عباس محمود العقاد: إنه إمام الملحنين ونابغة الموسيقى المفرد فى هذا الزمان
طويتَ الحياةَ خفيَّ السُّرَى
كما تذهبُ النجمةُ التائهة
تُطلُّ على عالمٍ ينظرون
فتطرفك النظرةُ الشائهة
وتلحظُهم، من وراءِ الحياةِ
بنفسٍ معذَّبةٍ والِهَة
شقيتَ بهم، حيث ساد الغبيُّ
وخصُّوه بالسمعةِ النابهَهة
لقد ضلَّتِ الأرضُ في ليلِهَا
فحقَّتْ بها لعنةُ الآلهَة!
لم أجد أجمل من تلك الأبيات التي وضعها الشاعر علي محمود طه في ديوانه في ذكر مجدد الغناء المصري سيد درويش، والذي لا يفارقني الذهول دائما كيف استطاع أن يصنع كل ذلك المجد في عدد محدود من السنوات قبل أن يلملم أوراقه ويترجل إلى السماء وهو ابن الواحد والثلاثين عاما، لا تفسير لذلك سوى أنه وُلد عبقريا بلا حدود!.
تلك العبقرية التي قال عنها محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال: "يخطئ من يتصور أن سيد درويش أغنية ولحن.. إن سيد درويش فكر. تطور.. ثورة.. فسيد درويش هو الذي جعلني أستمتع للغناء بحسي وعقلي.. بعد أن كنت أستمتع بحسي فقط.. إنه فكرة العصر التي لولاها لما لحن الملحنون بالأسلوب الذي يلحنون به الآن».
أسطورة موسيقية
عن تلك العبقرية المصرية المتفردة يقول فكتور سحاب، في كتابه «سيد درويش المؤسس»: «سيد درويش أسطورة موسيقية أحدثت ثورة فنية عربية، رغم عمره الفني القصير للغاية والذي لم يتعد الست سنوات».
ويقدم الكتاب تفاصيل فنية موسيقية حول تفاصيل التجديدات المثيرة التي أحدثها سيد درويش، والألحان التي تركها ولا تزال تهزّ الوجدان، وأهمية موشحاته، وذكاء الطقاطيق التي عرف بها حتى قيل إنه وضع ست وستين طقطوقة، كثير منها أصابت شهرة واسعة مثل «يا عزيز عيني»، و«أهه ده اللي صار»، و«يا بلح زغلول»، التي قصد بها سعد زغلول، و«زوروني كل سنة مرة».
لحن سيد درويش مائتين وثلاثًا وثلاثين أغنية مسرحية، في ثلاثين تمثيلية غنائية واستعراضًا وأوبرا. كما كتب الأوبريتات التي اعتبرت تطويرًا عظيمًا للمسرح الغنائي، الذي سينحسر في مصر بعد وفاته.
ويلفت الكاتب إلى أن الكلام على درويش يفتقد كثيرًا للمعرفة الموسيقية، لذلك فإن رأي أحد أنجب تلامذته هو محمد عبدالوهاب، يبدو في غاية الأهمية «إن الشيخ سيد هو الذي فصل الموسيقى العربية عن الموسيقى التركية، وأبرز الملامح المستقلة في الموسيقى العربية». الشيخ سيد هو الذي أنشأ التعبير الموسيقي والتصوير بالموسيقى والغناء ويعتبر دور «أنا هويت وانتهيت»، الذي نال شهرة كبيرة، «هو مبتدأ التعبير التمثيلي الانفعالي أو الدرامي في الغناء العربي».
ويؤكد سحاب أن درويش نحت بألحانه صورًا ومشاعر، كأنه يحكي بموسيقاه قصصًا. وهو ما أثمر بعد ذلك الحوار الغنائي الذي يعتقد أنه دخل الموسيقى العربية مع ديالوج «على قد الليل ما يطول» من رواية «العشرة الطيبة». ثم أدخل المونولوج على الموسيقى العربية من خلال «والله تستاهل يا قلبي» عام 1920. وهو أول من اعتمد استخدام الأصوات أو الألحان المتعددة والمتزامنة، أي ما يسمى الـ«بوليفونيا».
