لا يزال يتجرع الملايين في السودان ويلات الحرب الشرسة الدائرة في البلاد منذ أكثر من 4 أشهر على التوالي بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني؛ ورغم تزايد فاتورة الأزمات القاسية التي ضربت شتى القطاعات الأساسية والمحورية الهامة واقتراب البلاد من خطر المجاعة وتزايد موجات النزوح؛ وصل قطار أزمات الحرب إلى الفوط الصحية للنساء، والتي كانت تفاقمت بشكل كبير قبل الحرب.
في سبتمبر 2021، أعلنت هيئة التأمين الصحي في الخرطوم عن إدخال الفوط الصحية للنساء تحت مظلة التأمين بدعم يصل نحو 50% من إجمالي قيمتها؛ بعد أن طالت أزمة الأسعار الفوط الصحية وندرتها في الأسواق؛ ولكن بعد اندلاع الحرب ارتفع ثمن باكت الفوط الصحية إلى 11 ألف جنيه سوداني بعد أن كان ثمنه 7500 جنيه وسط صعوبة الحصول عليها وتوفرها على الرغم من ارتفع قيمتها الشرائية بنحو 40%.
وفي خضم الأزمة؛ برز اسم حملة «فوطة تسد الخانة» وهي مبادرة نسوية مجتمعية خرجت للنور في 2020 سعيًا لتوفير الفوط الصحية للسيدات والفتيات في الظروف الطارئة واللاجئات في المُخيمات والنازحات من مناطق النزاع. «البوابة» تحدثت مع عدد من القائمين على الحملة لرصد الأزمة عن قرب ومعرفة آليات وتفاصيل محاولة دعم السيدات والفتيات في زمن الحرب وسد حاجاتهن النسوية الأساسية.
«الفوط الصحية».. أزمة تؤرق نساء السودان فى زمن الحرب
مسؤولة بـ«فوطة تسد الخانة»: 3 آلاف فتاة بحاجة ماسة وضرورية للفوط الصحية.. والحاجات فى تزايد
نبأ صلاح الناشطة بحملة «فوطة تسد الخانة» تقول: بعد اندلاع الصراع المسلح في السودان ساهمت «فوطة تسد الخانة» حتى الآن بنحو 1211 باكت من الفوط الصحية للنساء؛ ولكن حوجة النساء في تزايد مستمر بسبب تداعيات الحرب القاسية؛ وتزايد وتيرة الصراع وارتفاع موجات النزوح الداخلي وتوقف الامدادات الطبية والدوائية والغذائية، مشيرة إلى أن الحاجات التي وردت لـ «فوطة سلام» في جميع ولايات السودان منذ اندلاع الحرب تقدر بما يقرب من 3 آلاف فتاة بحاجة ماسة وضرورية للفوط الصحية؛ ولكن الحملة مُنهكة في تلبية الحاجات الضرورية التي راكمتها الحرب وخلقها التشريد والنزوح لمئات السيدات والفتيات.
«فوطة سلام» هي حملة طارئة منبثقة من الحملة الأم «فوطة تسد الخانة»؛ لدرء آثار الحرب الراهنة وتلطيف آثارها المترتبة على الفتيات والنساء المحيضات في مُخيمات النزوح والمنازل والولايات. حسبما عرفتها الناشطة النسوية بحملة السودانية «فوطة تسد الخانة».
وتؤكد «صلاح» أن تداعيات الحرب الشرسة التي تشهدها ولايات السودان ألقت بظلالها السيئة على جهود حملات «فوطة تسد الخانة» لدعم النساء والفتيات السودانيات؛ من بينها تباطئ وتيرة إيصال مُساعدات الحاجات الصحية للنساء بسبب الظروف الأمنية العصيبة التي تشهدها ولايات السودانية؛ لافتة إلى أن حملة «فوطة تسد الخانة» لجأت في الأخير إلى إيصال الأموال لمناديب الحملة في الولايات لشراء الفوط الصحية ومُحاولة توزيعها على السيدات اللواتي بحاجة ماسة وضرورية للفوط الصحية.
كسر الوصمة السيئة المُرتبطة بالدورة الشهرية
وبدأت حملة «فوطة تسد الخانة» أولى أعمالها في 2020 إثر تدشين حملة حملت عنوان «بازار شغل العالم الأول» لدعم النساء في الخرطوم؛ وكانت تذكرة دخول البازار عبارة عن «فوطة صحية» كخطوة أساسية وسريعة لكسر الوصمة السيئة المُرتبطة بالدورة الشهرية ودخولها ضمن السياسات الصحية للنساء في الخرطوم.
