أقامت سفارة الولايات المتحدة بالقاهرة، بالشراكة مع مؤسسة American Film Showcase (AFS) ورشة عمل لمدة خمسة أيام حول أساليب الكتابة الكوميدية لكبار كتاب السيناريو المصريين. والتي أدارها كاتبا السيناريو والمنتجان الأمريكيان ماتيو بورجيزي وروب تربوفسكي، المرشحان لجائزة إيمي عن مسلسل الجريمة الشهير "Only Murders in the Building/ فقط جرائم القتل في المبنى".
خلال عملهما مع الكُتّاب المصريين، ركز بورجيزي وتربوفسكي على تطوير مهارات السرد وبناء الشخصية، مع التركيز بشكل خاص على الكوميديا كوسيلة لإيصال الرسائل.
كما أعطيا العديد من النصائح من خلال ورشة عمل تركز على التعامل مع الكتابة المكثفة والتي تم تصميمها على غرار ورش عمل الكتاب الكوميديين الأمريكيين.
وعلى هامش الورشة، نظّمت السفارة لقاء للكاتبين مع عدد من الصحفيين المصريين، استضافه مسرح الفلكي -التابع للجامعة الأمريكية- بوسط القاهرة. حيث تناول الحديث كتابة الدراما الكوميدية، و"غرف الكتابة" التي تتبعها شركات الإنتاج العملاقة، سواء في هوليوود أو المنصات الرقمية؛ وكذلك امتد الحديث حول الذكاء الاصطناعي، وقدراته، ومخاوفه.
قبل عدة أعوام التقى بورجيزي وتربوفسكي خلال دراستهما للماجستير في الفنون. منذ ذلك الوقت وهما "عالقان سويا" حسب تعبيرهما.
يقول بورجيزي: التقينا في مدرسة السينما، ثم رأى كل منا ما إذا كان الآخر لديه نفس حس الفكاهة وما إذا كان يعمل بطريقة مماثلة، أو يمكنكما مقابلة بعضكما البعض في منتصف الطريق أو شئ مثل هذا. بعد ذلك بدأنا الكتابة معًا
ويضيف تربوفسكي: أنا دائمًا معجب بالأشخاص الذين يستطيعون الكتابة بمفردهم، لأنه عمل صعب يجب متابعته. هناك الكثير من خيبة الأمل. هناك أشياء جيدة بالطبع، وهذا ما يجعلك تستمر. لكن هناك الكثير من الأشياء الصعبة، وأعتقد أن عدم وجود شريك هو الأصعب.
وقت ممتع
كشركاء في الكتابة، يشير بورجيزي وتربوفسكي إلى أنهما يقضيان وقتا طويلا معا، أو وفق تعبير بورجيزي "نقضي كل دقيقة من اليوم مع بعضنا البعض. إنه تحدٍ لأننا نقضي وقتًا ممتعًا طوال الوقت".
ويقول تربوفسكي "عائلاتنا تريد رؤيتنا. نحن مشغولون للغاية بالاستمتاع. أعتقد أن وجود شريك فني يمكن أن يشكل تحديًا. إنها دائمًا وساطة حول الاتجاه والأفكار وما يشعر به كل واحد منا بشغف في النص. ولكن في نهاية المطاف، يمكنك تطوير لغة ثانية وتكون قادرًا على قبول النقد باحترام. إنها مثل أي علاقة أخرى حيث يتعين عليك التعامل مع مشاعر بعضكما البعض ومعرفة مقدار الاستياء الذي يمكنك التعايش معه".
وأشار إلى أنهما حاليا غارقان في مسلسل Only Murders in the Building، الذي يُعرض الآن موسمه الثالث بنجاح كبير على إحدى المنصات.
أضاف: لقد كنا محظوظين جدًا بالعمل مع الكثير من الفنانين الرائعين حقًا. العمل مع ستيف مارتن ومارتن شورت -وهما أبطالنا- هو أمر ضخم، هما مميزان لأي شخص نشأ وهو يشاهد الكوميديا، كانت تجربة خاصة حقًا.
وتابع بورجيزي: أعتقد أن سيلينا جوميز كانت اكتشافا جديدا بالنسبة لنا، لكننا كنا سعداء بمعرفة مدى روعتها ومهاراتها.
ولفت الاثنان إلى أن "كتابة الجريمة ممتعة"، ولفتا إلى أنها ظاهرة في الولايات المتحدة "لقد كان الناس يستمعون إلى ملفات البودكاست الخاصة بالجريمة الحقيقية، وقد حققت نجاحًا كبيرًا، وأعتقد أنه يمكن العثور على الكوميديا فيها، وهذا ما حدث.
وأوضحا: نحن عالقان إلى حد كبير في الكوميديا، لأن الكوميديا هي شكل واسع النطاق. هناك الكثير، كما قلنا، هناك كوميديا سوداء، وهناك كوميديا واسعة، وهناك كوميديا خفيفة، وهناك كوميديا غامضة، وكوميديا رعب. نعتقد أن هناك نطاقًا واسعًا يبقينا مهتمين به. كما أن كل شيء تقريبًا أصبح كوميديًا هذه الأيام. جميع أفلام الأبطال الخارقين صار بها شيء من الكوميديا.