وكما يقول في الكتاب سليم سحاب «ماذا عن الأوبريتات الثلاثين التي لحنها سيد درويش، ماذا عن أغنياته للطوائف الاجتماعية المختلفة؟ ماذا عن الأوبرا التي شرع في تلحينها؟ وماذا عن عشرات الطقاطيق والموشحات والأدوار؟ هنا لا تجد جوابًا».
درويش هو «أول موسيقي عربي شمولي من ناحية معرفته بالمدارس الموسيقية العربية الهامة خارج مصر». لكن إنجازه الأهم هو تخليص الموسيقى العربية نهائيًا من اللكنة الموسيقية التركية التي سيطرت عليها، بوقت وجيز، وكان يحتاج عشرات السنين. أنجز هذا بفضل إصغائه لغناء الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم ومهنهم، معتبرًا أنهم النبع الصافي الذي ينهل منه. عن غناء العمال يقول سيد درويش: «أين نحن من هؤلاء العمال؟ إنهم المؤلفون والملحنون إنهم الطبيعة، والطبيعة فوق الفن».
"فيردى" مصر
أما إدوارد لويس في كتاب سيد درويش والموسيقى العربية الجديدة فيقول إن سيد درويش قال ذات مرة: « أنا لا أقل عن فيردي. أنا فيردي مصر بمثل هذه العبارة اجاب سيد درويش بعض الاصدقاء الذين لفتوا نظره في إحدى الأمسيات إلى الشبه الغريب بين شكل جمجمته وجمجمة صاحب أوبرا عايدة».
ويقول لويس عن درويش: «لقد كان غيورًا على فنه لدرجة أنه ارتقى في أحد الأيام خشبة أحد الملاهي لتوجيه لكمة إلى مغن تجرأ على تحوير بعض ألحانه، وكان واثقًا بنفسه لدرجة أنه طلب مبلغ ألف جنيه على تلحين أوبريت اضطر معه على ما يظهر إلى السفر لأوروبا لوضعه في الجو المناسب».
ويضيف لويس في حديثه عن فنان الشعب: «يمتاز سيد درويش عن باقي أقرانه بأنه لا يستهدف التطريب فقط، وفي حين أن زملاءه يضيعون في متاهات من الارتجال تجعل دور الملحن ثانويًا، فان سيد درويش لا يحاول ان يخلب سامعه بمقدرته التقنية فقط، إنه يشدد أو بالأحرى يبتدع صلة بين أنغامه وبين معاني الكلمات التي هي بمثابة الدعامة لها، صلة تفرض نفسها بلا ريب على المغنين الأوربيين، ولكنها قبل سيد درويش كانت مفقودة عمليًا في الشرق».
بديع خيرى
وفي مذكراته يستعرض بديع خيري الملابسات والظروف التي أدت إلى لقائه بسيد درويش، فيقول: “كان المتبع في الألحان التي تتخلل الاستعراضات المسرحية أن تقاس على القالب الموسيقى للحن شعبي شائع.. فكنت مثلا اكتب لفرقة نجيب الريحاني كلاما على مقاس، (أو على قد) اللحن الشعبي الذي كان شائعا في ذلك الوقت (يا عزيز عيني.. أنا بدى أروّح بلدي).. وكنا نستعين بملحن اسمه كميل شمبير يصلح في القدود نوعا ما، ويضيف عليها شيئا من الزخارف.. وكنا مع ذلك نحس أنا والريحاني بنقص جوهري يتمثل في اللحن الأصيل الذي تصنعه وقائع المسرحية، ويكون متماشيا مع لونها وصياغتها وحبكتها.. وكانت جميع الفرق المسرحية الأخرى تتبع نفس النظام”.
وبينما هما (بديع والريحاني) في هذه الورطة، التي لا يعرفان كيف الخلاص منها، زارهما بالمسرح صديقهما أحمد شفيق المصري، الذي قال في معرض حديثه معهما: “أنا امبارح شفت في مسرح جورج أبيض رواية فيروز شاه، وكأني شربت 100 كاس ويسكي، روحوا شوفوها واعملوا حاجة زيها”..
