في مثل هذا اليوم 7 سبتمبر 1952م، تم تنفيذ حكم الإعدام على خميس والبقري عمال كفر الدوار، وتسببت هذه النهاية المأساوية في بكاء الرئيس الراحل محمد نجيب ندما و حزنا !
تأتي هذه الحادثة بعد عشرين يومًا من أحداث ثورة يوليو 1952م، حيث قام عمال كفر الدوار بتنظيم وقفة احتجاجية لإعلان مطالبهم لحركة الجيش منددين بنقل العديد من العمال لفرع "كوم حمادة" وتدني الأجور والحوافز وتدهور سكن العمال .
فقامت قوات أمن كفر الدوار بمحاصرة المصنع وأطلقت النيران على العمال فسقط عامل قتيلا، وهو ما دعا العمال في اليوم نفسه لعمل مسيرة لباب المصنع وعندما سمعوا بحضور الرئيس محمد نجيب رددوا هتافات "يحيا القائد العام .. تحيا حركة الجيش" وعندما تأخر نجيب - الذي لم يحضر- خرج العمال لانتظاره عند "مدخل المدينة".
وفي طريقهم مرت مسيرة العمال على أحد نقاط الجيش وألقى العمال التحية عليهم، إلى أن وصلت مسيرة العمال لأحد الكباري وعلى الجانب الآخر منه وقف الجنود شاهرين بنادقهم في وجه العمال ومن جانب ثالث لا يعلمه أحد حتى الآن ، انطلقت رصاصة في اتجاه الجيش فراح ضحيتها أحد العساكر.
وحدثت معركة بين الجنود المسلحين والعمال العزل حتى من الحجارة ولم تستمر المعركة لأكثر من ساعات فتم القبض على مئات العمال وتشكلت علي وجه السرعة المحكمة العسكرية لمحاكمة العصاة، مكونة من بكباشي عبد المنعم أمين، ويوزباشي جمال القاضي ، وصاغ محمد بدوي الخولي ، وصاغ أحمد وحيد الدين حلمي ، وصاغ خليل حسن خليل ، وبكباشي محمد عبد العظيم شحاتة، وقائد أسراب حسن ابرهيم السيد ، ويوزباشي فتح الله رفعت ، وممثل الإتهام صاغ عبده عبد المنعم مراد ، ونصبت المحاكمة العسكرية في فناء المصنع واتهم مئات العمال بالقيام بأعمال التخريب والشغب وكان من ضمن المتهمين طفل عمره 11 عامًا !!.
تم النطق بحكم الإعدام على العامل محمد مصطفى خميس البالغ 18 عامًا، وتم النطق بذات الحكم على العامل محمد عبد الرحمن البقري البالغ من العمر 19.5 سنة وكان يعول خمسة ابناء وأم معدمة كانت تبيع الفجل لتشارك ولدها في إعالة أبنائه بملاليمها التي تكسبها من بيعها، هذا فضلاً عن عشرات الأحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة.
وظل المتهمان البائسان يصرخان “يا عالم ياهوه .. مش معقول كده.. هاتوا لنا محامي علي حسابنا حتى .. داحنا هتفنا بحياة القائد العام .. داحنا فرحنا بالحركة المباركة .. مش معقول كده”.
وقام الرئيس محمد نجيب بمقابلة أحد العاملين المحكوم عليهما بالإعدام، وساومه بأن يخفف الحكم إلى السجن المؤبد في مقابل قيامه بالاعتراف على رفاقه العمال وإدانة حركتهم والاعتراف بالقاتل الحقيقي إلا أنه رفض.
وفي يوم 7 سبتمبر من العام نفسه تم تنفيذ حكم الإعدام على "محمد مصطفى خميس" و"محمد عبد الرحمن البقري" بسجن الحضرة بالإسكندرية وتحت حراسة مشددة وسط أصوات العاملين : "حنموت وإحنا مظلومين"، وتروي الكاتبة الكبيرة صافيناز كاظم في مقال لها في جريدة الاهرام ما حدث فجر يوم الإعدام فتقول : " مر مأمور السجن في الساعة الرابعة فجرا بالغرفتين رقم62 و63 من غرف الإعدام وسأل البقري: نمت كويس؟
فقال البقري : المظلوم لا ينام ، عاوز أخويا ياخد مراتي وأولادي وأمي و3 جنيه من أماناتي ويروحوا للقائد العام محمد نجيب ويقولوا له ، ويسأل المأمور خميس: عاوز حاجة؟ فيرد خميس : عاوز أقول إني مش غلطان ، المحامي ما جابش الشاهد محمد عبد السلام خليل ، أنا عاوز شهود نفي وإعادة القضية من جديد ، أنا حاموت مظلوم ورب العباد أنا مظلوم ، تقول له أمه : شد حيلك يا محمد ، يقول لها خميس : يا أمي أنا مش ممكن أعمل حاجة وحشة ، فاكرة المحفظة اللي لقيتها وبها عشرة جنيه مش قعدت أدور لما لقيت صاحبها ؟.. لحظة إدراك البقري أنه يساق لتنفيذ الإعدام يبكي بشدة : ولادي لسه صغيرين .. عاوز أقابل القائد العام محمد نجيب ، الله هو الحُكم بيتنفذ كده علي طول؟ .. يارب علي الظالم ، ثم طلب كوبا من الماء وقال: يارب أنا رايح أقابلك دلوقت وأشتكي لك ، يارب ده أنا عسكري وكنت رايح أخدم العهد الجديد .. يا ناس محدش يعمل في معروف يخليني أقابل القائد العام محمد نجيب؟ ..وظل خميس يسأل الواعظ : فقهني في ديني .. هل من مات مظلوما مات شهيدا؟ .. وكانت هذه آخر تساؤلاته قبل صعوده شهيدا مظلوما إلي دار الحق ".
وتمر السنون و في عام 1984 واثناء مقابلة للرئيس محمد نجيب مع المؤلف السينمائي شفيع شلبي، رئيس المركز العربي للإنتاج الوثائقي، بفيلمه "يتامى الزعيم" ، انهار محمد نجيب و بكى بحرقة وندم ،حينما استدعى واقعة إعدام العاملين "مصطفى خميس ومحمد البقري" !!