فيليب دوفول محامٍ ومتخصص فى العلاقات الدولية وعلى دراية جيدة بالقضايا الجيوسياسية المتعلقة بأوكرانيا وروسيا. ويجيب هذا الأسبوع على أسئلة موقع لوديالوج حول هذا الصراع الرهيب وتداعياته الدولية، خاصةً أنه عاد لتوه من روسيا.. ويتحدث أيضا عن أفريقيا، تلك القارة التى تقربت أكثر فأكثر للبريكس وروسيا بينما يبدو أن فرنسا قد «فقدت محبتها فى القلوب» إلى الأبد!
فى هذا الحوار مع فيليب دوفول، الذى عاد مؤخرا من روسيا، نتناول العديد من النقاط الساخنة فى الدوائر السياسية العالمية فى الوقت الذي يعيش فيه العالم حالة من الغليان، ليس فقط منذ الحرب فى أوكرانيا- التى هى فى الواقع مواجهة الغرب الأطلسى مع روسيا من خلال الوسطاء الأوكراني- ولكن منذ سنوات عديدة ونحن نواجه هذه الظاهرة التى استهان بها الغربيون لفترة طويلة، إننا امام قضية المطالبة بالتعددية القطبية التى أطلقتها الدول الناشئة، كما أننا نجد مجموعة البريكس المتنامية، وكذلك التطور المتزايد المؤيد لروسيا والمؤيد للصين فى العالم العربى وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. فيليب دوفول هو محامٍ ذو خبرة فى قضايا الإرهاب. وقد حصل على تدريب مكثف فى قضايا الأمن والدفاع بعد أن كان مدققًا فى مركز INHESJ فى عام 2008، ثم حصل على الدورة الوطنية السادسة والستين لـ IHEDN فى عام 2014. مزيد من التفاصيل فى نص الحوار التالى:
لوديالوج: لنبدأ بالأحداث الجارية الروسية الأوكرانية، ولا سيما أخبار وفاة بريجوجين.. ما هو رأيك فى تحطم الطائرة الذى شبهه الغرب بعملية اغتيال أرادها بوتين لرفيق دربه السابق الذى تمرد والذى لم يغفر له خيانته؟
فيليب دوفول: لا شك أن الإعلان عن اختفاء بريجوجين، فى ٢٣ أغسطس فى تحطم طائرة خاصة من طراز أمبراير ليجاسي-٦٠٠ فى منطقة تيفير شمال غرب موسكو، يفتح الباب أمام الكثير من الشائعات والتكهنات. ومن المؤكد أنه منذ المسيرة من أجل العدالة فى ٢٣ يونيو الماضى، فقد تشوهت وبهتت صورة قائد مجموعة فاجنر بشكل كبير فى أعين النظام الروسى، الذى أعتبر هذا العمل نوعا من الخيانة العظمى، حتى ولو كان هذا الرجل قد انتصر فى معركة بخموت.
وأكدت عدة مصادر مقربة من مجموعة فاجنر اختفاء بريجوجين واتهام الرئيس فلاديمير بوتين بشكل مباشر. وتشير الدول الغربية بأصابع الاتهام إلى النظام الحاكم الروسى دون تردد. من المؤكد أن بريجوجين كان له أعداء كثيرون، سواء على الجانب الأوكرانى أوفى الدوائر العسكرية العليا فى روسيا، لكن لا شيء يشير حتى الآن إلى سبب هذا الحادث وشوهد بريجوجين للمرة الأخيرة فى منطقة الساحل، ربما على حدود جنوب مالى بالقرب من النيجر، ليعلن استئناف القتال ضد الإسلاميين مع جماعة فاجنر فى المنطقة.
وحتى يومنا هذا، لم تقرر الإيوكاس شن أى تدخل عسكرى ضد الانقلابيين فى النيجر بالرغم من أن رئيس ساحل العاج كان يؤيد بشدة هذا الأمر بدعم من فرنسا. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة، مثل روسيا، لا تريد حلًا مسلحًا وتخشى تصعيد الصراع الذى قد يتسبب فى زعزعة الاستقرار السياسى فى جميع أنحاء منطقة الساحل وحتى خارجها.