تعود «صلاح» بالذاكرة في حديثها لـ «البوابة نيوز» إلى جهود حملة «فوطة تسد الخانة» قبل اندلاع الحرب؛ بقولها: حين اجتاحت أزمة الفيضانات الولايات في السودان 2020 كثفت «فوطة تسد الخانة» جهودها لدعم النساء بنحو 640 باكيت؛ وواصلت حملاتها مستجيبة لنداء أزمة معسكر اللاجئات الإثيوبيات- «كان يضم آنذاك نحو 40 ألف لاجئ هربوا من الصراع المسلح بين الحكومة الإثيوبية وإقليم تيجراي» وساهمت الحملة بنحو 3456 بكت من الفوط الصحية للنساء لصالح النازحات في معسكر تنيب؛ ووصلت جهود الحملة لـ سجن النساء في أم درمان مُساهمين بـ 832 باكت من الفوط الصحية؛ وفي الحروب الأهلية بالنيل الأزق 2022 ساهت الحملة النسائية بـ2336 باكت من الفوط الصحية، وفي 2023 واصلت مواصلة دعم النساء في الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد مُنذ اندلاع الشرارة الأولى للحرب في مُنتصف أبريل الماضي.
وتؤكد الناشطة السودانية، أن «فوطة تسد الخانة» تنظر بعدسة مُتفحصة لما يحدث للنساء والبنات من انتهاكات جنسية منذ اندلاع حرب السودان؛ بداية من الترويع مًرورا بالاختفاءات القسرية للبنات والنساء في ظروف غامضة انتهاءً بالاغتصاب الفردي والجماعي للنساء على يد أفراد من قوات الدعم السريع.
ولفتت إلى أن الحروب في سياقات عدة تُخاض على أجساد النساء ويدفع ثمنها الجميع ولكن تقع آثارها الواضحة على النساء والفتيات بشكل أو بآخر خارج العاصمة وفي الولايات من تشريد ونزوح وعمالة منزلية غير مدفوعة الأجر.
وعن المصادر المالية التي تعتمد عليها حملة «فوطة تسد الخانة» لدعم السيدات، أوضحت «صلاح» أن الحملة تفتح التبرعات المالية واليعنية بجميع أنحاء العالم للمساعدة في التمكن من إيصال الفوط الصحية للسيدات اللواتي بحاجة ضرورية وماسة إليها، مؤكدة أن «فوطة تسد الخانة» مُبادرة مُجتمعية مدنية سودانية ولا توجد أي جهات أو منظمات دولية مانحة للمبادرة.
«فوطة سلام»: نُعانى من صعوبة إيصال الفوط الصحية للنساء بسبب الحرب
من ناحيتها، تقول زينب أوشيك الناشطة النسوية والتي عمل بالمكتب اللوجستي لـ حملة «فوطة تسد الخانة»: إن الحملة واجهت العديد من الصعوبات والانتقادات الواسعة في عمرها الأول؛ لكونها فكرة دخيلة على المجتمع السودان؛ ولكن جهودها بشأن الدعم النسوي تبلور في خضم الأزمات والكوارث التي شهدتها السودان منذ 2020؛ وتزايد الحوجة الماسة للفوطة الصحية وخاصة في ظل الحروب والاقتتال وتعذر إمكانية الوصول؛ فكان لزامًا على حملة فوطة تسد الخانة التواجد وسد العجز الذي يؤرق النساء في المناطق المُلتهبة والظروف القاسية.
وترد «أوشيك» على التقليل من جهود حملتهم بقولها: إن الدورة الشهرية لا تتوقف أثناء الاقتتال والحروب؛ بل تشتد أكثر على النساء والفتيات وخاصة المُتضررات من الصراعات والنزاعات لتهجيرهن ونزوحهن؛ مُشيرة إلى أنه بعد اندلاع صراع السودان في الربع الأول من 2023 أصبح تلبية حوجات السيدات بشأن الفوط الصحية أمرًا صعبًا وخطرًا للغاية؛ في ظل تشتت أفراد الحملة ونزوحهم وتهجيرهم القسري داخل وخارج البلاد.
وتؤكد عضو حملة «فوطة تسد الخانة»؛ أنه رغم المخاطر الجسيمة تواصل الحملة جهودها لإيصال الفوط الصحية للنازحات من ويلات الحرب إلى جانب رفع الحاجات في الأقاليم والولايات السودانية المُختلفة؛ وبدورنا نرسل الأموال لمناديب الحملة في الولايات لتوفير الفوط الصحية وسد حاجات النازحات.
