عنف وقتل، وتعتبر من أكثر الأنماط الفنية المثيرة للجدل في الفترة الأخيرة، والتي قد تضع الدراما في قفص الاتهام أحيانًا عند تقليد البعض لتلك المشاهد، مما قد يؤدي إلى زيادة معدل الجريمة في المجتمع، خاصة تلك الأعمال التي تعمل على خلق مبرر درامي للقاتل، كمن يقتل بيده بهدف تحقيق العدالة الغائبة، أو خلق تبرير للقاتل بأنه ضحية أو يُعاني من مرض نفسي لاستجداء مشاعر العطف لدى الجمهور.
منذ بداية عرض حلقات مسلسل جديد حول أحد مرتكبي الجرائم، بدأ يدور في ذهني سؤالان محيران، الأول «ما الفائدة والعائد على المجتمع من تجسيد شخصية سفاح في عمل درامي؟!
المسلسل لاقى مع بداية عرض أولى حلقاته الكثير من المشاهدات من جميع الفئات، ولكن هل سألنا أنفسنا ماذا سنجني من وراء هذا العمل الدرامي وما تأثيره على المجتمع وما النتائج المترتبة على مثل تلك المشاهد المليئة بالعنف والتخطيط المتقن لفعل جرائم بمنتهى الذكاء؟، نحن بطبيعتنا نتأثر كثيرًا بما يتم تقديمه على الشاشة الصغيرة ونتجاوب مع بطل العمل الدرامي؛ وبالأخص إن كان له قاعدة جماهيرية ومحبوب لدى الجمهور، ونحن لسنا متشابهين في الطباع ولا طريقة التفكير فقد تأخذ تلك المشاهد بعض ضعاف النفوس الذين ينصاعون وراء التقليد الأعمى إلى التقليد أو حتى التفكير في الشيء نفسه لأن بطل العمل الدرامي يعد لدى البعض بمثابة قدوة لهم في تصرفاته وسلوكه، ولماذا نذهب بعيدًا ولدينا بالفعل في الواقع نماذج كان لدور دراما العنف والجريمة التأثير القوي على سلوكهم وطريقة تقليدهم للشخصية في هيئتها التي ظهرت في العمل الدرامي، وكان لنتيجة تقليدهم التأثير السلبي في انتشار الجريمة وتراجع سلوك المجتمع وانحداره..
أصبحنا نشاهد المسلسل على أساس أنه عمل درامي كأي عمل حتى أنه تحول إلى «كوميكسات» وضحك على مآسي أشخاص حقيقيين كانوا ضحايا لذلك المجرم غير عابئين لهول تلك الجرائم أو مدى تأثر أهالي الضحايا على الحادث الأليم الذي لحق بذويهم..
أما السؤال الثاني فيخص المجرم الحقيقي الذي يتناوله أحد المسلسلات المعروضة حاليًا والذي يقبع في السجن حتى الآن.. وهو «ماذا لو خرج من محبسه أو حتى حُكم عليه بحكم مخفف؟!
وهنا تأتي الكارثة بالمعنى الحرفي لأنه بما أن المسلسل يحاكي القصة الحقيقية، وكذلك عدد ضحايا القاتل تعدى في العمل الدرامي لأكثر مما حدث في الواقعة الحقيقة فكيف تكون نهاية هذا القاتل وهذا الجرم على أرض الواقع بهذا الشكل وهذه النتيجة الغير متوقعة أو غير مقبولة من وجهة نظر المشاهد أو المتابع لتلك الحادثة، كل من تابع المسلسل أو الجريمة الحقيقية متلهف لانتظار لحظة إسدال الستار على تلك القضية بالحكم الذي يستحقه القاتل ويُرضى كذلك أهالي الضحايا، وذلك لأن كل من يشاهد العمل الدرامي يقارن بينه وبين القصة الحقيقية..
في النهاية كان من الأفضل عدم الخوض في عمل درامي لجريمة صاحبها على قيد الحياة ولم يتم البت في أمره إلى الآن لما تتضمنه القضية من أمور خاصة بالتحقيقات والأدلة التي لا دخل لنا فيها، ولكننا في الوقت الحالي لن نجني من وراء هذا العمل دروسًا مستفادة غير التشكيك في بعضنا البعض وبث روح الشعور بعدم الإحساس بالأمن والطمأنينة وما يحتويه هذا العمل من خطوات لتنفيذ جرائم التي من الممكن أن يتبعها ضعاف النفوس وتكون الباعث لتقليدها، فكما قال سيدنا عمر بن الخطاب: «أميتوا الباطل بالسكوت عنه».. فكان الأولى هو الانتظار حتى يتم تنفيذ حكم الإعدام وإعلانه بالشكل الذي يكون رادعًا لكل من تسول له نفسه الإقدام على مثل تلك الأفعال والجرائم.