الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

تقارير وتحقيقات

في غرب ووسط إفريقيا.. عدوى الانقلابات تهدد عروش الحلفاء في السنغال وساحل العاج وبنين.. فرنسا تخسر.. وروسيا تتمدد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في نهاية أغسطس 2023، وقع انقلاب جديد في دولة الجابون، غرب إفريقيا، ضد الرئيس علي بونجو، ليطيح بأحد حلفاء فرنسا الرئيسيين في المنطقة، ويقلل من حلفاء باريس في المنطقة التي تشكل امتدادا للنفوذ الفرنسي ومصدرا مهما للعديد من الموارد التي يعتمد عليها الاقتصاد الفرنسي. ورغم أن توجهات الانقلابيين الجدد في الجابون تجاه فرنسا لم تتحدد بعد، لكن سلسلة الانقلابات العسكرية التي تضرب غرب إفريقيا، وكذلك رهانات شعوب هذه الدولة، تجعل من فرنسا هي الخاسر الأكبر، مع تمدد سري للنفوذ الروسي في المنطقة.

بعد 5 أسابيع من الإطاحة  برئيس النيجر، محمد بازوم، من قبل عسكريين مناوئين لباريس، أعلن عسكريون في جارتها الجابون، الإطاحة بالرئيس علي بونجو في 30 أغسطس بعد حصوله على ولاية رئاسية ثالثة عبر تعديل دستوري مثير للجدل. على مدار أعوام قليلة، تتكرر السيناريوهات في القارة الأفريقية لاسيما في الوسط والغرب، صعد عسكريون جدد في مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر، بالإضافة إلى إفريقيا الوسطى، مناوئين للوجود الفرنسي في بلدانهم، بينما يميلوا إلى شريك جديد طامح في وضع قدما في القارة السمراء، روسيا.

 

فرنسا وانحسار نفوذها

يشكل فشل الأداء الاقتصادي وفساد السلطات الحاكمة، المدعومة في فرنسا وتمسكها بالحكم دون تداول، الأسباب الرئيسية لتحرك العسكريين في هذه الدول، بل وحصولهم على الدعم الشعبي للقيام بالانقلاب على السلطات القائمة. جاء زعزعة الاستقرار الأمني مع تصاعد الجماعات المسلحة وفشل السلطات في التعامل مع التهديد الجديد حتى بالدعم الفرنسي، ليؤكد عجز السلطات الحالية عن القيام بدورها.

يوضح الباحث "فرانسيس لالوبو" الباحث المشارك بمعهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في فرنسا، “يجب الاعتراف بأن تسارع وتوقيت كل هذه الانقلابات منذ عام 2020 تشكل نقطة تحول في السياق السياسي للقارة الأفريقية”.

 

هذا التحول يتمثل في مزيد من الابتعاد عن فرنسا. في الوقت الحالي، تعيش باريس على واقع مر في القارة الأفريقية، عاما بعد آخر، تفقد حليف جديد لها في القارة، ومعه موارد كثيرة كانت تحصل عليها بأفضلية مقارنة بالدول الأخرى. من بوركينا فاسو إلى النيجر ومالي وغينيا، أوقفت هذه السلطات العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتفضيلية مع فرنسا، كان آخر هذه القرارات في النيجر، التي أعلنت وقف السماح لفرنسا الاستفادة من اليورانيوم.

يضيف "لالوبو “ هناك حالة من الغضب المرتبط بعدم تلبية المطالب الاجتماعية وتراجع سلطة الدولة ومسؤوليتها، إضافة إلى الأزمة الأمنية في منطقة الساحل”، متابعا، “هناك شكل من أشكال اليأس من جانب الشباب الذين يشيدون اليوم بالانقلابات العسكرية كوسيلة لحل استيائهم، لقد شعر هؤلاء الشباب بيأس من الوعود بالديمقراطية التي لم تتحقق”.

هذا الاستياء موجه أكبر إلى فرنسا، الحليف الرئيسي والداعم لهذه القوى التي تمت إزاحتها، وفقا للباحث.

وعن تسارع وتيرة الانقلابات في الدول الأفريقية ضد النفوذ الفرنسي قال المحلل السياسي الروسي  اندريه اونتيكوف  "إن  باريس في السنوات الأخيرة  تصطدم بأزمة دبلوماسية كبيرة، فالانقلابات تمثل إضعافاً لدورها وتواجدها في  القارة، وهذا يؤكد  ضعف سياستها الخارجية، بالإضافة إلى  أن كثيراً من دول القارة الأفريقية تسعى  لانتهاج سياسة مستقلة تحفظ سيادتها، فتتعاون مع دول مختلفة لتستطيع  استغلال المنافسة بينهم على السوق الأفريقي.

