لا يعرف كثيرون أن محافظة الجيزة تضم إلى جوار الأهرامات الشهيرة هرما لإحدى ملكات مصر القديمة هى الملكة خنتكاوس، وهى ابنة الملك منكاورع، من ملوك الأسرة الرابعة.
بدأت الأسرة الرابعة بحكم الملك العظيم سنفرو، والذى بنى لنفسه هرمين باقيين حتى الآن فى منطقة دهشور؛ ثم ابنه هو الملك خوفو، صاحب أكبر أهرامات الجيزة والذى يُعد من أعاجيب الدنيا الباقية.
تميزت الدولة المصرية فى عهد "خوفو" بالقوة والثراء واكتمال نظامها الإداري، ولا دليل على ذلك أكبر من استطاعة حكومته إنجاز الصرح العظيم "الهرم الأكبر"، وهى أكبر مقبرة دفن فى العالم تقريبًا.
لكن بعد وفاة الملك خوفو قامت منازعات بين أولاده، حسبما ورد فى موسوعة الدكتور سليم حسن "مصر القديمة" أثناء حديثه عن هذا الملك.
ويبدو أن تلك المنازعات كان سببها هو تعدد زوجات خوفو فلقد كان من المألوف أن يكون للملك العديد من الزوجات، والمحظيات، كما كانت ظاهرة زواج الأخ من أخته موجودة ولكن فى الأسر الملكية فقط؛ حيث لم يكن يحق لرجل أن يتولى الحكم إلا لو كان يحمل الدم الملكى أى من أب وأم ملكيين.
فلو كان الابن -على سبيل المثال- ليس ابن الأم الرئيسية أو الملكية، فلا يحق له أن يتولى الحكم. لذا، كان يتم اللجوء إلى تزويجه من أخته لأبيه، والتى تحمل دمًا ملكيًا خالصًا، كى يستحق تولى حكم البلاد.
هكذا، يتبين كم كان يبجل المصرى القديم المرأة، والتى كان دورها دومًا فى حكم البلاد محوريًا مؤثرًا. رغم هذا، لم يكن مألوفًا أن تتولى سيدة حكم البلاد.
لذا، وصلت لنا أمثلة محدودة تحكى عن ملكات معدودات تولين حكم مصر خلال فترة العصر المصرى القديم التى امتدت إلى 3500 عام كاملة؛ وضمن هاته الملكات كانت الملكة "خنتكاوس" ابنة الملك منكاورع، ابن الملك خا إف رع، ابن الملك خوفو.
وكان التقليد أو القانون المتبع يقضى بأن تكون الأحقية فى الملك لواحد من ثلاث، الأول هو ابن الملك المولود من زواج الملك بأخته وكلاهما من الدم الملكى الخالص؛ أو أن يكون الوارث للعرش هو ابن ملك ولد من زواج ليس من دم ملكى خالص من ابنة ملك من الدم الملكى الخالص؛ أو أن يكون الوارث رجلًا قويًا تزوج من ابنة ملك من دم ملكى خالص.
الملكة خنتكاوس
أما تلك السيدة المعروفة فى تاريخ تلك الأسرة باسم "خنتكاوس" فهى ابنة الملك منكاورع، وهى أخت الملك شبسسكاف، وهو ابن منكاورع والسابق عليها حكمًا.
وطالبت خنتكاوس بالعرش بعد وفاة أخيها شبسسكاف، حيث لم يكن له وارث، وكان الدم الملكى يجرى فى عروقها، فأمها وأبوها ملكيان، وأى منافس لها لا يتمتع بما لها من أحقية.
كتبت خنتكاوس على باب هرمها ألقابها، ومنها «ملك الوجهين القبلى والبحرى والأم الملكية وبنت الإله وكل شيء تأمر به يُنفذ لأجلها»؛ ومن النص نستنتج أنها تزوجت أحد كبار القوم ولكنها لم تذكر اسمه، لأن على ما يبدو لم يكن ذا دم ملكى خالص.
ونلاحظ أنها أطلقت على نفسها لقب "ملك" وليس "ملكة"، كما فعلت من بعدها حتشبسوت فى الأسرة الثامنة عشرة.
أنجبت «خنتكاوس» ابنها «وسر كاف»، وأصبح هو ولى العهد، واستقرت الأوضاع السياسية فى البلاد، وكانت خنتكاوس هى حلقة الوصل بين الأسرتين الرابعة والخامسة.
وهناك حكاية أسطورية وردت فى بردية «وستكار»، والتى تحكى قصة أسطورية عن أن ابن خوفو «حرددف» جاء لأبيه بساحر متنبئ يُدعى «ددي» والذى قال للملك «إن ابنك سيحكم وابن ابنك سيحكم ثم واحد منهم».
وقال الساحر إن هؤلاء الأولاد الثلاثة سوف تنجبهم زوجة كاهن «رع» التى حملتهم من الإله نفسه، ثم تسميهم الإلاهات بأسماء تشبه فى لفظها أسماء الملوك الثلاثة الأوائل للأسرة الخامسة وهم وسر كاف وساحورع وكاكاو، وأن الإله وعد الأم بأنهم سيحكمون، وأن أكبرهم سيكون كاهنًا أكبر لعين شمس.
ومن المحتمل جدًا أن تكون "خنتكاوس" قد تزوجت كاهنًا من كهنة عين شمس العظماء، وبذلك يكون الدم الملكى فى أولادهما، وعزز هذا كهنة «رع» الذين أخذ حظهم يرتفع، لذا أصبح الملك يسمى «ابن الشمس»، وربما ادعى الملك أنه هو ابن الشمس الحقيقي، لأن والده كاهن الإله "رع".
هرم الملكة خنتكاوس
أقامت الملكة لنفسها هرمًا بجوار هرم والدها الملك منكاورع، واستحدثت فى المعمار المصرى طرازًا جديدًا للشكل الهرمي؛ حيث جعلت قاعدة الهرم مربعة، ثم أقامت فوق تلك القاعدة المربعة تابوتًا، مقلدة فى ذلك مقبرة أخيها شبسسكاف فى دهشور.
تبلغ طول قاعدة هرم خنتكاوس ٤٥ مترًا، وارتفاعه نحو ٣٥ مترًا، والذى عُثر فيها على بقايا تابوت الملكة، وأمام الهرم أقامت خنتكاوس مدينة صغيرة لكهنتها لازالت منازلها المبنية من الطوب اللبن محتفظة بشكلها.
ووصف نص «يوزيب» شكل الملكة خنتكاوس، والتى كان يسميها المؤرخون اليونان بـ«نيتوكريس» حيث قال عنها إنها أجمل النساء، شقراء لها وجنتان ورديتان، وهى التى بنت الهرم الرابع.