فى ظل الضربات الأمنية والسياسية، تسعى حركة النهضة الإخوانية فى تونس للهروب من الأزمة التى وقعت فيها، خاصة أن الكثير من قيادات الصف الأول للحركة باتوا موقوفين ومحل اتهامات تمس أمن الدولة، والفساد المالى والإدارى، والتورط فى قضايا ذات علاقة بالإرهاب والتطرف، وتحاول الحركة عقد مؤتمر وطنى للحزب دعا له منذر الونيسى القائم بأعمال رئيس حركة النهضة فى غياب الغنوشى، يهدف إلى تقديم وجه جديد للحركة، كما يهدف إلى تقييم العملية السياسية خلال العشر سنوات التى حكمت فيها النهضة.
دعوة الحركة لعقد مؤتمر لمناقشة أزماتها وقررت أن يكون فى منتصف شهر أكتوبر المقبل، واعتزامها عقد جلسة لمجلس شورى حركة النهضة، يعد تحديا لقرارات الحكومة التونسية التى حظرت اجتماعات الحركة وجمدت نشاطاتها وأغلت مقراتها، لذا كان عقد جلسة لشورى الحركة والاستعداد لعقد مؤتمر الشهر المقبل نوعا من التمرد على قرارات السلطات الأمنية التونسية.
ما جعل وزير الداخلية يصدر قرارا مساء السبت الماضى بوضع رئيس مجلس شورى حركة النهضة، والوزير الأسبق عبدالكريم الهارونى رهن الإقامة الجبرية، وذلك فى إطار حالة الطوارئ، قبل ساعات من عقد الجلسة المقررة لحركة النهضة الإخوانية، وما لبث الأمن التونسي حتى أوقف الهاروني وأحاله للتحقيقات.
في ذات الإطار، أذنت النيابة العمومية التونسية بالتحقيق في بصمة صوت الونيسي بعدما أعلن نفيه لصحة التسريب المتداول له والذي يتناول فيه عائلات تونسية وشخصيات بارزة بالاتهامات.
وفى بيان لها، وصفت الحركة قرار وزير الداخلية بـ"الإجراء التعسفى"، والذى يأتى استباقا لاجتماع مجلس الشورى، فى محاولة للضغط على مجلس الشورى الذى يتابع الاستعدادات لعقد المؤتمر الحادى عشر للحركة أواخر شهر أكتوبر القادم.
وأكد أحمد شفطر، السياسى التونسى، أن تونس تعيش مرحلة جديدة من البناء، وإعادة التصورات، وتشكيل الغرف التشريعية والتنفيذية للمضى فى حياة سياسية جديدة من أجل تونس.
وقال شفطر، فى تصريحات إذاعية محلية: فى تقديرى نحن نعيش مرحلة من التغيرات الكبرى، أوضاع سقطت وأوضاع أخرى تبنى، ولا أستغرب وقوع الكثير من أحداث العنف والمؤامرة، لكنى مع كل هذا متفائل وأنتظر مع كل أبناء الشعب التونسى أن نتحول إلى تونس الجديدة.
وأضاف، أننا أنجزنا الغرفة التشريعية الأولى وهى مجلس النواب وننتظر فى ديسمبر المقبل اكتمال الغرفة التشريعية الثانية غرفة الجهات والأقاليم، أما على المستوى التنفيذى فأنا أنتظر الكثير وأنتظر خيرا من رئيس الحكومة الجديدة، خاصة وأنه ينتمى لعائلة وطنية، كانت لها تجارب حقوقية وتجربة فى البنك المركزى، وفى المرحلة الجديدة لابد أن هناك تصورات جديدة سوف تبنى.
وتسببت تسريبات صوتية لمنذر الونيسى رئيس حركة النهضة فى جدل فى الوسط الثقافى التونسى، خاصة وأن التسريب كشف عن فساد داخل الحركة الإخوانية، وتناول جانب التمويلات الخارجية، كما تطرق فيه الونيسى إلى مجموعة من عائلات المجتمع السياسى التونسى بالتطاول، وصف هذا التسريب بـ"المهين"، بحسب وسائل إعلام محلية، إلا أن الونيسى تبرأ من التسريب ونفى علاقته به.
وهاجم الونيسى فى التسريب عائلة راشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة الموقوف، ما أثار جدلا كبيرا فى الوسط السياسى والإعلامى التونسى، ما دفع عدد من الشخصيات لمقاضاته على خلفية الاتهامات ووقائع الفساد التي كشفها في تسجيلاته الصوتية.
فى السياق نفسه؛ حذر الرياضى التونسى عثمان جنيح، رئيس النجم الساحلى، وأحد المتضررين من تسريب الونيسى، من مثل هذه التسريبات قائلا إنه ذاهب للقضاء من أجل مقاضاة الونيسى، وأن القضاء لابد أن يأخذ حق كل من تضرر من وراء كلام الونيسى.
وقال جنيح فى بيان له، إنه سيقاضى رئيس تنظيم سياسى بسبب ادعاءات باطلة، (فى إشارة لمنذر الونيسى).
