الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الاعداد الخاصة

«عُود وطربوش» سيد درويش.. رحل الجسد وترك الأثر

أول من أبدع الأناشيد الحماسية الثورية.. والمسرح الغنائي كان الساحة الفنية الحقيقية له

سيد درويش
سيد درويش
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"زوروني كل سنة مرة"، و"قوم يا مصري"، و"أهو ده اللي صار"، و"أنا هويت وانتهيت"، و"شد الحزام على وسطك غيره ما يفيدك"، و"يا بلح زغلول"، و"الحلوة دى قامت تعجن في البدرية"، و"طلعت يا محلا نورها شمس الشموسة"، بهذه الكلمات التي سطرها مجدد الموسيقى وباعث النهضة المُلحن والمغني سيد درويش بالأمس، ولحنها وتغنى بها اليوم، تبدو هذه الأغاني كمياه النيل التي لا تنضب، بل وتتجدد دائما لتروي ظمأ عشاق الفن فى كل مكان وزمان وتشارك فى كل عصر، كما تظل هذه الأغاني يتغنى بها المطربون حتى وقتنا هذا.


فعندما رحل سيد درويش أهديت أسرته إحدى مقتنياته الممثلة في "العُود" و"الطربوش" الخاص به إلى وزارة الثقافة ممثلة في المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، وتشكل  المقتنيات الخاصة بالجماعة الفنية، التى يحتفظ بها متحف المركز، إرثًا فنيًا ضخمًا؛ نظرًا لما يحفظه من تاريخ يمثل حركة وتطور الفنون المسرحية والموسيقية والغنائية بشكل كبير.

العُود
وقد صُنع عُود الفنان سيد درويش بالمصنع الموسيقى المصري، الكائن بشارع محمد على بدرب المنجمة أمام المناصرة نمرة ٤، لصاحبه محمود علي، وتصليح جرجس موسى صيدناوي العواد بالشماشرجي فى شبرا عام ١٩١٧م، وأثناء زيارة المُلحن اللبناني مصطفى يوسف، لمصر فى إحدى دورات المهرجان العربى للمسرح، وتفقده متحف المركز، أكد أن هذا العُود مدون عليه اسم سيد درويش ومحفورًا بداخله، وقد أهدى "يوسف" المركز غطاء لهذا العُود حفاظًا عليه من أي تلفيات.


وارتبط "درويش" بالعُود الخاص به، الذي يرافقه في كل مكان يتجه له، تلك الآلة التى يخرج من أوتارها ألحان يتغنى بها، حتى أصبح الغناء هو السلاح الذى يُعبر عن أماني أفراد الشعب.


خاض درويش هو وأصدقاؤه: "بديع خيري، وبيرم التونسي، وأمين صدقي"، وغيرهم، المعارك الضارية ضد الاستعمار لصالح طبقات الشعب مستخدما اللحن المُعبر عن مضمون الكلام الذى يمس كافة نواحي الحياة الوطنية، والاقتصادية، والاجتماعية، التى تعرض وتدافع عن كافة القضايا التقدمية التى تمس أفراد الشعب.

العود

الطربوش
يمثل الطربوش جزءًا أساسيًا من الزي العسكري للجيش المصري في عهد محمد علي باشا، ولم يكن مجرد زينة وإنما كان مظهرًا للوقار والمكانة الاجتماعية، حيث انتشر بين طوائف الشعب المختلفة، وظل مستخدمًا في الدول العربية مثل المغرب، ومصر، وسوريا، وفلسطين، ولبنان، وتونس، والجزائر، وكان ضروريًا لاستكمال المظهر الرسمي، فكان يرتديه الملك فاروق، حتى تم إلغاؤه على يد الزعيم جمال عبدالناصر، وأصبح فى سير الذاكرة الشعبية والتراثية.


ظل درويش يرتدي طربوشه مع جلبابه وعباءته مصطحبًا معه عُوده الخاص يعزف ويتغنى به فى كل مكان، فقد صُنع هذا الطربوش في شارع عبد العزيز بالقاهرة على يد عبد الرحمن عفيفي.

الطربوش

مبدع الأناشيد الحماسية الثورية
ويعد "درويش" أول من أبدع الأناشيد الحماسية الثورية، حيث لحن الأناشيد المستقلة وأخرى من مسرحياته، و"المواويل"، كما لحن ٣١ مسرحية غنائية خلال الست سنوات التى قضاها فى القاهرة ما بين عامى ١٩١٧ - ١٩٢٣، إضافة إلى "الطقاطيق" التي قارب عددها إلى ١٣٢، ولحن أيضا ٢٤ منولوجا، إلى جانب القصائد التى بلغت ٢٢ قصيدة، و"السلامات"، و"الموشحات" التى وصلت إلى ٣٩ موشحا، إلى جانب "الأدوار" التى بلغت ١٠ أدوار، كما لحن ما يقرب من ١٧ "ثنائيات" أى "الديالوجات"، كل هذا التنوع الذى تميز به جعله يستحوذ على النصيب الأكبر فى تطور الموسيقى والغناء المصرى فى مطلع القرن العشرين.