ففي هذه الأثناء كان سيد درويش قد جاء من الإسكندرية إلى القاهرة، بدعوة من جورج أبيض، وألحقه بمسرحه، وكانت مسرحية “فيروز شاه” باكورة أعمال سيد درويش لفرقة جورج أبيض، ورغم أن هذه المسرحية لم تحقق النجاح، إلا أنها كانت فاتحة خير لكل من سيد درويش وللمسرح الغنائي، وكانت أهم ثمارها لقاء سيد درويش ببديع خيري، ذلك اللقاء الذي كانت المسرحية السبب المباشر لحدوثه.
يقول بديع خيري: “ذهبت في الليلة التالية، فإذا بها عمل غنائي مسرحي رائع، ولم أتمالك نفسي قبل أن أنصرف من اقتحام باب الممثلين، وأوقفني البواب، فقلت له الشيخ سيد درويش فين؟.. أنا عاوز أقابل سيد درويش.. رد البواب: “أهو.. اللي واقف هناك ده”.
ويصف ما حدث بديع في مذكراته بعد هذا اللقاء قائلا: «أصبحتُ لا أفترق عن سيد درويش، وتوطدت بيننا الألفة والصداقة، بل والأخوة، فبعد لقائي الأول به؛ نقل سكنه إلى جانبي، فاستأجر وسكن الشقة المجاورة لشقتي في جزيرة بدران بشبرا.. وتوطدت صلة والدته بوالدتي، وأصبح بيتانا بيتا واحدا.. وكان “يُطُب” عليَّ في أي ساعة، وربما في الفجر، ويوقظني من النوم ويقول لي، قوم نشتغل.. قوم يا بديع كفاياك نوم».
العقاد ودرويش
"إمام الملحنين ونابغة الموسيقى المفرد فى هذا الزمان" هكذا تحدث الكاتب الكبير عباس محمود العقاد عن فنان الشعب الخالد سيد درويش، كما ذكره فى مقاله له فى صحيفة البلاغ عام 1925.
ويقول العقاد عن فضل السيد درويش «هو أكبر ما يُذكَر للفنان الناهض من الفضل أنه أدخل عنصر الحياة والبساطة في التلحين والغناء بعد أن كان هذا الفن مُثْقلًا كجميع الفنون الأخرى بأوقارٍ من أسجاعه وأوضاعه وتقاليده وبديعياته وجِناساته التي لا صلة بينها وبين الحياة. فجاء هذا النابغة المُلهَم فناسب بين الألفاظ والمعاني، وناسب بين المعاني والألحان، وناسب بين الألحان و«الحالات النفسية» التي تعبر عنها، بحيث تسمع الصوت الذي يضعه ويلحنه ويغنيه فتحسب أن كلماته ومعانيَه وأنغامَه وخوالجه قد تزاوجت منذ القِدَم فلم تفترق قط، ولم تعرف لها صحبة غير هذه الصحبة اللزام».
ويتابع العقاد: «لم يكن الغناء الفنِّي كذلك منذ عرفناه، وإنما كان لغوًا لا مُحصَّل فيه وألحانًا لا مطابقة بينها وبين ما وُضِعَتْ له، فربما كان «الدور» مقصودًا به الحزن والشجو ولحنه أميل بالسامع إلى الرقص واللعب، أو مقصودًا به الجذل والمزاح ولحنه أميل إلى الغم والكآبة، ولم تكن الأنغام والأصوات عبارات نفسية وصورًا ذهنية، ولكنها كانت مسافات وأبعادًا تُقاس على كذا من الآلات وتُربَط بكذا من المفاتيح، ثم لا محل فيها بعد ذلك لقلبٍ يتكلم ولا لقلبٍ يعي عنه ما يقول، وعلى هذه السُّنة درج الغناء عهدًا طويلًا إلى أن أدركه المغنيان الشهيران عبده ومحمد عثمان فنقَّحاه بعض التنقيح بيْدَ أنهما لم يخرجا به من حيز التقليد، ولم يردَّا إليه نسمة الحياة، وكانا فيما صنعاه في هذا الفن كالذي يطلق الطائر السجين من قفصه، وينسى أنه مقصوص الجناحين كليل العينين يحس قضبان القفص حوله أينما سار.