لوديالوج: بالنسبة إلى الحرب الأوكرانية.. هل تخشى، مثل بعض الخبراء - ولا سيما المحللة السابقة لـ SGDSN آنا بوفريوفى مقال نشر فى لوديالوج - تصعيدا عاما بين الناتو وروسيا، وحتى- خلال الأشهر القادمة- حدوث تعبئة لدول الناتو التى دخلت فى حالة حرب مع موسكو؟
فيليب دوفول: كما ذكرنا فى السؤال الأول، فإن امتداد الصراع أمر وارد تماما بل إن هناك خطرين: الأول قد يكون امتدادًا للصراع بين الحدود البيلاروسية وبولندا فى ضوء تصريحات السلطات البولندية وتحركات القوات على طول الحدود. وقد يؤدى ذلك إلى تطبيق المادة الخامسة من حلف شمال الأطلسى، حيث يتعين على جميع الأعضاء تقديم دعمهم للدولة العضوالتى دخلت فى صراع وهوما سيكون بمثابة بداية حرب عالمية ثالثة مع امتداد الصراع النووى.
أما الخطر الثانى، المذكور أيضًا فى السؤال الأول، فهو خطر قصف محطة زابوريزجيا للطاقة النووية، وهوإغراء يائس لأوكرانيا بعد إخفاقاتها فى الهجوم المضاد. وسوف تعتبر الولايات المتحدة ذلك نوع من الهجوم النووى، حتى ولوتم تنفيذه من قبل حلفائها الأوكرانيين. سيكون من الصعب للغاية إثبات من يقف وراء هذه المأساة. لكن هذا سيعرض جزءا من الأراضى الأوكرانية لمخاطر التلوث فى عموم المنطقة الروسية والأوروبية حسب المفاعلات المتضررة واتجاه الرياح وقت الانفجار وبعده.
لوديالوج: وماذا عن الهجوم المضاد؟ من يجب تصديقه؟ هل سيتمكن الروس من الصمود لفترة طويلة وهم يعلمون أن العقوبات ستضرهم بتراجع الروبل وتراجع أسعار النفط والغاز إلى مستويات ما قبل الحرب لعدة أشهر بالفعل، الأمر الذى سيشل الموارد المالية الروسية وخاصة بمعرفة أن خطوط الغاز سيبيريا ٢ التى تربط الصين لم تنته بعد وبالتالى فإن روسيا لم تعوض خسارة السوق الأوروبية؟
فيليب دوفول: لقد أصبحت هذه الحرب الروسية الأوكرانية صراعا استنزافيا مع خط أمامى يزيد طوله على ١٠٠٠ كيلومتر. وعلى سبيل المقارنة، كان خط المواجهة خلال الحرب العالمية الأولى فى فرنسا ضد ألمانيا ٦٠٠ كيلومتر. ومنذ عدة أشهر، قامت روسيا بتعديل استراتيجيتها بالكامل، وقبل كل شيء، حددت خطوط دفاعها على ستة مستويات، والتى أثبتت فاعليتها منذ يونى الماضى.
فى هذه الأثناء، مكّنت التعبئة الروسية الجزئية من تعزيز خط المواجهة حتى لوكانت الخسائر كبيرة جدًا ولكنها أقل بكثير من الخسائر الأوكرانية المقدرة بـ ٣٠٠ ألف قتيل وعدد مماثل من الجرحى.
وقد نجح الرئيس فلاديمير بوتين فى إقناع شعبه بأهمية العملية الخاصة، ويحظى بدعم أكثر من ٨٠٪ وفقًا لمعاهد الاستطلاع الغربية ولم تتأثر روسيا بشكل كبير بما يقرب من ١٤ ألف عقوبة تستهدف البلاد. صحيح أن هناك تغييرا فى قيمة الروبل وارتفاعًا فى الأسعار وانخفاضًا فى أسعار النفط، لكن ذلك لم يعد يؤثر على الاقتصاد الروسى أكثر من ذلك، والذى بحسب التقديرات سيحقق فى عام ٢٠٢٤ نموًا أعلى من نمو الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، والتى يبدو أنها أكثر تأثرًا بتلك العقوبات.