تجاوز "درويش" كل سدود الإرث الموسيقي القديم وتخطاها، فالتحق بفرقة كامل الأصلى الارتجالية التى حلت، وبعد فترة قصيرة تحول إلى غناء القصائد، والموشحات، والأدوار المأثورة عنه عبده الحامولي، ومحمد عثمان جلال، وإبراهيم القباني، واضطر للعمل بالمقاهي، حيث كان يغني إلى جانب المقطوعات الدينية، الطقاطيق، والأغاني، والأدوار، والموشحات، استفاضت شهرته وانتشرت ألحانه على ألسنة الناس، وذاع صيته حتى أن كبار فنانى القاهرة أثناء زيارتهم للإسكندرية يبحثون عن المقهى الذى يغنى فيه درويش ليسمعوه، ومن بين هؤلاء الفنانين الشيخ سلامة حجازى الذى أعجب بصوته وألحانه وقدمه على مسرحه بين فصول الروايات التى كان يقدمها.


عُين "درويش" ملحنًا لفرقة جورج أبيض، ولحن أول أوبريت بعنوان "فيروز شاه" ولفت هذا الاستعراض الأنظار ونجحت ألحانه وأغانيه، وتعاقد معه نجيب الريحانى وضمه لفرقته ولحن مجموعة من الاستعراضات "ولو" كان مطلعه شكوى جماعة السقايين، حيث وضع لكل فئة من طوائف الشعب المختلفة ما يناسبها من ألحان التى كانت معبرة عن ظروف المجتمع، عبر بألحانه عن ثورة ١٩١٩ التى جاءت تجسيدًا لنضال الشعب وكفاحه من خلال أزجال بديع خيري.

المسرح الغنائي
كان المسرح الغنائي هو الساحة الفنية الحقيقية، الذي وجد درويش فيه تحقيق آماله في الثورة الموسيقية المصرية التي تعمل في صدره، فبدأ مسرحه الغنائي بأوبريت "فيروز شاه" لفرقة جورج أبيض، واتبعها بمجموعة من الأعمال المسرحية لفرق نجيب الريحاني، وعلي الكسار، وأولاد عكاشة، ومنيرة المهدية، ثم فرقته الخاصة بالاشتراك مع الفنان عمر وصفي، حيث بدأ فى الغناء المسرحى فى أعماله التى توجه المجتمع ومعبرة عن آمال شعبه، كانت الأحداث والدراما المسرحية تربط بين هذه اللوحات من خلال ربط درامى بسيط، وتطور الدراما الغنائية للمسرح الغنائى جعلته يتفهم مضمون كلمات اللحن وموقعها فى الدراما المسرحية وانشغل بأحداث الرواية ووضع هذه الألحان في موقعها الصحيح.


وقد اعتبر درويش أن الغناء المسرحى هو الأداة التعبيرية الفعالة القادرة على أن توصل ألحانه إلى الجماهير التى عبر عنها بالموسيقى، وأحبها الشعب لأنها فتحت أمامهم آفاقا جديدة فى صور الحياة وأدخلت فى قلوبهم ووجدانهم ألوانا من الانفعالات والمؤثرات بنغم صادق نابع منهم، لحن العديد من الأعمال، كان أشهرها "أنا المصري" فى الأوبريت الشهير "شهرزاد" حين تسأل الأميرة التترية شهرزاد التى أعجبت بالجندى المصرى "زعبلة"، الذي ترك بلده وأهله ليلحق بحبيبته "حورية" التى كانت تعمل فى بلاط الأميرة، من أنت؟ فرد قائلا: "أنا المصرى كريم العنصرين"، وصور من خلال هذا اللحن تجسيد العراقة الممتدة من الجدود حتى الوقت الحاضر، هذا التصوير اللحنى يظل معبرا عن الزمن النسبي بإطالة غناء لآلاف السنين مصورا لحنه بالنوت الموسيقية لا نهائية الكون بعدم قفل مازورة نغمات الكون ليتطابق الامتداد اللانهائي للحن مع الامتداد اللانهائي للكون وهذه هى عظمة موسيقاه، ثم "قوم يا مصري"، و"يا بلح زغلول"، وغيرها.


ويعتبر "درويش" أول من اهتم بالتوزيع الآلى لألحانه المسرحية، واستطاع أن يدخل لأول مرة تعدد الأصوات الهارمونى في وقت واحد، كون فرقته الخاصة في ١٩٢١ وأطلق عليها "سيد درويش" وقدم ثلاثة أوبريتات، كان يؤدى فيها دور الفتى الأول، ألف العديد من الألحان لمجموعة من الفرق من الفترة ١٩١٧ حتى ١٩٢٣، وهى فرقة عمر وصفي، وجورج أبيض، ونجيب الريحاني، وعلي الكسار، وأولاد عكاشة، ومنيرة المهدية، قدم ألحان العديد من المسرحيات الغنائية منها "الهواري"، و"كله من ده"، و"إش"، و"قولوا له"، و"العشرة الطيبة"، و"فشر"، و"ولسه"، و"اللى فيهم"، و"البربرى في الجيش"، و"كلها يومين"، و"البروكة"، و"الطاحونة الحمراء" وغيرها، فكانت حياته شعلة دائبة الضوء بعطائها الخصب.