عدوى الانقلابات تهدد عروش باقي حلفاء فرنسا

تتشابه الظروف في باقي الدول الخاضعة لنفوذ فرنسا في المنطقة، فمن السنغال وساحل العاج وبنين، تواجه السلطات اتهامات بالفساد وعدم مراعاة مصالح المواطنين، وتصاعد أصوات المعارضة، ليضع نفوذ فرنسا في هذه الدول الثلاثة على المحك وتمثل هذه الدول الرئة السياسة لفرنسا فى افريقيا وفى حالة خسارتها تفقد الجزء الأعظم من نفوذها بالقارة.

يؤكد الباحث المالي، فاهيرامان رودريج كونيه، في المعهد من أجل دراسات الأمن بمنطقة الساحل أن هناك انقسامات كبيرة في الرأي العام في دول الساحل بشأن فرنسا، وأن هذه الدولة الأوروبية أصبحت نقاشا في السياسة الداخلية”.

في دولة بنين، تتشابه الظروف مع باقي الدول التي شهدت انقلاب، أصبحت البلد مؤخرا على خريطة الجماعات الإرهابية لاسيما شمال البلاد الملاصق لبوركينا فاسو والنيجر، بينما يتصاعد الغضب ضد السلطات الموالية لفرنسا بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وسوء الإدارة والفساد وقمع الحريات وحبس المعارضين للرئيس باتريس تالون الذى يتولي الحكم منذ عام 2016. وأصبح هناك تخوف من تكرار سيناريو النيجر والجابون في بنين فى ظل السخط الشعبي من فرنسا.

دولة السنغال الأكثر استقرارا سياسيا واقتصاديا على موعد مع تغير كبير أيضا، فمع انسحاب الرئيس ماكي سال، المدعوم من فرنسا من سباق الانتخابات المقبلة، وتصاعد أصوات المعارضة بشكل كبير، أصبح استمرار النفوذ الفرنسي مهددا أيضا. 

تحمل التصريحات المتتالية لعثمان سونكو، المعارض الهام والمنافس للرئيس ماكي سال، إدانات لفرنسا ودورها في دولته، إذ دائما ما يؤكد على رغبته في تخليص داكار من هذا النفوذ. ويشير المحللون فى السنغال إلى أن الانقلابات فى دول غرب إفريقيا التى ترحب بها الشعوب للخلاص من النفوذ الاستعماري الفرنسي، يلقي بظلله على المشهد فى السنغال وهناك مخاوف من تكراره. 

وعلى صعيد ساحل العاج، يخشى الرئيس الحسن وتارا من امتداد عدوى الانقلابات من جارته النيجر إلى بلاده وباقي المنطقة. منذ انقلاب النيجر، أصبح أوتارا صاحب الموقف الصلب داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) المنادين بضرورة التدخل المسلح لإزاحة الانقلابيين، ومعلنا عن توفير بين 850 و1100 جندي من قواته لدعم قوات الإيكوس.

ورغم تحقيق حزب وتارا  انتصار كاسحا في الانتخابات البلدية والإقليمية التي جرت السبت الماضي، إلا أن مرشحين من المعارضة نددوا بما وصفوه بـ “حشو صناديق الاقتراع على نطاق واسع” بأوراق التصويت غير الصحيحة و«الانتخابات المزيفة»؛ مما يعكس سيناريو انتخابات الجابون وبازوم ولكن على مستوى الانتخابات البلدية.

وعلى مدار الفترة الأخيرة، كررت المعارضة في ساحل العاج من حملاتها الداعية لعصيان مدني في البلاد والإطاحة بالرئيس أوتارا وتشكيل مجلس انتقالي وطني.

 

تمدد روسي

مقابل هذه الإزاحة للدور القديم لفرنسا، فتح أبواب من قبل القادة العسكريين الجدد، للاعب غير تقليدي في القارة السمراء، روسيا. على مدار السنوات الأخيرة، وضعت جماعة "فاجنر"  التي كان يقودها   الراحل يجني بريجوزين قدما ثابتة في القارة السمراء  ، حيث تمددت الحركة في العديد من الدول الإفريقية بشكل سري، ووفرت الدعم العسكري للعديد من الدول في مواجهة الجماعات الإرهابية، لاسيما مالي وبوركينا فاسو وإفريقيا الوسطى.

