هو أحد رواد الفلسفة الوضعية المنطقية حتى أطلق عليه البعض بأنه المدشن الأول لتيار الوضعية المنطقية فكان يقول "العلم بمنهجه يرسم لنا الصورة الدقيقة لما هنالك وما كان وما سوف يكون ولنا بعد أن نتخذ لأنفسنا الموقف الذي نرضاه فمن يدري؟ قد تكون نازعا بروحك الى تصوف بغض النظر عما كان وما هو كائن او سوف يكون " إنه الفيلسوف الكبير الراحل زكي نجيب محمود " فيلسوف الادباء" الذي تحل غدا ذكرى وفاته فقد ترك الكثير من الكتب التي أثرت الثقافة العربية نحو فلسفة علمية، أرض الأحلام، تجديد الفكر العربي، حصاد السنين، وغيرها، كما كانت له عدة ترجمات للعربية منها تاريخ الفلسفة الغربية، و محاورات أفلاطون.
اصدر زكي نجيب محمود كتبا تحت عنوان "أفكار ومواقف" ذكر من خلاله واجب المثقفين تجاه مجتمعهم مبينا أن الثقافة الصحيحة ليست هي التحصيل الاكاديمي للعلم مهما بلغ مداه بل يضاف الى ذلك التحصيل عملية هاضمة تبلو المقروء في قيم جديدة تُنشر في الناس فلا يكفي للمثقف أن يلم بعناصر الحياة من حوله إلماما باردا لا حياة فيه ، بل لابد له الى جانب ذلك أن ينفذ برؤيته الجديدة إلى حيث تكمن المعوقات في حياة الناس فيخرجها لهم ويلقى عليها الأضواء ليراها كل ذي بصر .
يبين زكي نجيب محمود أن أحداث الحياة قد يراها الجميع على حد سواء لكن الذين يتفاوتون في رؤيته هو امتدادات تلك الاحداث فإلى أي شيء تؤدي تلك الوقائع التي تحيط بنا وما هي صورة المستقبل التي تتمخض اللحظة الحاضرة ؟ وهذه هي نوع الأسئلة التي لا يستطيع الجواب عنها إلا من أرهفت الثقافة القدرة على الادراك ، وليس هو من قبيل الادارك بالغيب المجهول إنما هو ادراك للغائب المستتر وراء الحاضر كما تراه العين وتسمعه الاذن فنجد على سبيل المثال أن يونس عليه السلام اراد أن ينجو بنفسه من عبء الواجب الاجتماعي الذي أُلقي عليه ، ففر الى شاطيء البحر فوجد سفينة على اهبة الاقلاع واستقلها مع المسافرين الى حيث لا يدري وانقلب السفينة بمن فيها وكان أن ابتلعه الحوت فكأنما ارادت مشئة الله له أن تذهب به للعزلة التي ارادها لنفسه الى آخر مداها وماذا تكون العزلة في اقصى دراجاتها إن لم تكن في هذه الصورة الفريدة والتي أوى بها يونس في جوف الحوت فلا يرى من الدنيا الخارجية أرضا ولا بحرا ولا سماءا ، وما ان القى الحوت بحمله على الشاطيء فقه يونس حينها معنى الرسالة التي أُريد ان يؤديها وهي ان يعود للناس ليسهم في حياتهم واصلاحها
وتابع زكي نجيب محمود : أن الفرد المثقف الواحد في عزلته قد يدرك ذات نفسه لكننا إذا أردنا للأمة في مجموعها أن تدرك ذاتها وتشعر بحقيقة نفسها فلا يتحقق لنا ذلك إلا حين تُنصب جهود المثقفين الأفراد لتلتقي في نقطة مشتركة.