يقول وليم شكسبير: «ليس كل ما يلمعُ ذهبا، ويقول العوام فى بلادى الجميلة: ولا كل مِن رِكب الحصان خيّال».
أتذكّرُ هاتين الحكمتين عندما أنظر أمامى فأرى كلمة «نجم» التى كانت تُطلق على أعظم أهل الفن فى العصور الذهبية للفن المصرى أصبحت تُطلق جزافا وبلا معايير، وضوابط على كل من ظهر أمام الشاشة، أو أنتج أغنية ساذجة، أو أمسك بقلم مقصوف شحيح، أو تناول ريشة عرجاء، فأصبحت مصرُ كلُّها نجومًا.
وإن كان الأمر كذلك وسماءُ الفنون المصرية مزدحمة بهذه النجوم العملاقة.. فمن أين إذن يأتينا هذا الضباب الكثيف الذى أعتم رؤيتنا فلم نعد نرى أى جديد فى دنيا الفنون إلا القليل رغم وجود عظماء فى كل مناحى الابداع فلا يجد البعض إلا أن يعيش على ما تركه الآباء فى كل فروع الآداب، والفنون، وتاهت وسط الزحام محاولات النجوم الحقيقيين فكم من اعمال رائعة وتستحق كل الاحتفاء لكن للاسف لا تنتصر على جحافل الهطل والاستخفاف.
فقدتْ كلمة «نجم» رونقها، وأظن أنها أصبحت كلمة مزعجة لأى نجم حقيقي، أصبح لدينا آلاف النجوم دون تباين بين من يستحق اللفظ، ومن لا يستحق، اعرف كثيرين من نجوم حقيقيين من كتاب ومخرجين ومفكرين ومبدعين حقيقيين يلزمون منازلهم فقط.
والسؤال: كيف لبعض النجوم أن تُمتهن وتسيء لنفسها فى بعض البرامج وخاصة فى شهر رمضان المعظم حيث تكون نسب المشاهدة أعلى.. كيف يَسيل لُعابها أمام المال فيقومون بتقديم تنازلات على حساب القيمة الفنية والموهبة الأمر الذى يجعل كل من يراهم يشفق عليهم إنها اهانة مدفوعة الأجر؟.
تقريبًا أصبح لدينا نجم لكل مواطن، وللاسف ما حدث مع كلمة «النجم» حدث مع كلمات أخرى كثيرة فقدت مضمونها، وفرغت من محتواها وعلى سبيل المثال لا الحصر كلمة «ناشط» أصبح لدينا ناشط لكل مواطن، وأصبحت كلمة حقوقي، ومستشار، وإعلامي، وخبير، ودكتور، وسفير تُطلق على كل من هب ودب.
وأكثر ما أخشاه أن تفقد كلمة «فنان» هى الأخرى قيمتها وأراها تقال بلا حساب، وأظن أننا فى الطريق إلى هذا إذا تجاهلنا ما يحدث فى الدول المتحضرة، ففى هذه الدول يكون الفرق واضحا بين النجم، ونجم الشباك والمسمي: «Box office» فهو من يأتى إليه الجمهور ليشاهده فهو بطل خارق يحقق أحلامه وأحلام الطيبين والمظاليم دون أى قيمة فنية أو ثقافية، وقد تكون للترفيه ومن أمثلة نجوم الشباك: أرنولد شوارزنيجر، وچاكى شان، وسالفيسترستالوني، وفان دام، وستيف ريفز قديما حين قدّم مجموعة أفلام هرقل.
كل هؤلاء نجوم شباك تأتى إليها نوعية من الجماهير والشباب، أما النجم الـ«actor» فهناك سير لورانس أوليفيه، وسير أنطونى هوبكنز، ومارلن براندو، وأل باتشينو، وجارى أولد مان.. هؤلاء نجوم شباك ونجوم لجوائز الأكاديميات المانحة للأوسكار وباقى الجوائز فهم ممثلون بقدرات يعرفها نقاد السينما فى الأداء والتقمُّص للشخصيات بمهنية رفيعة المستوي.
لقد تصالح البعض منا مع الضلال كما تصالح البعض من قبل مع القبح، ودائمًا نسأل ماذا فعلت الدولة، ولا نسأل ماذا فعلنا بأنفسنا فالكل نجوم، والكل مفكرون، وفلاسفة، وناشطون حقيقيون.
رجاءً.. عليكم بإعمال العقل، ولنسأل سؤالا منطقيا: لو حقا كلنا أو معظمنا نجوم.. ما هذا الذى نراه ونعيشه جميعًا.. وأين تأثير تلك النجوم؟ هل استطاعت أن تنير للشباب واقعًا واضحًا وملموسًا عما يحدث لمصر من تحديث فى كل المجالات: عسكرية، وتنموية، واكتشافات بترولية وغاز وكهرباء، وكثير من التقدم فى معظم مجالات الحياة وكم كبير من الانجازات مثل مبادرة حياة كريمة وتنمية الريف المصري. أرى أنها إنجازات واضحة وملموسة ومن لا يشعر بها فهو فاقد للبصر، وللبصيرة.
واُذكّر الغافل والمتناسى هل تتذكر الأبواب الحديد على منازلنا وتجمعات الشباب فى شكل «لجان شعبية» للدفاع عن أسرهم وبيوتهم فى كل الشوارع المصرية بعد أن احترقت أقسام الشرطة بفعل كتائب تجار الدين عقب ثورة يناير، وانتظارنا جميعًا أمام الشاشات نبحث عن خلاص من جحافل الردة العقلية والباحثين عن عودة الخلافة الإسلامية، فقط أذكّركم وأطالب الإعلام بأن يلعب الدور المنوط به لتنمية الوعى الحقيقى بالخبر والمعلومة بديلًا لما نشاهده الآن فى بعض القنوات من صراخ وبحث عما يصنع «الترند» على شبكات التواصل «التباعد» فنجد مشاكل وخلافات الفنانين وكثيرًا من مشاكل اللاعبين والمعلقين هى أشياء لا تهم المواطن ولا تجد حلًا لمشاكله، وإنما يبحث عنها فقط العاطلون المأنتخون أمام شبكات التواصل الإجتماعي.
يا من أطلقتم على أنفسكم لقب «نجوم»، أين نوركم يرحمكم الله؟ أين ضياؤكم فى سماءٍ مظلمة؟.. أناشدكم الاهتمام بالوعي، والتنوير فى كل أعمالكم وبتثقيف أنفسكم إن كنتم أصلًا نجومًا، وأذكركم بدور التنوير الحقيقى منذ الأربعينيات والخمسينيات وظهور عظماء التنوير فى المسرح، والأدب، والفن وظهور كوكبة من المفكرين، والنقاد اشعلوا مصابيح المعرفة والجمال وأناروا جنبات العقل وطردوا خفافيش الظلام، وصنعت أعمالهم مناخًا كان من نتائجه ثورة ٢٣ يوليو، وما أعقبها من نهضة ثقافية فى المسرح، والأدب، والفكر، والسينما.
نتذكر تلك الحقبة بكل امتنان.. مصرُ العريقة الأصيلة باقيةُ لا محالة، فما زال لدينا شرفاءٌ محبون يعملون لها بوعي، وإدراك وعلم، وأمانة، وشرف بكامل طاقتهم لكى تظل شجرةُ المعرفة المصرية وارفةً تمنحُ ثمارها لكل من يحيط بها.. ومصرُ تستحق.
حسين نوح.. ناقد وفنان تشكيلى