الذكاء الاصطناعي والكتابة
هناك الكثير من التحديات التي يواجهها الكتاب والممثلون بسبب التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأيضًا ظهور المنصات الرقمية وهو "شيء نفكر فيه باستمرار" وفق تعبير بورجيزي.
يقول: إن الذكاء الاصطناعي، هو أمر يثير قلقنا بشكل مشروع. إذا لم يكن هناك استبدال للكتاب، فعندئذٍ يمكن الحد من عدد الكتاب، وفجأة تقل الوظائف المتاحة. أعتقد -بالإضافة إلى ذلك- أن منصات البث هذه لديها الكثير من المعلومات التي لا تشاركها معنا، مما يجعل التفاوض العادل معهم أمرًا صعبًا للغاية. ليس لدينا أي فكرة عما يعرفونه عن عروضنا، ومدى قيمتها، وإذا كنا لا نعرف مدى قيمتها، فكيف سنضع سعرًا عليها؟
يضيف تربوفسكي: الكتابة الكوميدية مثل غيرها من النصوص تحتاج قدرا كبيرا من الاجتهاد في بناء القصة، وإجادة صياغة الحبكة، وخلق الشخصيات، وذلك بنسبة 90%، بينما تشكل النكات والسطور الكوميدية 10% من النص، لتكون حبة الكرز التى تزين الكعكة ولكنها ليست الكعكة كلها.
ويعرب عن اعتقاده بأن استوديوهات هوليوود قد ترغب في استبدال المؤلفين ببرامج الذكاء الاصطناعي يومًا ما "لكن مما أفهمه حول كيفية عمل الذكاء الاصطناعي -على الأقل في الوقت الحالي- فهو مجرد إعادة تجميع الأشياء الموجودة. إنه في حقيقته لا يخلق أي شيء جديد. نأمل أن تستمر الرغبة في بعض الأشياء الجديدة في كتابة البشر.
وأكد بوجيزي أن "منصات البث المباشر قد غيرت الطريقة التي يستهلك بها الناس الترفيه". حسب تعبيره.
يقول: لقد غيروا الطريقة التي يتم بها عمل التلفاز. لقد عمل النظام الذي اعتدنا عليه لفترة طويلة حقًا. وكانت لا تزال هناك شركات كبيرة. كان الأمر لا يزال يتعلق بكسب المال، ولكن كان هناك أيضًا شعور بأن ما تفعله مهم. كان هناك محترفين. الآن، نظرًا لوجود تركيز أكبر على أسعار الأسهم، وجعل التكلفة رخيصة قدر الإمكان، فقد سقط جزء كبير من هذا النظام.
وتابع تربوفسكي: هناك أعمالا يقع الناس في حبها. هناك شخصيات يهتم بها الناس حقًا. يُطلب منا أن نبتكر شيئًا يصعب جدًا القيام به والتفكير فيه والوصول إلى أعلى مستوى لنا ككتاب. إنه تحدي حقيقي بالنسبة لنا. الجزء الذي يجعل شيئًا مضحكًا هو مجرد المرة الأولى التي تراه فيها، المفاجأة. لذا فإن أنواع الأشياء التي ظلت مضحكة عادةً ما تفعل شيئًا آخر فريدًا. هناك شيء مبهج أو ملهم فيه.
وأضاف: أعتقد أنها، مثل تشارلي شابلن، أنها ليست مجرد كوميديا جسدية لرؤية ما يفعله، ولكن هناك في الواقع مستوى من الحزن، أعتقد أن هناك شيئًا حزينًا وجميلًا في عمله الذي جعله يدوم أكثر مما لو كان مجرد سقوط شخص ما لأسفل أو الصعود والنزول على المنحدرات.
غرفة الكتابة
هي المصنع الذي يستغرق فيه الكتاب وقتا طويلا من أجل الخروج إلى عمل جاهز للتصوير، وتستمر خلال العمل من أجل التعديلات والإضافات. هو تعريف مبسط كما يراه كاتبا الكوميديا الأمريكيان. لكن، ما الذي يجعل غرفة الكتابة جيدة؟
يقول بورجيزي: غرفة الكتابة هي الطريقة التي نصنع بها أعمال التلفاز في أمريكا. إنها غرفة حقيقية يجتمع فيها الكتّاب. هي بسيطة كما تبدو، لكنها في الواقع، على ما أعتقد، غير عادية. في الأساس، كل حلقة من حلقات التلفاز التي تشاهدها من أمريكا تمت كتابتها بواسطة 10 إلى 14 كاتبًا. الجميع منخرطون، إنه جهد جماعي.
