تأثرت مصر وربما أكثر من غيرها من الدول، بالأحداث التى وقعت فى جمهورية السودان الشقيقة وفى روسيا وأوكرانيا.. العواقب التي نتجت عن هذه الأحداث لم تقتصر فقط على التأثيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، بل شملت أيضًا عودة عدد كبير من الطلاب المصريين الدارسين فى هذه البلدان، على عجل وبدون سابق إنذار.
الإحصائيات المتاحة تفيد بأن أكثر من ٣٠ ألف طالب عادوا إلى أرض الوطن (حوالى ٨٠٪ منهم يدرسون فى كليات الطب) وكان لزامًا على الحكومة المصرية أن تستوعبهم جميعًا فى الجامعات المصرية وفى نفس الكليات التى كانوا يدرسون فيها قبل عودتهم إلى أرض الوطن دون التقيد بالحد الأدنى الذى حصلوا عليه فى الثانوية العامة.
بقدر حكمة ومسؤولية قرار الحكومة المصرية باستيعاب كل الطلاب العائدين، فقد بذلت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى والمجلس الأعلى للجامعات وكذلك أمانة الجامعات الخاصة والأهلية، مجهودات عظيمة ومتواصلة من أجل وضع الضوابط القانونية والفنية لتسكين هذا العدد الكبير من الطلاب العائدين فى الجامعات الخاصة والأهلية المصرية (الأهلية الدولية والأهلية المنبثقة من الجامعات الحكومية).
المهمة لم تكن سهلة ولا ميسورة نظرًا لعدة أسباب أهمها:
أولًا: اختلاف المناهج الدراسية وطرق التدريس والتقويم فى الجامعات التى كان الطلاب يدرسون بها عن تلك الموجودة فى الجامعات المصرية. ليست مبالغة أن كل طالب من الطلاب العائدين، قد احتاج لعمل مقاصة خاصة به، وهى العملية التى استغرقت وقتًا ومجهودًا كبيرًا لمحاولة تسكين هذا العدد من الطلاب.
ثانيًا: عدد كبير من الطلاب لم يتمكنوا من إحضار أوراق ثبوتية تفيد بأنهم قد درسوا فى الدول المذكورة، وبيان بالمواد التى درسوها ونتائج الامتحانات التى أتموها فى جامعات تلك الدول قبل العودة الى مصر.
ثالثًا: تنظيم إمتحان تحديد مستوى لمن لم يتمكن منهم من إحضار أى أوراق ثبوتية (وهم الأغلبية) فى جامعتى القاهرة (كليتى الطب والصيدلة) وعين شمس (كليتى طب الأسنان والهندسه) أو فى الجامعات الأهلية والخاصة التى تقدموا لها فى غير تخصصات الطب والصيدلة وطب الأسنان.
رابعًا: استيعاب هذه الأعداد من الطلاب العائدين (خاصةً فى كليات الطب)، بالإضافة إلى طلاب الثانوية العامة المصرية والشهادات المعادلة. هذا العبء يمثل تحديًا كبيرًا لكليات الطب فى الجامعات الأهليه الدولية (٤)، والأهلية المنبثقة عن الجامعات الحكومية (١٥)، وكليات الطب الخاصة وعددهم (٧) كليات طب.
خامسًا: توفير الإمكانيات المادية والبشرية (أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والأطقم المساعدة) اللازمة لاستيعاب هذا العدد الكبير. وإعداد برامج لتأهيل الطلاب العائدين ومحاولة دمجهم مع باقى الطلاب المصريين.
وهكذا يتضح أن استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلاب العائدين من السودان وروسيا وأوكرانيا كان بمثابة تحدٍ حقيقى للجامعات المصرية.
كما يثبت أن التخطيط الاستراتيجى الذى اتبعته وزارة التعليم العالى بزيادة وتنوع الجامعات فى مصر كان صائبًا وموفقًا، وأنقذ عددًا كبيرًا من الطلاب المصريين من مواجهة المجهول بعد الأحداث التى اندلعت فى البلدان التى كانوا يدرسون فيها.
هذا التحدى المفاجئ والذى واجهته وزارة التعليم العالي، ومعها وزارات الخارجية والهجرة وغيرها، بمنهجية علمية وحس وطنى وتحمل المسؤولية، ليس غريبًا على الحكومة المصرية والتى تضع سلامة المواطن المصرى على رأس أولوياتها.
د. السعيد عبدالهادي: رئيس جامعة حورس