الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

مصريات

اعتبروه عقابًا من السماء.. زلزال عنيف دمّر العمران والحضارة وأجبر المصريين على هجر بيوتهم 40 يومًا

بسبب الزلزال تساقطت
بسبب الزلزال تساقطت المنازل والدور وتشققت الجدران
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الزلازل أيضًا لها شأن في التاريخ، ومصر من البلاد التي شهدت العديد من الهزات الأرضية المدمّرة، ليس فقط في التاريخ الحديث وإنما من مئات السنين، وسجلتها كتب التاريخ، ويتذكر جيل الثمانينيات في مصر جيدًا زلزال عام 1992، الذي خلّف لقوته قدرًا كبيرًا من الدمار، وكذا في العصر المملوكي ضرب مصر زلزال يؤرخ له بعام 702 هـ، واشتهر الزلزال بسبب قوته وما أعقبه من دمار بأنه دفع العديد من المصريين إلى الفرار من بيوتهم. 
 

يُعد الزلزال الذي ضرب مصر عام 702 هـ – 1303م، من أقوى الهزات الأرضية التي شهدتها مصر في تلك العصور البعيدة نسبيًا عن عصرنا الحالي، وشهرة هذا الزلزال ترجع لما أعقبه من أحداث، حيث هجر الكثير من المصريين بيوتهم، وحمّلوا أصحاب الذنوب والآثام ذنب ما أسموه بأنه ابتلاء من الله رب العالمين، كما تحكي الكتب التاريخية. 
 

المقريزي في كتابه «السلوك لمعرفة الملوك»، يروي أن زلزلة عام 702 هـ ارتبطت في أذهان سكان القاهرة بأنها ما حدثت إلا عقابًا لهم من الله على ما فعلوه في نهار رمضان، وما ارتكبوه من مخالفات بتركهم الصيام والقيام وانشغالهم بالأغاني الصاخبة، وهو قول مغلوط، ولكنه كان حديث دائر بين العامة نكاية فيمن أسموهم بالمُفسدين. 
 

تبدأ قصة الزلزال قبل بضعة أشهر من وقوعه وتحديدًا في رمضان عام 702 هـ – 1303م، وفي هذا اليوم استطاع السلطان الناصر محمد بن السلطان المنصور قلاوون من الانتصار على المغول في معركة «مرج الصفر». 
 

وأقيمت الزينات والاحتفالات في القاهرة، ونُصبت السرادقات بداية من باب النصر في سور القاهرة الشمالي وهو الباقي حتى الآن، وحتى باب السلسلة والذي يقع بسور قلعة الناصر صلاح الدين مقر الحكم، وأصدر السلطان فرمانًا إلى أمراء الأقاليم بإرسال كل من يستطيع الغناء أو تقديم فقرات احتفالية من أرباب الملاهي إلى القاهرة للمشاركة في احتفال النصر. 
 

شهدت تلك الاحتفاليات تجاوزات جاءت في كتب التاريخ نصًّا، «تهتّك الخلائق ومشىَ فيهم المُنّكر والأمور القبيحة»، وانتشرت المحرمات في نهار رمضان، وجاهر الناس بالمعاصي، ولم يوجد مواطنًا في القاهرة إلا وشارك بشكل أو بآخر في تلك الاحتفالات بعدما «خرج الجميع عن الحشمة واستحسن الفضيحة».
 

ويقول «المقريزي»: «حصل في القاهرة ومصر نصب القلاع (السرادقات) والزينة والفساد في الحريم وشرب الخمور ما لا يمكن وصفه، من الخامس في شهر رمضان إلى أن قُلعت في أواخر شوال». 
 

وفي فجر يوم 24 ذي الحجة عام 702 هـ/ 8 أغسطس 1303م، أي بعد شهرين من احتفالات النصر، وقعت «الزلزلة العظمى» هكذا وصفتها كتب التاريخ، وفزع المصريون من نومهم، وهلك الكثير من الناس بعد ما لم يتمكنوا من الهرب وماتوا تحت الأنقاض. 
 

المعاصرون لتلك الفاجعة حكوا وسجلوا في كتب التاريخ ما وقع، وأنهم لم يسمعوا بمثلها فيما سبق، وأطلقوا عليها «الزلزلة العظمى»، ومع الزلزال هبت عواصف شديدة الحرارة، أطلقوا عليها «سموم تلفح فتشوي الوجوه حين تنفح»، وكان الوقت صيفًا في شهر أغسطس، وأصابت تلك الريح الوجه القبلي «ريح سوداء مظلمة حتى لم ير أحد أحد قدر ساعة».
 

استمرت تلك الهزة الأرضية ما يقل عن الساعة بقليل حسب وصف المعاصرين لها، وتبعتها هزات ارتدادية استمر أربعون يومًا، وهو ما جعل سكان القاهرة يهجرونها خوفًا من رجوع الزلزال مرة أخرى، فخرج الناس إلى القرافة «المقابر» وأقاموا بها الخيام وخرجت النساء حاسرات «مكشوفات الرأس» إلى الطرقات واجتمع الناس في الصحراء خارج القاهرة وباتوا قُرب باب البحر بحريمهم وأولادهم.
 