ونحن نرى هذا بشكل خاص فى فرنسا مع الانفجار فى أسعار الكهرباء الذى له تأثير رهيب على الشركات الصغيرة والمتوسطة فى فرنسا. علاوة على ذلك، تمت تصفية العديد منها فى عام ٢٠٢٣. يضاف إلى ذلك تسجيل تضخم بنسبة ١١٪ على مستوى المنتجات الغذائية فى فرنسا مما يؤدى إلى إفقار الطبقة المتوسطة الدنيا فى فرنسا. تمتلك روسيا كميات هائلة من المواد الخام التى لا تنضب تقريبًا وهوما لا ينطبق على الاتحاد الأوروبى. وفيما يتعلق بالهجوم المضاد الأوكرانى الذى بدأ منذ يونيو الماضى، لم تسترد كييف سوى ١٤ كيلومترًا مربعًا بعد قتال عنيف. ويمكن التأكد فى اتجاه زابوريزجيا، بعد قصف عنيف، أن القوات المسلحة الأوكرانية سيطرت على معظم قرية رابوتينووتقدمت إلى منطقة نوفوبروكوبوفكا. وقصفت القوات الروسية الوحدات الأوكرانية فى نوفودانيلوفكا، ومالايا توكماشكا، وإيجوروفكا، وبيلوجورى، وتشاروفنى، وجولايبول، وجولايبول، وزاليشى، وكراسنايا، وبولتافكا. وقصفت القوات المسلحة الأوكرانية نيستيرنياك وكوبانى وفيربوفوى ونوفوبوكروفكا. وفى موقع أوجليدار، حاولت القوات الأوكرانية بدعم من المدفعية، التقدم نحومنطقة بريوتنى وستاريلنوفكا، دون نجاح حقيقى. قصفت القوات المسلحة الروسية القوات المسلحة الأوكرانية فى ماكاروفكا، وفريمفكا، ومودنى، وغولدن نيفا، وبريتشيستوفكا، وأوغليدار، وفوديان (يجب عدم الخلط بينها وبين المنطقة التى تحمل الاسم نفسه شمال شرق دونيتسك). ضرب الجيش الأوكرانى الوحدات الروسية فى ديزيريه شيرى وكيرمينشيك ونوفودونتسكى.
على جبهة دونيتسك، قامت القوات المسلحة الروسية، بدعم من المدفعية، بعمليات هجومية فى مارينكا، كما هاجمت المواقع الأوكرانية جنوب أفدييفكا وصمدوا أمام قصف وحدات القوات المسلحة الأوكرانية فى نوفوميهايلوفكا، وكونستانتينوفكا (يجب عدم الخلط بينه وبين المنطقة التى تحمل نفس الاسم جنوب غرب باخموت)، وإيكاتيرينوفكا، وإليزافيتوفكا، وأنتونوفكا، وبوبيدا، وكراسنوجوروفكا. اشتبكت المدفعية الأوكرانية فى دونيتسك وجورلوفكا.
وفى اتجاه باخموت، تقدمت القوات المسلحة الأوكرانية قليلًا فى منطقة كليكيفكا، واحتلت المواقع الأمامية للقوات المسلحة الروسية غرب القرية. كما قصفت القوات الروسية القوات المسلحة الأوكرانية فى إيفانوفسكى وبوغدانوفكا وأوريخوفوفاسيليفكا ومينكوفكا وفيدوروفكا وزفانوفكا وسيفيرسك وفيسيلوم (منطقة تقع شمال شرق سوليدار) الذين وجدوا أنفسهم تحت ضربات كورديوموفكا وأندريفكا وبخموت.
لوديالوج: وماذا عن السعودية؟
فيليب دوفول: فى الحقيقة، موقف المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنه لا يزال دقيقًا فى دعمها لروسيا، إلا أنه يتحرك بسرعة بعيدًا عن المجال الأمريكى وهى ترغب فى وضع نفسها كقوة دافعة فى المحادثات وحل النزاعات بعد أن استضافت اجتماعا حول أوكرانيا فى جدة فى ٤ أغسطس، فى محاولة جديدة لفرض قوتها والظهور كوسيط على الساحة الدولية.
وقد تمت دعوة ثلاثين دولة، باستثناء روسيا، وفقًا لدبلوماسيين مطلعين على الاستعدادات والذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، لمناقشة المسألة الأوكرانية. ووفقا لهم، فإن الرياض حريصة بشكل خاص على استقبال البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا، أعضاء مجموعة البريكس (مع روسيا) الذين، على عكس الغرب، لم يقفوا إلى جانب أوكرانيا دون دعم الغزوالروسى الذى بدأ فى فبراير ٢٠٢٢.
