لا شك أن الحوار الوطنى الذى لا تزال مناقشاته قائمة حتى الآن فرصة مهمة كنا نحتاج إليها لعدة أسباب..
أولًا: لا يمكن أن تتواجد ممارسات سياسية أو حزبية على أرض الواقع بغير ذلك الحوار الموضوعى الذى يطرح كل قضايا الوطن بلا استثناء وبلا أى حساسيات مسبقة.
ثانيًا: لا يمكن أن يكون هناك حوار حقيقي يهدف إلى الوصول للمشتركات بين أصحاب الآراء المتباينة سياسيًا واقتصاديًا بغير وجود حقيقى لحرية التعبير عن الرأى بكل الوسائل المشروعة والتى حددها الدستور.
ثالثًا: لا يوجد أى نظام ديمقراطى أو شبه ديمقراطى أو حتى شمولى (كما يقولون) يمكن أن يعتمد على الرأى الواحد والوحيد، لأن هذا لا ولن يكون فى صالح أى نظام حيث أن الحرية بشكل عام وحرية التعبير بشكل خاص ترتبط بالإنسان وجودًا وعدمًا. رابعًا: وعلى ذلك فالحوار وحرية الرأى تكون دائما فى صالح النظام السياسى وبالتالى فى صالح الوطن والمواطن. خامسًا: إن فتح باب الحوار وتهيئة المناخ لهذا لكى يشارك المواطن فى هذا الحوار بشكل مباشر أو غير مباشر يعطى الرأى العام الإحساس بممارسة حق التعبير والمشاركة فى اتخاذ القرار حيث أن الديمقراطية النيابية الآن فى طريقها للتغيير خاصةً بعد سيطرة وسائل التواصل الاجتماعى على المشهد.
ولذا فقد طرحت كثير من القضايا المهمة والهامة التى تحتاج إلى كثير من هذه الحوارات. ولكن الأهم بالطبع هو الوصول لتلك التوصيات العلمية والعملية التى لا تتجاهل الواقع السياسى الذى يعيشه المواطن المصرى خاصة تلك الطبقة المتوسطة و المتآكلة والطبقة الفقيرة. حيث أن هذه التوصيات سترفع للرئيس لإصدار القرارات التى تقع فى اختصاصاته أو تحويل الأخرى للبرلمان لإصدار التشريعات المطلوبة. هنا وبكل وضوح تأتى المشكلة الاقتصادية على رأس كل المشاكل وذلك لارتباطها بحياة المواطن خاصة فيما يخص لقمة العيش. وهذا يعنى امكانية استمرار الحياة ولا نقول ترفيه أو غير ذلك. مع العلم أن المشكلة الاقتصادية لا يختلف أحد حول وجودها وإن اختلفوا فى التوصيف وبالطبع حول الحل.
ولفت نظرى هذا الأسبوع أن الحوار الوطنى كان يناقش تلك المشكلة من جانب ارتفاع الأسعار وعدم القدرة الشرائية لمواجهة هذا الارتفاع. وبالطبع تطرق الحوار حول سعر العملة والتضخم وسعر الفوائد البنكية ووجوب وحدة الموازنة العامة التى تصدر بقانون من البرلمان على ألا يكون هناك موازنات اخرى جانبية لاتعرض على البرلمان فلا يكون لها من الرقابة والمحاسبة نصيب (الغريب أنه كان هناك اقتراح بالحل عن طريق الصدقات).
وبعيدًا عن تلك المناقشات الاقتصادية التى من الصعب أن يتابعها أو يتفهمها العامة وهم أصحاب المشكلة الحقيقيون، ببساطة نقول من تكرار القول إن الحل هو مزيد من الإنتاج على كل المستويات ذلك الإنتاج الذى يكفى الاستهلاك والاحتياج المحلى ثم تصدير الفائض إلى الخارج حتى تزيد التصدير ونقلل من الاستيراد. هذا جميل. ولكن يحتاج إلى خطط يمكن أن يحتاج تنفيذها إلى وقت بعيدا عن التصور أن هذا سيتم بضغطة زر. فما الحل؟ لاشك أن ارتفاع الأسعار لا علاقة له بأى منطق اقتصادى على الاطلاق. ولكنه يخضع للمزاج الاستغلالي الذى انتشر مثل الوباء. فالسلعة لها سعر فى كل ساعة وليس كل يوم!. السلع لها سعر مختلف عند كل تاجر وبنفس المواصفات وفى نفس الموقع! هنا يمكن أن نقول لماذا يستسلم المواطن؟ لانه لا يوجد تسعيرة محددة للسلعة. كما أنه لايوجد أى رقابة حقيقية من أى نوع مما يجعل المستغل وأغنياء الحروب يستهينون بالقانون. هنا تعم الفوضى ويغيب الاستقرار. وحتى لانطيل نحن نريد أن نشعر أن هناك حكومة قبل أن تدرك المشكلة فهى معروفة ولكن تحاول أن تضع الحلول المتاحة وبالطبع حسب الإمكانات المتاحة فاحساس المواطن بأن هناك من يشعر به وبمشاكله ويحاول حلها فهذا يخفف وطأة المشكلة حتى يتم الحل بالمشاركة الجماعية من الجميع. وهذا يحتاج إلى مزيد من الحوار وحرية التعبير عن الرأى والمشاركة فى اتخاذ القرار. وهذا هو الذى يجب أن نعمل عليه وفورًا حتى يمكن أن نتخطى تلك التحديات الداخلية والخارجية التى تهدد سلامة الوطن. حمى الله مصر وكل المصريين.
*باحث وكاتب فى الشأن العام