هذا الزلزال العظيم أصاب مصر والشام ووصل إلى تونس، وكذلك جزيرة صقلية وقبرص، وتضررت منه الإسكندرية أشد الضرر حيث «ذهب تحت الردم بها خلق كثير وطلع البحر إلى نصف المدينة وأخذ الجمال والرجال وغرقت المراكب».
 

أي أن الزلزال حسب تلك الروايات كان مركزه البحر الأبيض المتوسط وتسبب في موجة تسونامي اجتاحت نصف الإسكندرية، حيث وصل الموج إلى باب البحر والسفن طفت فوق المياه وتعدت الشواطئ، وهو ما جعل أهالي الإسكندرية يهربون من باب السدرة، ولما انتهى الزلزال عادوا إلى مساكنهم. 
بسبب الزلزال تساقطت المنازل والدور، وتشققت الجدران ووقعت مآذن الجوامع والمدارس، ولعل أشهر ما سقط مئذنة مجموعة المنصور قلاوون في شارع المعز، وأعاد ابنه السلطان الناصر بنائها، ويصف المؤرخون الحال فيقولون، لم يبق بيتًا إلا وتهدم فيه حائط أو سقط جانب، وصارت الأتربة والطوب أكوامًا أمام البيوت.
 

ومن المباني التاريخية المتضررة بسبب زلزال 702 هـ جامع عمرو بن العاص في الفسطاط، وسجلت كتب المؤرخين الأضرار أنها عبارة عن تشققات في جدران الجامع وانفصال أعمدته، ووقع سقف الجامع الأزهر وأصابت مئذنته الشروخ، وسقطت مآذن جامع الحاكم عند باب الفتوح وكذلك الجدران، وكان أكثر مبنى تأثر بسبب الزلزال، كما سقطت مآذن جامع الصالح طلائع وبعض جدرانه.


أما في الإسكندرية فسقطت أكثر أبراج وأسوار المدينة، وكذلك فنار الإسكندرية حيث أصاب شرخ قمتها، وتساقطت أجزاء السور الشمالي للمدينة، وتهدمت صهاريج مياه الإسكندرية التي تزود المدينة بالمياه العذبة، وتسبب الزلزال في تعطيل طرق التجارة وتسبب للتجار في خسائر كبيرة. 
ومن المدن المنكوبة في مصر وقتها، مدن عديدة في دلتا مصر منها مدينة «سخا»، التي تهدمت جميع دورها، ولم يبق بها جدارًا واحدًا، وكذلك مدينة "أبيار"، وقريتين في الشرقية شرقي القاهرة، وأكثر مدن البحيرة، التي لم يبق بها منزل قائم، وكذلك مدينة قوص في صعيد مصر، وسقطت جسور النيل، وغرقت الأراضي التي كانت تحميها هذه الجسور من الفيضان. 
 

اجتهد الناس في القنوط والدعاء والتقرب إلى الله حتى يرفع عنهم الزلزال، وذكر المؤرخون أن المصريين قضوا ليلة الجمعة وحتى إقامة صلاة الظهر، معتكفون في المساجد بين الأنقاض وأقاموا ليلتهم ويومهم واقفين يبتهلون إلى الله تعالى ويتضرعون. 
 

كان السلطان- حينها- الآمر بإقامة هذه الاحتفالات التي اعتبرها المصريون سببًا رئيسيًا في وقوع الزلزال، وكان عليه أن يتخذ قرارًا تكفيرًا عن ذلك، لذا دعا السلطان الناس إلى صيام ثلاثة أيام تقربًا إلى الله حتى يخفف عنهم، فرجع الناس إلى الله بالدعاء والاستغفار والتسبيح والصلاة. 
ثم أصدر السلطان الناصر محمد بن قلاوون، قرارًا بإلزام الأمراء المساهمة في عملية إعادة إعمار المساجد والجوامع والمدارس التي تضررت نتيجة الزلزال، من أموالهم الخاصة، وتم التقسيم، فالجهات التي تتبع السلطان مباشرة تم الإنفاق عليها من مال السلطان الخاص، والمنشآت التي تتمتع بالأوقاف تم الإنفاق على ترميمها وإعادة بناءها من ريع الأوقاف، فيما قام الأمراء بترميم الكثير من الجوامع والمدارس التي تهدمت، وكذلك منارة الإسكندرية كل حسب منصبه.
 

ظل المصريون مقيمون خائفون من العودة إلى منازلهم خشية عودة الزلزلة مرة أخرى، خاصة وأن المؤرخين يؤكدون أن توابع الزلزال استمرت ٤٠ يومًا، وكانت التوابع عبارة عن هزات خفيفة تتسبب بسقوط جدار هنا أو مبنى هناك، ولم يرجع المصريون إلى بيوتهم إلا بعد تأكدهم من انتهاء الأمر تمامًا.