ونتيجة لذلك، فإن اتباع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة يوفر فرصًا جديدة لدول الخليج لكى تلعب دور المساعى الحميدة فى تسوية الصراع الروسى الأوكرانى.
لوديالوج: ماذا كان رد فعلك أو شعورك تجاه قمة الناتو التى انعقدت يومى ١١ و١٢ يوليو فى فيلنيوس؟
فيليب دوفول: انعقد اجتماع الناتو فى الفترة من ١١ إلى ١٢ يوليو فى فيلنيوس، على بعد بضع مئات من الكيلومترات من سانت بطرسبرج كنوع من التحدى لروسيا وكانت هذه القمة فرصة لإرسال رسالة قوية إلى أوكرانيا وتقديم وعود لها بأنها ستصبح عضوًا فى الناتو بناءً على طلب الرئيس فولوديمير زيلينسكى بمجرد انتهاء الحرب وذلك لإثناء موسكوعن شن هجمات جديدة.
ومع ذلك، فإن الدول الأعضاء فى التحالف لم تجتمع على كيفية صياغة دعوة الانضمام إلى كييف. ففى حين تريد دول البلطيق وبولندا وفرنسا دعوة صريحة وسريعة، فإن الولايات المتحدة وألمانيا تظلان حذرتين. وقال الرئيس جوبايدن فى مقابلة مع شبكة سى إن إن: «لا أعتقد أن أوكرانيا مستعدة لأن تكون جزءا من حلف شمال الأطلسي»، مبينا أنه غير مستعد للالتزام بجدول زمنى محدد بشأن هذا الأمر.
ونشعر هنا ببعض الحرج للرئيس الديمقراطى الأمريكى وفريقه الذين قدم دعمًا عسكريًا وماليًا هائلًا لأوكرانيا قبل وقت طويل من بدء الصراع فى ٢٤ فبراير ٢٠٢٢.
لوديالوج: هل ستكون هذه انتكاسة أم ابتعادًا عن الرئيس زيلينسكى، الذى وعد بهجوم مضاد انتهى بالفشل وبخسارة العديد من الجنود والمركبات العسكرية التى سلمتها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا؟
فيليب دوفول: بحسب بعض الخبراء العسكريين، فإن الخسائر البشرية على الجانب الأوكرانى تصل إلى ٣٠٠ ألف رجل بالاضافة إلى عدد من الجرحى ومن المؤكد أن هذه الملاحظة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من جانب الأركان الحربية الأمريكية التى يجب أن تكون لديها شكوك معينة حول اختيارات الأركان الأوكرانية.
كما لا يمكننا أن نستبعد خطر امتداد الصراع إلى الحدود البيلاروسية بمبادرة من البولنديين، وهوما يمكن أن يعطى بعدا آخر للصراع مثل خطر قصف الأوكرانيين لمحطة الطاقة النووية فى زابوريجيا، الأمر الذى من شأنه أن يعطى الصراع تطورًا نوويًا والذى يمكن أن يكون عملًا يائسًا بعد فشل هجومهم المضاد...
لوديالوج: هل سيغير كثيرا انضمام السويد الذى تم رفع الحظر عنه وكذلك مع انضمام فنلندا وهل ستكون روسيا قادرة على القيام بالأسوأ فى مواجهة هذا التطويق شبه الكامل فى بحر البلطيق؟
فيليب دوفول: ينبغى على السويد الآن أن تصبح هى العضو الثانى والثلاثين فى منظمة حلف شمال الأطلسى بمجرد موافقة البرلمان التركى وكذلك المجر، التى أعلنت بالفعل دعمها. ولكن دعم تركيا لم يكن بلا شروط أودون التنازل لمصلحة المجر. ويمثل الإعلان عن هذا الاتفاق خاتمة ١٨ شهرًا من المفاوضات الصعبة بين ستوكهولم وأنقرة والتى اشترطت فى البداية أن تعطى الضوء الأخضر بتسليم تركيا العشرات من النشطاء من اللاجئين الأكراد فى السويد.
وقد التقى الرئيس التركى رجب طيب أردوجان والأمين العام لحلف شمال الأطلسى جينس ستولتنبرج ورئيس الوزراء السويدى أولاف كريسترسون أمام الصحافة فى وقت مبكر من مساء يوم الاثنين، ١٠ يوليو، لإضفاء الطابع الرسمى على دعم تركيا لعضوية الناتو ودعم السويد لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبى.