في حين تناولت شخصيته في عدد من الأفلام والمسلسلات منها: فيلم "سيد درويش" وجسد الفنان كرم مطاوع هذا الدور، إضافة إلى مسلسل "أهل الهوى" وجسد شخصية درويش حفيده الفنان إيمان البحر درويش، إلى جانب مسرحية "سيد درويش" للمخرج محمد توفيق، وجسد الفنان محمد نوح هذا الدور، كما قدم البيت الفني للفنون الشعبية، المسرحية الغنائية الاستعراضية "سيد دريش" في عام 2020، على خشبة مسرح البالون، وقدم دور سيد درويش الفنان محمد عادل، والتي تناولت عدة جوانب في حياة فنان الشعب والفنية والخاصة، وتشاركه الفنان لقاء سويدان في دور جليلة العالمة، ومن تأليف السيد إبراهيم، وإخراج أشرف عزب.

مسرحية سيد درويش

أول مسرحية عن سيد درويش.. واعتراض أسرته
على خشبة مسرح سيد درويش بالإسكندرية، قدمت لأول مرة مسرحية "سيد درويش"، والتي أثارت جدلا واعتراضا من أسرة سيد درويش ممثلة في نجله محمد البحر، وأهالي كوم الدكة أيضا، وهو الحي الذي ولد فيه فنان الشعب، على أخطاء بعض الشخصيات التي لازمته طوال مشواره، وظهور سيد درويش في شكل نجار يمسك بيده "فأرة" ويسمر "مقابض النملية".


إن المؤلف صلاح طنطاوي حاول معالجة تاريخ حياة سيد درويش في إطار مسرحي، وبذلك أصبح مسئولا عن المسرحية كعمل موضوع فني، وكمعلومات تاريخية وفنية، ويعي المؤلف صور شخصيات رفقاء الدرب لفنان الشعب سيد درويش، فقد حدث تصحيح في العرض وأدخلت عبارات في الحوار، هكذا أشار الناقد عبدالفتاح البارودي في مقالته "أول مسرحية عن سيد درويش" والمنشورة في مطلع الستينيات، موضحا أنه من بين اعتراضات محمد البحر أيضا إصرار تأدية بعض ألحان سيد درويش بأصوات بعض الفنانين مع أنها مسجلة على اسطوانات بصوت فنان الشعب نفسه، فلماذا لم يعتمد مخرج العرض على الإسطوانات؟، فيتهم محمد البحر الذين سجلوا هذه الألحان بأصواتهم فيقول: إن دور "أنا هويت" سجله الفنان سيد مصطفى محرفا في بعض أجزائه، ولحن "سالمة يا سلامة" سجله الفنان إسماعيل شبانه مشوّها، وكذلك الأمر بالنسبة لطقطوقة "أهو ده اللي صار" بدأ مطلعها بالخطأ وغيرها.


هذا بالإضافة إلى اعتراضات أهالي كوم الدكة الموجهة لمخرج المسرحية منها على سبيل المثال ما يقوله أحدهم "عبدالحميد الزنكلوني" من أنه شاهد المسرحية ليرى "ابن بلدهم" فخرج مستاء من ذلك، فالملابس لم تعبر عن الملابس المحلية في تلك الفترة، فالقفطان شكله طنطاوي وليس إسكندراني، والطواقي ريفية، إلى جانب ارتداء عمال المباني ساعات يد مع العلم أن الساعات المستعملة آنذاك كانت ساعات جيب بقطان، ثم اللهجة التي لا صلة لها باللهجة الإسكندرانية، واعتراضات كثيرة من هذا القبيل، ورغم بساطتها كان لا بد من تلافيها والتأني في تقديم المسرحية.


فقد لاحقت المسرحية اعتراضات عديدة، وفي الواقع أن المؤلف لم يكتب المسرحية من زاوية تمجيد ألحان سيد درويش، وإنما هي محاولة أولى لتصوير حياة سيد درويش، وقد بذل المؤلف جهدا كبيرا في هذا النطاق، فكان لا بد أن يكتب رواية أخرى يستكمل بها روايته هذه ويخصصها لتاريخ حياة سيد درويش من خلال ألحانه ويصحح مساره، فموضوع تناول رواد الفن يلتزم الدراسة الجيدة والتعمق في أبعاد الشخصية وملامحها، والفكرة المراد توصيلها بصورة جيدة.

سيد درويش