جهود «فوطة تسد الخانة» في زمن الحرب
وفندت المسؤولة بـ«فوطة تسد الخانة» جهود حملتهم في دعم النساء منذ اندلاع الحرب في السودان وحتى أغسطس 2023؛ إذ وفرت الحملة 336 بكت من فوطة سلام للنساء في مدينة الحصاحيصا التابعة لولاية للجزيرة؛ و128 بكت للسيدات بمدينة سِنْجَة في ولاية سنار؛ ونحو 112 بكت في مدينة الخرطوم وأمدرمان؛ فيما بلغ إجمالي باكت الفوط الصحية، التي وصلت للنساء في ولاية نهر النيل لنحو 400 بكت فوطة صحية.
وحدة المرأة في السودان: ارتفاع باهظ فى ثمن الفوط الصحية.. واختفاؤها بعد الحرب
وبدورها، قالت رئيس وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان سليمى إسحاق: إن تلبية الاحتياجات الشخصية للنساء هو جزء أساسي من عمل الوحدة، وخاصة في ظروف الطوارئ، مؤكدة أن وحدة المرأة في الخرطوم والأفرع التابعة لها على مستوى الولايات يُحاولون على قدر الإمكان تقديم كل أنواع الدعم للنساء؛ في وقتٍ باتت الحكومة السودانية غير قادرة على تقديم الدعم للنساء وتلبية حاجاتهن؛ في ظرف قاسية تمر بها البلاد بسبب النزاع المسلح وارتفاع التكاليف وغلاء الثمن وصعوبة توفرها وخاصة في مناطق النزوح.
وأكدت «سليمي» في حديثها؛ أنه منذ اندلاع الصراع لمسلح في البلاد، يُقدم للنساء وخاصة النازحات من الخرطوم مُساعدات للحوجات الشخصية تسمى بـ«حقائب الكرامة» تحتوي على فوط صحية وفرشة أسنان وصابون ومرطب جلدي؛ مُشيرة إلى أنه في الأزمات تزداد حوجات النساء الشخصية ومن بينها احتياجات الدورة الشهرية ودائمًا ما يتم تجاهلها لتصنيفها على أنها أغراض غير أساسية ويمكن أن تنتهي الحوجة بـ«قطعة قماش»؛ ولكن في الحقيقة توفير الأغراض الشخصية الأساسية للنساء مهمة جدًا لاستكمال مسألة الكرامة. وتؤكد «سليمي»، أنه في ولاية النيل الأبيض؛ وزعت الوحدات التابعة لحماية المرأة ما يزيد على 2000 باكت من الفوط الصيحة؛ تزامنًا مع توزيع حقائب الكرامة.
وفي وقت سابق، وضعت الحكومة الاتحادية السودانية، خطة قومية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الخاص بالمرأة والسلام؛ وكان من المقرر أن تُعفى المنتجات الخاصة بالنساء مثل الفوط الصحية من الضرائب حتى يكون ثمنها الشرائي في مقدرة الجميع؛ ويتم توفيرها داخل المدارس؛ ولكن الحرب عصفت بتنفيذ الخطة رغم وجودها، حسبما ذكرت المسئولة الحكومية في حديثها لـ«البوابة».
3 ملايين امرأة فى السودان مُهددات بمشكلات صحية ونفسية لانعدام توفر الفوط الصحية
وتقول مديرة وحدة المرأة والطفل: قبل الحرب كان هناك تشجيع لإنتاج الفوط الصحية المُستدامة وهي أقل خطرًا على البيئة؛ وبالفعل أنتجت مجموعة من السيدات ما يقرب من 100 ألف قطعة من الفوط الصحية المستدامة بمواصفات مُعينة تُلائم السيدات ولا تُتسبب مُشكلات صحية وبتكلفة أقل من الفوط الصحية العادية؛ ولكن الحرب حدت من الانتشار وتعميم الفكرة.
ودقت المسئولة الحكومية من جديد ناقوس الخطر بشأن السيدات المتضررات من ويلات الحرب، لافتة إلى أن 3 ملايين امرأة في السودان مُهددات بمشكلات صحية ونفسية بسبب انعدام توفر الفوط الصحية بسبب الحرب، مشيرة إلى أن النساء هي الفئة الأكثر تضرر من عمليات النزوح والأقل وصولًا للخدمات الصحية والنفسية بسبب القصور في تلبية احتياجاتهن والتوعية الصحية والنفسية والنظافة الشخصية من قبل منظمات المجتمع الدولية والمحلية، مؤكدة على ضرورة حماية الخصوصية والمساحات الآمنة لإيصال الخدمات الأساسية والنفسية وحماية النساء من الاستغلال الجنسي والتحرش.