نعيش صيفًا تاريخيًا تخطت درجات حرارة يوليو فيه جميع درجات الحرارة التي شهدتها الأرض منذ عرفها الإنسان حتى اليوم. يتحمل الإنسان مسؤولية ما حل بالأرض، فهو لا يرى إلا رد فعل ما يقوم به دون أن يفكر فى المصيبة التى يفعلها يوميًا حين يدخن سيجارة أو يترك قابس شحن أى جهاز فى الكهرباء بعد اكتمال شحنه، أو يلقى بالنفايات البلاستيكية أرضًا تاركًا إياها تتفاعل مع حرارة الحياة. قد يقول البعض وما شأننا بذلك؟ أليست الانبعاثات الكربونية لدى الدول الصناعية هى المسؤول الأكبر؟!.
أثبتت تجارب ساعة الأرض، التى يطلب فيها من أهل الأرض إغلاق كل مستهلكات الكهرباء عندهم لمدة ساعة، أن مجرد ستين دقيقة من الالتزام دون أن تتحول إلى أسلوب حياة تؤثر فعليًا فى تخفيض نسبة التلوث التى تؤثر على المناخ بشكل ملحوظ وتقلل من درجة حرارة الأرض نتيجة لذلك. تزورنا ساعة الأرض فى السبت الأخير من شهر مارس كل عام بتمام الساعة الثامنة والنصف مساءً. إنها تشجع البشر على الشعور بالمعاناة التى يعيشها الكوكب، ومن ثم يقومون بمسؤلياتهم تجاه هذا الكوكب، إذ أن المواطنين العاديين كلما زاد عددهم فى تبنى سلوكيات صديقة للبيئة يمكنهم أن يقللوا من صيف الأرض الذى يطول كل عام عن سابقه وتزداد حرارته.
بغض النظر عن تلك المسؤوليات الفردية والدولية تجاه الصيف الطويل الحار لكوكب الأرض، فإن هذا الحر أثر على مزاج السكان بشكل كبير.. سرى المثل على لسان المصريين بأن "الصيف كيف"، فى إشارة إلى أن أصحاب المزاج العالى يقدرون قيمة الصيف ويستطيعون الاستمتاع أكثر تحت مظلة هداياه الثمينة. ظهرت إحصائيات هذا الصيف تفيد بتراجع قراءة الروايات فى مصر، إذ عبر القراء أن وقت الصيف يحتاج لأنشطة قصيرة ممتعة كالقصص القصيرة والمقالات الخفيفة، بينما تعد الروايات نشاطًا طويلًا ممتدًا أكثر مما يمكن احتماله فى الحر. ويعد صيف هذا العام أول مواسم الصيف الذى تظهر فيه الروايات تأخرًا عن غيرها فى إقبال القراء عليها من بين المكتوبات. يشير ذلك إلى أن درجة الحرارة تغير أفكار أهل الأرض فعليًا فى إشارات واضحة. بل وهو تغيير نحو الميل لعدم استخدام العقل فى الاستغراق الطويل وهو أمر جدير بالاهتمام.
لا شك أن معظمنا شعر بما يُسمى بـ«الإجهاد الحراري»، وهى ظاهرة صحية تتأثر فيها أعضاء جسم الإنسان سلبًا بارتفاع درجة الحرارة فوق احتماله المعتاد، فيبدأ فى الشعور بصعوبة فى ممارسة وظائف جسده الحيوية، وفى حالات الحرارة العالية جدًا تتوقف الوظائف.. لذا من المفضل أن ترتاح لو شعرت بأن الحر بدأ يبعدك عن القدرة على التحكم فى جسدك بشكل مقبول لديك.
ارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار ١.١٨ درجة مئوية منذ نهاية القرن التاسع عشر، وفقًا لما رصدته وكالة ناسا الأمريكية، وحدث الجزء الأكبر من هذا الارتفاع خلال السنوات الأربعين الماضية، وكان العامان ٢٠١٦ و٢٠٢٠ هما الأشد حرارة فى تاريخ الأرض بزيادة سنوية فى درجات الحرارة أكثر قليلًا من درجة مئوية.
أثر ذلك بلا شك فى أنشطة البشر اليومية مثل ساعات النوم اليومية التى قلت نتيجة لارتفاع درجة حرارة الجسم لدى الكثير من البشر، وهو أمر لا بد أن يكون له تأثيره على أجساد أهل الأرض تدريجيًا وإن لم يشعروا بذلك بشكل فوري، كما صار للنفايات تأثيرًا أكبر نتيجة لمساعدة الحرارة العالية فى حدوث تفاعلات مختلفة بين مكوناتها، مما يجعلها أكثر تأثيرًا فيما حولها، ويزداد مع كل ذلك استهلاك البشر للماء الذى يزداد بخره بالضرورة أيضًا. هذه بعض مظاهر يمكن أن نلحظها أنا وأنت كل يوم صيفي.
لكن على الضفة الأخرى من النهر.. مازال الصيف هو فصل الكرنفال الكبير للبشرية. تأتى الحفلات صيفًا.. يقدم البشر أجمل حفلاتهم وزياراتهم فى التجمعات العائلية صيفًا.. يأتى القمر فى أبهى حلة تحت مظلة رطوبة البحر العالية.. تأتى مواسم التنزيلات وأفضل الأكلات الخاصة وأجمل ألوان الملابس صيفًا.. وتأتى قصص الحب الملتهبة على الورق وخارجه صيفًا.. يأتى الصيف بحرارة وكأنه يلهب حرارة البشر على فعل كل شيء رغم اشتعال الغابات وموت البطاريق الوليدة وتفجر الفيضانات.
يظل الصيف مهرجانًا للحياة على الأرض، وأعتقد أن هذا المهرجان يستحق أن نبقى أحياءً كى نستمتع به، وهو ما يحتاج منا أن نلتزم ونحمى الأرض من خطايانا فى حقها. أنا من عشاق الصيف وسأظل أبدًا، لا سيما فى بلد يكسوها الصيف سمرة الجمال وخفة السحر كمصر.
د.نهلة الحوراني.. أستاذة بقسم الإعلام - آداب المنصورة