وأضاف تربوفسكي: إنها وسيلة تعاونية للغاية هناك غرفة كاملة لمساعدة الكتاب ودفعهم للأمام، وتحرير أفكارهم. أعتقد أن ميزة ذلك هي أنك تحصل على الكثير من الأصوات المختلفة، والكثير من الشخصيات المختلفة التي ربما تم تقديمها بطريقة مسطحة أو مثيرة للاهتمام.
وأوضح: في هذه الغرفة يبدأ الجميع تقريبًا ككاتب جديد، كما نسميه كاتبًا في فريق العمل. كلما زاد عدد العروض التي تعمل عليها، كلما طالت مدة عملك، كلما ارتقيت أكثر في السلم. هذه هي الطريقة لكي يصبح لك عملك الخاص. لكن في الغالب تكون أصواتنا متساوية في الغرفة ونتخلص من تلك الفروق.
وذكر كلا من بورجيزي وتربوفسكي عددا من النصائح لبناء "غرفة كتابة جيدة". قال الأول: الشيء الأساسي هو احترام جميع المشاركين واحترام أصوات الجميع داخل الغرفة. إذا شعر الناس بأنهم أحرار في طرح أي فكرة مجنونة لديهم وأنهم لن يشعروا بالغباء حيال ذلك، فقد تحصل على بعض الأفكار الجديدة الرائعة حقًا.
وأضاف تربوفسكي: تتكون الفكرة لديك والتي تقوم بتجميع غرفة الكتابة هذه من أجلها. من هم الشخصيات؟ ما هو العالم الذي تكتب فيه وما هي أجزاءه التي تعرف الكثير عنها؟ وما هي الأجزاء التي لا تعرف عنها الكثير؟ ولذا، قم بتعيين أشخاص يعرفون أكثر منك عن تلك الأشياء تثق بهم وتعتمد عليهم. أعتقد أن هذه طريقة جيدة للقيام بذلك أيضًا. الشيء الأساسي أيضًا، فقط تأكد من أنك تريد أن تكون هناك لمدة تصل إلى 10 ساعات يوميًا. هذا هو المفتاح.
نصائح للكتابة
وجّه بورجيزي وتربوفسكي عددا من النصائح إلى كُتّاب السيناريو "الأمر الأكثر أهمية هو أن تدرك أنه لا شيء أو شخص لا يمكن استبداله مهما بدت لك صعوبة الأمر في البداية؛ كما يجب أن تدرك وأن تكون واثقا من شغفك الحقيقي في الكتابة، وأن تكون على استعداد للمخاطرة من أجلها".
ووجه تربوفسكي حديثه إلى الكتاب الشباب بشكل عام "الأكثر أهمية بالنسبة لك، عليك فقط الاستمرار. لا يوجد شيء يمكن أن يحل محل ممارسة الجلوس والكتابة كل يوم، بغض النظر عن مدى ضآلة التقدم الذي تشعر أنك تحرزه أو مدى صعوبة ذلك".
وأضاف بورجيزي: أعتقد أنه عليك أن تكتشف أن لديك شغفًا بأفكارك سيكون أقوى من الرفض الذي ستواجهه. أعتقد أن هذا هو الطريق للنجاح. عليك أن تجد شيئًا ما داخل نفسك أو ما تكتب عنه والذي يساعدك على تجاوز كل الأشياء التي لا تنجح أو الأشخاص الذين يقولون لا، لأن هذا يحدث للجميع.
تابع: أعتقد بشكل أساسي، سواء كنت كاتبًا كوميديًا أو كاتبًا دراميًا، أن اهتمامك الأساسي هو القصة. الشيء الذي تحاول أن تجعل الجمهور يشعر بشيء تجاهه، الشخصيات التي يشعر بها جمهورك، والتي يهتمون بها. إنها خدعة صعبة حقًا أن تكتب شيئًا ما على الورق لاختراع أشخاص من رأسك.
ويُكمل تربوفسكي: نعلم جميعًا أن الشخصيات خيالية، لكنكم تشعرون وكأنهم حقيقيون بدرجة كافية لأن أريدهم أن ينجحوا، أو أنني أكره هذا الرجل وأريده أن يفشل. هذا يمثل 90% من العمل. الـ 10% هي عبارة عن عبارات مزخرفة، وهذه نكتة، وهذا شيء يبدو أنه يمكننا وضعه.
وأكد بورجيزي: في النهاية، إنه الذوق. لا يوجد قانون عالمي. القانون العالمي الوحيد الذي يجب علينا الالتزام به هو إذا كان هناك شيء مثير للاهتمام، وهذا ليس شيئًا يمكنني إملاءه. ليس هناك أي قواعد. أعني أن لدينا بعض الإرشادات لمساعدة الأشخاص في جعل نصوصهم أكثر إثارة للاهتمام قليلًا. لكن إذا اختلفوا، إذا وجدوا أننا فقدنا أي شرارة كانت هناك من خلال تطبيق هذه الأفكار، فهم المدقق النهائي لما يجعل الأمر ناجحًا.