تبرز تركيا كحكم وكقوة إقليمية تفرض سياستها الخارجية بطريقة ماهرة ومسيطرة للغاية. وهو أمر متناقض تمامًا فى لعبة تحالفات الناتو. وتمنع تركيا الوصول إلى البحر الأسود من خلال منع اسطول الناتوالوصول إلى مضيق البوسفور وتزود أوكرانيا بطائرات بدون طيار ومعدات عسكرية، ولا تتبع العقوبات التجارية ضد روسيا.
وتزود تركيا نفسها بمعدات عسكرية مضادة للطائرات من روسيا وتقوم بعمليات عسكرية ضد القواعد العسكرية الكردية فى سوريا.
يمكننا القول بأن تركيا تقود اللعبة بل وتسمح لنفسها بتهديد دول الاتحاد الأوروبى مثل مطالبتها بالسيادة على الجزر اليونانية، سواء إقليميا أومؤخرا فى فرنسا وقت أعمال الشغب فى يوليو، حيث تدخلت أنقرة وأدانت عنصرية الشرطة الفرنسية تجاه الاسلاميين. ولا ننسى أن أكثر من ٨٠٠ ألف مواطن تركى يقيمون فى فرنسا، معظمهم يحملون جنسية مزدوجة. إضافة إلى ذلك فإن أئمة مساجد الطاعة التركية يعتمدون بشكل مباشر على أنقرة.
لوديالوج: فى الواقع، تركيا ليس لديها ما تحسد عليه الجزائر فيما يتعلق بالتدخل فى الشئون الداخلية لفرنسا واستغلال السكان المهاجرين المسلمين: ما رأيك فى ذلك؟
فيليب دوفول: تعرضت فرنسا لانتقادات شديدة من قبل رئيس الجمهورية الجزائرية وذلك عقب وفاة الشاب نائل، من أصل جزائرى، بمدينة نانتير فى الربيع الماضى إثر إطلاق النار عليه من قبل الشرطة. وكان هذا الشاب معروفا لدى الشرطة بسلوكه الإجرامى إلا أن الرئيس الجزائرى عبد المجيد تبون لم يتردد فى ذكر الأصل الجزائرى للشاب الذى كان يحمل أيضا الجنسية الفرنسية، متهما بذلك الشرطة الفرنسية بالعنصرية.
فهل يجب أن نتذكر هنا أن الشرطة الجزائرية ليست نموذجا للاحترام الجمهورى وأن المواطنين ذوى الجنسية الفرنسية الجزائرية المزدوجة لا يريدون حقا خوض معركة مع إدارة الشرطة الجزائرية عندما يذهبون إلى الجزائر.
تبدو السلطات السياسية الفرنسية مرتبكة بشأن واقع الدول التى يمكن أن تتحول إلى دول «معادية» أوترى (الجزائر وتركيا) ك“أعداء» يتمتعون بقوة إزعاج حقيقية فى حالة تكرار أعمال الشغب وهوما يمكن أن تشجعه وتدعمه فى حالة تكرار ذلك، وهوالأمر الذى يعد محتملًا فى المستقبل القريب.
لوديالوج: على الرغم من أن الأوروبيين قد توصلوا أخيرا إلى اتفاق بشأن إدارة المهاجرين ولم يعودوا يقللون من الرئيس التونسي قيس سعيد، وذلك بعد مبادرة إيطالية من جيورجيا ميلونى التى ذهبت إلى تونس مع روتى وفان دير لاين، هل مازلت ترى تقاربا بين دول أفريقيا والمغرب العربى مع روسيا وحتى الصين؟
فيليب دوفول: أصبحت مسألة الهجرة قضية أساسية فى العلاقات الدبلوماسية والجيوسياسية مع الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى والقارة الأفريقية ككل. وقد رأينا ذلك فى الرحلة الأخيرة التى قامت بها جورجيا ميلونى مع رئيس الوزراء الهولندى السابق وخاصة رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبى أورسولا فان دير لاين إلى تونس خلال لقائهما مع رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد. وقد أبدى الأخير استعداده لمعارضة جذرية لمسألة انتقال المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى إلى بلاده. وهذا يثبت أن هذه الظاهرة ستكون طويلة الأمد وستكون موضع تبادلات أو ضغوط من دول شمال أفريقيا ضد دول البحر الأبيض المتوسط فى الاتحاد الأوروبى، مثل تركيا بدلًا من ألمانيا.