  إلى جانب فاجنر، يأخذ الكرملين نفسه اتجاهات مقاربة تجاه الدول الأفريقية. فخلال القمة الروسية الأفريقية التي استضافتها سانت بطرسبرغ نهاية يوليو الماضي، أعلن الرئيس الروسي توفير القمح مجانا للعديد من الدول الأفريقية.

يتزامن ذلك مع توقيع فرنسا لاتفاقيات عسكرية وتسليح واسعة للدول الأفريقية، وهو ما يلقى الاستحسان من القيادات العسكرية الجديدة في بلاد القارة. وتشكل نسبة إفريقيا من صادرات السلاح الروسية بين 30 إلى 40٪ من مجمل صادرات موسكو، وفق تصريحات لمدير وكالة التعاون العسكري والتقني الروسية، دميتري شوجايف.

يظهر هذا القبول من قبل القيادات الجدد وحتى القبول الشعبي يظهر جليا في المظاهرات التي ينظمها المواطنين، ففي الوقت الذي يحتشد المواطنون للاحتجاج على النفوذ الفرنسي، يرحب البعض بالدور الجديد لموسكو.

وفي تصريحات لموقع معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني الفرنسي، أوضحت المحللة لو أوسبورن أن الدور الروسي في القارة الأفريقية يستند على 3 محاور: أمنى وعسكري، إلى جانب الاقتصاد والنفوذ، مشيرة إلى أن موسكو وقعت العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والتدريب مع العديد من الدول الأفريقية. وكذلك الشراكات الاقتصادية  في مجالات مختلفة.

ويري المحللون الروس أن روسيا تطور علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع دول إفريقيا وتعمل على استقرارها ومكافحة الإرهاب الذى يهددها.

 


وأكد المحلل السياسي الروسي  "اندريه اونتيكوف"  أن روسيا عادت إلى الدول الأفريقية بعد غياب،  تلا فترة انهيار الاتحاد السوفيتي حيث انشغلت في تسعينيات القرن الماضي بالكثير من مشاكلها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية؛ مما لم يسمح لها أن تقود سياسة خارجية واسعة النطاق تشمل الدول الأفريقية، ولكن مع تغير الأوضاع ومع ظروف المنافسة الحرة التي يعيشها العالم عادت بقوة.

وأوضح أندريه  أن روسيا تملأ في بعض المجالات الفراغ الذي يتشكل بعد مغادرة فرنسا لمختلف الدول الأفريقية ،حيث تنشر موسكو  أفكار في الدول الأفريقية مفادها أن سياسة الدول الغربية تجاهها ما هي إلا نموذج لاستعمار جديد في الوقت الذي تقترح فيه على الدول الأفريقية التعاون  معها على أساس المساواة واحترام المصالح المتبادلة والمشتركة  وهذا ما يدفع الدول الأفريقية للنظر إليها باعتبارها الشريك الحقيقي وإقامة الاتصالات معها  سياسيا واقتصاديا وتجاريا .

وعن الأسباب  التي تقرب الدول الأفريقية من روسيا  يرى "أندريه " أن هناك أسباباً كثيرة منها أن هذه الدول ما زالت تتذكر كيف  ساعد الاتحاد السوفيتي في بناء بعض المصانع وساهم في تنفيذ المشاريع  الاجتماعية  لها  فهذا الأمر يدفعها باتجاه روسيا ، خاصة وأنها تتذكر وبشكل جيد أيام الاستعمار ،وتعتبر  الدور الروسي بديلاً  على الأقل في بعض المجالات للدول الغربية.

وأكد أندريه أن روسيا تستفيد من التطورات التي تحدث ،  ففي الوقت الذي يتشكل فيه الفراغ بالدول الأفريقية نتيجة إخراج النفوذ الفرنسي يتم ملؤه بأدوار لدول أخرى بما في ذلك روسيا  والصين والولايات المتحدة حتى تركيا تحاول أن تلعب دورا في الدول الأفريقية.

وعن قبول روسيا شعبيا  فى أفريقيا يؤكد "أندريه" أنها تستقطب  اهتمام الشعوب الأفريقيه ليس في الشارع فحسب، بل ضمن الأوساط السياسة فعندما يتم التخلص أو تقليص للنفوذ الفرنسي في دولة تحاول الأوساط السياسة أن تجد بديلا له في روسيا؛ لأنها تبني علاقاتها معهم على أساس المساواة واحترام المصالح المتبادلة والمشتركة.