السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

بين الصحة والسكان يكثر الكلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يٌقاس نضوج الدولة بقدرتها على تحديد التحديات والأولويات الراهنة وربما وضع الآليات المناسبة للخروج منها وتطبيق استراتيجيات بعينها، ولكن الدولة تتميّز بحنكتها وتفوقها على ذاتها عندما تنظر إلى التاريخ والى المشاكل التي حدثت في الماضي وفى أزمنة مختلفة لتتعلم منها، بنظرة ثاقبة تحدد الأسباب والنتائج والدروس المستفادة من الأزمة الماضية، وهذا ما شرحه السيد الرئيس بكلمات بسيطة في افتتاح المؤتمر الطبي العالمي الأول للسكان والصحة والتنمية في توصيف أزمة ٢٠١١، عندما عبر عن متطلبات شعب حينذاك أراد أن يحيا حياة كريمة وعادلة ولكن الدولة كانت غير قادرة على تلبية تلك المطالب، واتخذ منها درسًا ومثلا توضيحيًا عن أثر الزيادة السكانية في غل يد الدولة عن تقديم خدمات صحية وتعليمية جيدة لشعبها نتيجة تلك الكثبان الرملية التي تبتلع كل آثار التنمية، علمًا بأن الدولة دائمًا تحرص على الاستثمار في الخصائص السكانية وهذا هو ما تبرهن عليه الدولة المصرية بشكل مستمر منذ إطلاق كثير من المبادرات الرئاسية الصحية، والاستراتيجيات التنموية للأسرة المصرية، وصولًا لتنظيم المؤتمر العالمي الطبي الأول وهو مؤتمر متميز جدًا، حيث يعرض مقاربات بين الديموغرافية السكانية بين دول مختلفة.

وهو ما شاهدناه في عرض التجربة المصرية التي تعانى من زيادة المواليد بشكل أكبر من عدد الوفيات مما يضع تحديات أمام القطاع الصحي والتعليمي ويجبر الدولة على توفير عدد أكبر من المستشفيات والفصول المدرسية، على العكس في صربيا التي تعانى من انخفاض المواليد ويبلغ متوسط الأعمار لشعبها حوالي ٤٤ عامًا وهو تحدٍ أيضًا ولكن من نوع أخر، فمثل تلك الدول تعانى من الشيخوخة المبكرة للشعب، بانخفاض الخصوبة والمواليد وعدد الشباب يصبح الشعب أغلبه في أحد العقود من المتقدمين في العمر الذين يعانون بعض أمراض الشيخوخة دون تنوع في الفئات العمرية التي تستطيع بناء الدولة وربما يضع تحديًا آخر أمام جهات التضامن الاجتماعي من الناحية المالية وأمام فرص التنمية وبناء المشروعات القومية.

تلك المقاربات المتضادة والمختلفة كليًا توضح لنا الديمغرافية الصحيحة التي يجب أن يكون عليها المجتمع وأن يكون هناك توازن بين كل الفئات العمرية  فلا تضغط فئة على قطاع دون آخر وأن يكون هناك توازن بين نسب الوفيات والمواليد.

وقد تكون التجربة الصينية هي الأقرب للواقع، والتي لم تترك الحرية المطلقة للانفجار السكاني ثم عندما بلغت الهدف المنشود وأصبح عدد المواليد منخفضًا، أزالت كل المعوقات أمام الإنجاب ولكن الصين استغلت كل يد عاملة وأدمجتها في العملية الإنتاجية.

إن مشكلة الانفجار السكاني مشكلة مزمنة تعانى منها الدولة المصرية منذ أكثر من خمسة عقود والمتواليات الهندسية هي كابوسها الأول وهي مجرد أعداد ستنفجر حتمًا ما لم يكن هناك وعي وتفهم من المواطن المصري واستعداده لتفهم حجم ذلك التحدي الذي تحكمه الحسابات ولازالت الدولة المصرية تراهن على تعاون المواطن قبل أن تلجأ لقوانين مقيدة وملزمة.