تعد الأسرة السادسة والعشرين، التي تبدأ بالملك «بسمتيك الأول» ابن الملك «نيكاو»، وتنتهي بالملك «بسمتيك الثالث» من الأسر التي يعرف الأثريون تاريخها بصورة مرضية على وجه عام، وتحتوي هذه الأسرة على ستة ملوك حكموا جميعًا حوالي تسع وثلاثين ومائة سنة.
وبدأ حكم الأسرة السادسة والعشرون بالسنة الرابعة والستين والستمائة، وينتهي بالسنة الخامسة والعشرين والخمسمائة قبل الميلاد.
وقد عُد «بسمتيك الأول» بين الأثريين باعتباره مؤسس أسرة جديدة، مع أنه من سلسلة أسرة ملوك متتابعين وهم ملوك الأسرة الرابعة والعشرين. حيث أصبحت البلاد في عهده مستقلة، بعد أن كانت ترزح تحت نير الحكم الآشوري.
ويفسر البعض تحديد بداية الأسرة السادسة والعشرين ببداية حكمه لأن الوضع يُشبه تأسيس الأسرة الثامنة عشرة التي تؤرخ بدايتها بحكم «أحمس الأول»، والذي كان أخًا للملك «كامس» آخر ملوك الأسرة السابعة عشرة، ومع ذلك عد مؤسسًا لأسرة جديدة.
وأسس «بسمتيك الأول» أسرة جديدة سار بها في طريق الاستقلال حتى بلغت غايته، ثم أخذ بعد ذلك في تأسيس إمبراطورية جديدة على أنقاض النير الآشوري والكوشي، ونهض بها نهضة كانت مضرب الأمثال في تاريخ «مصر» والشرق عامة.
ولا نزاع في أنه منذ حوالي عام 660 ق.م قد سيطر «بسمتيك الأول» على كافة أراضي مصر بحزم، حتى أن الأجانب و«الآشوريين» أنفسهم أطلقوا عليه «ملك مصر».
وفي الجزء الثاني عشر موسوعة «مصر القديمة»، والذي تناول "عصر النهضة المصرية ولمحة في تاريخ الإغريق"، يشير الأثري الراحل سليم حسن إلى أنه، في الواقع، كان النصر الباهر الذي أحرزه «بسمتيك»، هو -في حقيقة الأمر- كان بداية القضاء المبرم على كيان الإمبراطورية، التي بدأ بتكوينها ملوك الأسرة الثانية عشرة، والتي بلغت ذروتها في عهد ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
يقول: فقد محيت «مصر الكبرى» -التي كانت تتكون من مصر وكوش وبلاد آسيا- بعد أن استمرت شامخة ما يقرب من عشرين قرنًا من الزمان، وحلت محلها «مصر الصغرى» للمرة الأولى في التاريخ.
وتدل الآثار على أن هزيمة الأمراء الحربيين الشماليين، وضم إمارة «طيبة» التي كان يسيطر عليها «آمون» وطرد «الكوشيين» و«الآشوريين» نهائيًّا من «مصر» لم يستغرق أكثر من تسع سنين.
وتابع: غير أن هذه الأعمال العظيمة التي حققها «بسمتيك» لم تؤلف إلا جزءًا صغيرًا من مشاريعه العظيمة. إذ كان واجبه بعد ذلك ينحصر في إعادة الرخاء إلى بلاده، أو على أية حال كان عاقدًا آماله على أن ينتشلها من البؤس الذي استمرت ترزح تحت عبئه قرنين من الزمان قضتها في حروب داخلية وغزوات خارجية.
هذا بجانب أنه لم توجد مدينة من مدن مصر من أول «أسوان» حتى «بلزيوم» لم تصل إليها أيدي التخريب، سواء أكان ذلك على أيدي الأجانب أم المصريين أنفسهم، وفق حسن.
وكانت المدينة الملكية بلا نزاع في عهد هذا الملك هي «سايس»، وهي مسقط رأس أجداده ومعقلهم الحصين منذ أن أخذ «تفنخت» أميرها العظيم يناضل عن ملك مصر في وجه «الكوشيين»، وبخاصة في عهد «بيعنخي».
وفي وصف المدينة، يقول سليم حسن: استمرت هذه المدينة الشوكة المؤلمة في جسم ملوك الأسرة «الكوشية» حتى قضي عليها نهائيًّا، وتقهقر ملوكها إلى الجنوب ثانيةً ولزموا عقر دارهم. فقد رأينا كيف أن «بوكوريس» قد نهاض «شبكا»، ثم وقف ثانية في وجه ملوك «الآشوريين» على الرغم من إغرائه بالمال والحكم. وأخيرًا جاء بعده «بسمتيك» وخلص البلاد من «الآشوريين» أولًا، ومن الكوشيين آخرًا.
وقد أقام ملوك الأسرة السادسة والعشرين في هذه المدينة قصورهم ومقابرهم، غير أن مقتضيات الأحوال قد جعلتهم يتخذون عاصمة الملك الرسمية «منف»، وذلك على غرار ما فعله الرعامسة، فقد كانت عاصمة ملكهم السياسية «قنتير» في حين كانت عاصمتهم الحقيقية «طيبة».
وكانت «سايس» في الواقع مقامة على الفرع «الكانوبي» للنيل وهو أهم فروعه. وفي العصر الذي كانت فيه مصر مقسمة مقاطعات متنافرة متناحرة، كان الأمير الساوي في مقدوره أن يقف في وجه السفن التي تسير على الطريق الرئيسي إلى «منف». وتشير موسوعة «مصر القديمة» إلى أنه من المحتمل أن هذا هو السبب الذي من أجله كانت «سايس» و«منف» مرتبطتين معًا.