وعن نشأة فنان الشعب قال العقاد: «أما مولده فكان في الإسكندرية في سنة ١٨٩٣م من أبوين فقيرين، وكان أبوه نجَّارًا معنيًّا بتعليم أبنائه؛ فأدخله مدرسة تُسمَّى شمس المعارف يتعلم فيها التلامذة تجويد القرآن، وإنشاد القصائد، وتمثيل الروايات الصغيرة في ختام السنة على عادة أكثر المدارس في ذلك العهد، فظهرت هناك موهبته الغنائية وزيَّن له بعض إخوانه إحياء الليلات الخاصة؛ ففعل ونجح فيها نجاحًا أغراه بالمثابرة والمزيد، ثم انتظم في مسجد أبي العباس؛ لتلقِّي الدروس الدينية فمكث فيه إلى أن تُوفِّي أبوه، وتركه ولا عائل غيره لصغاره وأهله، فعمل مع صهره في بيع الأثاث أيامًا، ثم اختلفا فانفصل عنه، واشتغل بالنقاشة فالعطارة يحترفها بالنهار ويحضر الليالي الساهرة والموالد التي يُدعَى إليها للغناء وترتيل المولد عند أبناءِ حَيِّه الأقربين، وكان يُعطَى في الليلة عشَرة قروش في ذلك الحين! ثم تألفت في الإسكندرية فرقة تمثيلية فاتصل بها مطربًا لها، وسافر معها إلى الشام، ولقي هناك الشيخ الموصلي وبعض أساتذة الصناعة فأخذ عنهم الكثير من أصولها وفوائدها، وعاد من ثَمَّ وقد كلف بتعليق علامات النوطة والاطلاع على كتب الموسيقى والتوفر على دراسة مراجعها الميسورة لقُرَّاء العربية، وأنشأ له فرقة للغناء في القهوات؛ فاستقل بنفسه في تأليف الأدوار وتلحينها، ونبغ في ذلك نبوغًا لفت إليه عشاق هذا الفن وأساتذته، فأُعجبوا به وشجعوه وذكروه بالثناء.
عبقرية متفردة
في كتابه "سيد درويش: حياته وآثار عبقريته" يتناول محمود أحمد الحفني" سيرة درويش ورحلته الفنية من إقامة الحفلات الغناء على المقاهى الصغيرة، والبارات، إلى أن أكمل تخته الموسيقى وأصبح من أبرز الموسيقيين البارزين.
أسهم الفنان العبقرى سيد درويش فى تأليف الأغانى نصا وتلحينا، لكن هل أقدم على تأليف كتاب عن الموسيقى؟.. يطرح الموسيقى الدكتور محمود أحمد الحفنى هذا السؤال فى كتابه، ويجيب عنه بعد استقصاء منه، قائلا: «لم يكن من المنتظر أن نجده مؤلفا لكتب الموسيقى، ذلك لأن القدر لم يسعفه فى نشأته بدراسة معهدية ذات مراحل ودرجات، يقرأ معها المؤلفات، ويقف على أصنافها المختلفة، وما نظن أن وفرة إنتاجه المتزايد من الألحان كانت تسمح له بوقت يصدر فيه المصنفات»
ويقتفي الحفني الأثر ربما عثر على كتاب عن الموسيقى من تأليف فنان الشعب وتظهرله بارقة أمل عندما عثر على ما نشرته مجلة النيل، عدد 35 من السنة الأولى، 9 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1921، بعنوان «حضرة الأستاذ الشيخ سيد درويش».
وتقول فيه: «أراد الله لهذا الفن الرفعة الحقيقية والرقى الذى تنشده الأمة من أعصر مضت، فوفق الأستاذ الشيخ سيد درويش إلى تأليف كتاب موسيقى أهداه إلى جريدتنا النيل، تنشره تباعا، وبدأنا فى هذا العدد بنشر القطعة الأولى فى تعريف الموسيقى، وسنتبعها بنشر قطعة فى كل عدد، ونشر أغنية من تلحينه مع نشر نوتتها ليسهل على الفتيات ومن لهم ولع بضرب الآلات الموسيقية تناولها».