وأوضح، أن هذا الشخص يقول فى تسريب صوتى كلام خطير يمس من شخصى ومن عائلتى ومن النجم الساحلى ومن جهة الساحل ومن الجمهورية التونسية ومؤسساتها، وسيكون ردى على مثل هذه الاتهامات هذه المرة أمام القضاء وأتمنى من القضاء باش ما يبطلش استرجاع حق كل من ذكرهم فى هذيانه.
وأكد جنيح، أنه لا يملك أى طموح سياسى معتبرا أن رئاسة النجم الساحلى هى أعلى منصب يطمح له، موضحا أن مثل هذه الحملات على جمعيتنا ورموزها سوف تتواصل لأن نجاحاتنا ديما تقلق وندعوكم لتكونوا صامدين رغم جسامة الصعوبات التى نواجهها يوميا بسبب التركة اللى تركتها جماعة السياسة تحديدا لأننا سوف نتجاوزها. مؤكدا فى الوقت نفسه أن مهمته لن تكتمل فى النجم الساحلى إلا بسن القانون الأساسى الذى يمنع من له منصب سياسى من تقلد أى مسئولية داخل النادى.
فى الوقت نفسه، أصدر منذر الونيسى، بيانا خاطب فيه الرياضى الكبير عثمان جنيح، تنصل فيه مما جاء فى التسريب، نافيا صحة نسبه إليه.
فى إطار التشديد على استرجاع الأموال المنهوبة، والإشارة إلى التقصير الكبير الفاضح من حركة النهضة الإخوانية فى استرجاع مثل هذه الأموال بعد الثورة التونسية فى العام ٢٠١١، بل أنها تمادت وتورطت فى قضايا فساد مالى، وتبييض أموال، وتمويلات خارجية، وضخ تمويلات لطراف على علاقة بالإرهاب والتطرف، لذا جاء تشديد الرئيس التونسى على استرجاع الأموال المنهوبة فى وقت تلجأ فيه تونس إلى الاقتراض من الخارج الذى يعطل إمداد البلاد بهذه الأموال كى يتم ضخها فى المشاريع التنموية.
وفى لقاء المواطنين وعدد من الباعة فى سوق البلدية، شدد الرئيس على أن الجرائم التى ارتكبت فى حق الشعب التونسى لمدة عقود من الزمن فى كل المستويات ترتقى إلى مرتبة الجريمة ضد الوطن والشعب ولا بد من أن تتعاضد كل جهود الوطنيين من أجل محاسبة من اقترفها حتى يتم وضع حد لهذه الوضعية التى يحاول الكثيرون اليوم مواصلتها أو اقترافها بكل السبل.
قبل أيام، التقى الرئيس التونسى قيس سعيد، كلا من محمد الرقيق، وزير أملاك الدولة والشئون العقارية، وعلى عباس، المكلف العام بنزاعات الدولة، وخلال الاجتماع بهما فى قصر قرطاج، دعا الرئيس التونسى إلى الإسراع فى تقديم مطالب مصحوبة بكل المؤيدات للتمديد فى آجل تجميد الأموال المنهوبة فى الخارج علما وأن آخر أجل لتقديم هذه المطالب هو نهاية الشهر الحالى وأن أى تأخير يمكن أن يستفيد منه من نهبوا أموال الشعب التونسى على مدى عقود من الزمن.
كما دعا رئيس الدولة إلى إثارة قضايا جديدة ضد كل من استولى على مقدرات الشعب التونسى بعد ١٤ يناير ٢٠١١. وأشار الرئيس إلى أنه كان من المفترض تقديم مطالب التأجيل منذ مدة لا قبل يومين من موعد انقضاء الآجال.
وتطرق، إلى الإجراءات المطولة والشروط غير البريئة إطلاقا للدول والمصارف التى توجد بها الأموال المنهوبة، إذ إن بعضها يريد حكما حضوريا ضد المتهمين فى حين أنها تعلم علم اليقين أن هؤلاء فارون بالخارج. كما أثبتت التجربة أن الأحكام التى يكتب لها أن تصدر فى بعض الدول لا تنفذ إلا بعد عقود طويلة ولا يسترجع الشعب الذى نهبت أمواله إلا بقية باقية من فتات والأمثلة عن هذه الممارسات كثيرة وتتعارض مع أبسط حقوق الإنسان والشعوب.
وأشار الرئيس إلى أنه لو استرجع الشعب التونسى هذه الأموال وهى من حقه وتعد بآلاف المليارات من حسابات بنكية وعقارات ومنقولات لما عاش فى هذه الأزمة المالية، فأموال الشعب عندهم وهم يريدون إقراضنا بشروطهم. كما تناول الاجتماع ضرورة أن يكون العمل الدبلوماسى موازيا للعمل القضائى ولا بد من طرح هذه القضايا فى إطار المنظمات الدولية الأممية والإقليمية لتوحيد مواقف الدول المتضررة من الاستيلاء على ثروات شعوبها.