ويجب هنا استخدام الصرامة والحزم لأن موجة الهجرة أمر متوقع بما تحمله من مخاطر ومآس، مثل غرق ستة مهاجرين فى القنال الإنجليزى يوم الجمعة الماضى. ويجب على الاتحاد الأوروبى أن يستلهم من مثال نيوزيلندا وأستراليا وحظر هذه المناطق البحرية ضد القوارب التى تمثل ثروة للمهربين ومأساة لأولئك الذين يخاطرون بالقدوم بشكل غير قانونى.
ومشاكل الهجرة هذه لا تهم روسيا والصين بأى حال من الأحوال، الأمر الذى يسمح لهاتين القوتين بتقديم التبادلات دون تعويضات الهجرة.
تنجذب الدول الأفريقية أكثر فأكثر إلى الاتفاقيات والتقاربات السياسية مع روسيا والصين، خاصة وأن هاتين الدولتين ليس لهما أى ماض استعمارى مع القارة الأفريقية. وهذا ما يفسر هذه التسهيلات التى حصلتا عليها روسيا والصين من خلال الاتفاقيات الاقتصادية والدعم الأمنى والمساهمات التكنولوجية أيضًا، خاصة وأن بعض الدول الأفريقية تتعرض لأزمات سياسية وتهديد إسلامى فى منطقة الساحل، كما أظهرت الأحداث الجارية فى النيجر مع الانقلاب العسكرى الذى حشدت فيه الدول الـ١٥ الأعضاء فى منظمة الإيكواس.
هناك قضايا كثيرة على المحك تعتمد على خيارات حل هذه الأزمة؛ فإذا حدث تدخل عسكرى فى النيجر، فمن المؤكد أن هناك دوامة من المرجح أن تؤثر على العديد من البلدان الأفريقية.
لوديالوج: دعنا نتناول مسألة مجموعة البريكس: أنتم على اتصال دائم بالسلطات الروسية وسلطات العديد من البلدان الأفريقية، فهل ترون عزلة دولية متزايدة لروسيا كما توحى حقيقة استسلام جنوب أفريقيا للغرب من خلال عدم دعوة بوتين إلى قمة البريكس أوعلى العكس من ذلك زيادة عدد الدول الراغبة فى الانضمام إلى البريكس والتعاون للالتفاف على العقوبات ومن ثم المشاركة فى بناء عالم متعدد الأقطاب غير خاضع للولايات المتحدة ودول والغرب؟
فيليب دوفول: فيما يتعلق باجتماع البريكس فى نهاية أغسسطس، لم يتغير شيء فيما يتعلق بمكانة روسيا داخل هذه المنظمة التى تتمثل مهمتها فى تقديم بديل آخر للهيمنة الأمريكية والغربية على الاقتصاد العالمى من خلال فرض الدولار واليورو فى التجارة الدولية. وهى صيغة تروق للعديد من البلدان الناشئة فى أفريقيا، فضلا عن العديد من البلدان فى الشرق الأوسط وآسيا. وإذا كان الرئيس فلاديمير بوتين قد قرر عدم الذهاب إلى بريتوريا بعد الآن، فإن وزير خارجيته سيرجى لافروف كان هناك، وتحدث الرئيس الروسى فى المؤتمر عبر الفيديو كونفرانس. لذلك لا يوجد أى تغيير، بل سنلاحظ ازدراء للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، الذى أراد الذهاب إلى الاجتماع، لكن رفضته جنوب أفريقيا، بناء على طلب روسيا الاتحادية.
لا ينبغى التغاضى عن أن العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وفرنسا مقطوعة تمامًا. ومع ذلك، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أنه يستطيع، فى ظل ظروف معينة، استئناف الاتصال مع نظيره الروسى. ولكن لن تكون الأمور بهذه البساطة فى أعقاب موقفه الغامض تجاه روسيا.
إنه أمر مؤسف، لأن فرنسا كان بوسعها أن تلعب دورًا مهيمنًا فى الحوار والدبلوماسية من أجل تهدئة الصراع وتسويته. إن موقف فرنسا «فى نفس الوقت»، وخاصة تبعيتها الأطلسية، يجعلها تفقد دورها فى هذا العالم الجيوسياسى الجديد متعدد الأقطاب والذى سيكون هو المهيمن فى العقود القادمة.