يضيف الحفنى في كتابه عن رحلة بحثه عن كتاب من تأليف سيد درويش: «بينما نرى المجلة تسجل اعترافها بإهدائه إياها هذا الكتاب، إذا بها فى عددها 43، 5 نوفمبر 1931، تعيد الحديث مرة أخرى على وجه غير الذى سبق، فتعلق على مقال قصير بعنوان «الموسيقى » لمحمود صادق شلبى، وتطلب من سيد درويش أن يدلى بدلوه فى هذا المضمار، ويبر بما وعد به من قبل لقراء «النيل ».
وينتهى حفنى إلى القول: «إذا كنا لم نعثر لهذا الكتاب على أثر سوى هذه المقدمة التى نشرتها تلك المجلة، فإن الخسارة ربما كانت فى فقده كتراث للفنان فحسب».
الموسيقار والبحر
ومن الكُتب الهامة التي تناولت سيرة فنان الشعب كتاب "سيد درويش: 75 عامًا من الخلود" للدكتور حسن البحر درويش، ويتناول نبذة عن حياة الموسيقار الراحل، واضعا كلمات بعضا من أغانيه وبعض النوت الموسيقية الخاصة بالراحل، كما شمل الكتاب تحليلا عمليا مصورا لموسيقى سيد درويش، كما تحدث عن ما تعرض له الفنان بعد وفاته من حرب على حد وصفه، وقدم الكتاب الراحل محمد البحر، وعددا من المؤلفين والملحنين والمحللين الموسيقيين ممن زاملوه الراحل.
أما "موسوعة أعلام الموسيقى العربية: سيد درويش" إيزيس فتح الله، فقد صدر هذا الكتاب فى جزءين عن مركز توثيق التراث الحضارى والطبيعى، وقدمه واعده إعداد الدكتور إيزيس فتح الله وحسن سيد درويش، وورد فيه فى الجزء الأول منه سيرة ذاتية للفنان الراحل وذكر كافة أعماله وانتاجه الفنى، مع بعض النوت الموسيقية لأعمال سيد درويش.
فيما شمل الجزء الثانى عن الأعمال المسرحية للراحل من نصوص وكلمات، كما ذكر المؤلفات والألحان التى ألفها "درويش" إلى مؤلفين آخريين.
وفي الختام وجب أن نذكر ما قاله "أسامه عفيفي" إن معظم ما كتب ونشر عن سيد درويش، اهتم فيه الكتاب بتأصيل حياته والأحداث التي مر بها أكثر من اهتمامهم بموسيقاه، ويرجع ذلك إلى أن معظم من أرخوا لسيد درويش هم من غير الموسيقيين، أما الشأن الفني فلم يحظ بالاهتمام الكافي، ونجد في الفيلم السينمائي الوحيد الذى أنتج عن سيد درويش ضحالة تامة في القصة والسيناريو والإخراج، بل وإساءة أيضا إلى شخص الفنان المبدع والثائر على الفساد والاستعباد، العاشق للوطن وللحرية، والغيور على فنه والمحترم له، والمجدد بل الباعث لنهضة فنية استمرت لعشرات السنين وألهمت أجيال كثيرة بعده، ورغم أن فنانًا مثله يمكن أن نرى له عشرات الأفلام العظيمة دون أن يتكرر فيها مشهد واحد، ويكفيه ما قدمه من أوبريتات رائعة، أنتج بعضها على نفقته الخاصة.
ومما يدعو للدهشة أنه رغم اعتراف الجميع، من أهل الفن ومن خارجه، بفضل سيد درويش إلا أننا لا نرى أيا من أعماله تدرس أو تبحث في معاهد الموسيقى، وما زالت المناهج الموسيقية الشرقية في مصر رائدة الفنون تعتمد على التراث التركي في معظمها.