يظل اكتشاف أسرار الحضارة المصرية القديمة مصدر اهتمام وولع جميع الجهات والدول وشعوبها على مستوى العالم، وفى واقعة مثيرة تثبت شدة الحرص على معرفة التاريخ المصرى القديم، تدخل مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى "إف بى آي" لتحديد هوية مومياء مصرية قديمة تم العثور على رأسها عام 1915 فى مقبرة بمنطقة "دير البرشا"، على بعد 280 كم جنوب القاهرة.
دير البرشا
"دير البرشا" هى إحدى قرى محافظة المنيا، وأخذت اسمها من أحد الأديرة المسيحية بالقرب منها وأصبحت "قرية دير البرشا"، وبدأ عالم المصريات الفرنسى "جورج دارسي" 1938- 1864 العمل الأثرى بـ"البرشا" ويعد أهم اكتشاف له هو العثور على حجرة دفن "سپى الثالث" الذى كان يعمل قائدا للجيش فى عهد الملك "سنوسرت" الثانى والثالث.
المقبرة A 10
فى عام 1915، نجح عالم المصريات الأمريكى "جورج اندرو ريزنر" رئيس البعثة الاستكشافية التى قام بها متحف بوسطن للعلوم بمشاركة جامعة هارفارد فى "دير البرشا"، التى استخدمت كجبانة خلال عصر الدولة الوسطى "2055 - 1650 ق.م" لحكام الأشمونيين، فى العثور على مقبرة "تحوتى نخت" وزوجته، والذى كان حاكما لمدينة "هيرموبوليس"، المنيا حاليا، خلال فترة الدولة الوسطى.
كان الحرم الخارجى للمقبرة متهدما، وكانت خالية من أية نقوش، ولكن حجرة الدفن وعلى الرغم من أنها قد تمت مهاجمتها من قبل لصوص المقابر الذين تركوا بعض العلامات على محاولاتهم إشعال النار فى المقبرة لتغطية آثارهم بعد سرقة الحلى والمجوهرات منها، لا تزال تحتوى على عدة توابيت من خشب الأرز، رسمت بدقة، والتى تنتمى إلى "تحوتى نخت" وزوجته، ومنها تابوته الخارجي، المعروف باسم "تابوت البرشا"، الذى يعد أفضل تابوت مرسوم وملون أنتجته مصر القديمة.
عثرت البعثة فى المقبرة أيضا على رأس مومياء مقطوعة على تابوت من خشب الأرز، إلى جانب عدد كبير من الأثاث الجنائزى مثل الفخار والأوانى الكانوبية، ونحو ٥٥ نموذجا "ماكيتات" لقوارب ولرجال ونساء فى مختلف أنشطة الحياة اليومية، معروفة باسم "موكب البرشا".
من أشهر نماذج المقبرة القوارب، والمجموعة الشهيرة المكونة من كاهن والعديد من الفتيات يقدمن القرابين، ونموذج لمركب بغير شراع كانت تحمل فى الأصل ثمانية بحارة فقد أربعة منهم، وقد زود البحارة بمجاديف كانت تثبت بالفتحات المعدة لذلك فى قبضة أيديهم.
فى عام 1920-1921 منحت الحكومة المصرية فى ذلك الوقت محتويات المقبرة لمتحف الفنون الجميلة فى بوسطن، وبقت محتوياتها قيد التخزين حتى عام 2009 عندما قرر المتحف عرضها ومن بينها رأس المومياء المجهولة.
الـ FBI والمومياء
كانت رأس المومياء ملفوفة بطريقة جيدة بالكتان عند العثور عليها داخل المقبرة، تأخذ شكل الوجه، مع وضع الحاجبين بالطلاء الأسود على القماش، وشعر المومياء بنى غامق ومتموج، محفوظ جيدا ومرئى من خلال أغلفة الكتان البالية.
محاولات عديدة فاشلة أجراها الخبراء والمتخصصون بالمتحف منذ ذلك الوقت لتحديد هوية صاحب رأس تلك المومياء، إذا كانت ترجع للحاكم "تحوتى نخت" أو زوجته، حيث كانت المشكلة أنه فى عام 2009 لم يكن هناك نجاح فى استخراج الحمض النووى DNA"" من مومياء عمرها أكثر من 4 آلاف عام.
ظل تحديد هوية المومياء تحديا للباحثين وعلماء المصريات خاصة أن المناخ الصحراوى الذي وجدت فيه رأس المومياء يحطم الحمض النووى بسرعة، ولذلك تحولت القضية برمتها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكي.
بالفعل نجح خبراء الطب فى مكتب التحقيقات الفيدرالى /FBI عام 2018 فى استخراج المادة الوراثية من رأس المومياء، من خلال أخذ عينة من أسنان الفك السفلي، وتم تحديد هويتها التى ترجع للحاكم "تحوتى نخت" وليست لزوجته.
تحوتى نخت
"تحوتى نخت" تم التعرف عليه بشكل مبدئى كتحوتى نخت الرابع أو تحوتى نخت الخامس، وهو "حاكم مقاطعة الأرنب"، المقاطعة الـ 15 فى مصر العليا أو الصعيد، فى نهاية الأسرة الـ 11 أو أوائل عهد الأسرة الـ 12.
وكان يعتقد فى وقت سابق أن "تحوتى نخت" عاش فى عهد الملك "سنوسرت الثالث"، لكن نتائج تحليل أثاثه الجنائزى تكهنت بأنه قد عاش فى فترة سابقة على ذلك العهد، على الرغم من أن هناك درجة من عدم اليقين لا تزال موجودة بهذا الصدد.
ولا يعرف علماء المصريات حتى الآن الكثير عن حياة "تحوتى نخت" فالعلاقة الوحيدة المؤكدة هى مع زوجته، والتى تسمى أيضا "تحوتى نخت"، فقد كان الاسم شائعا فى تلك الفترة على ما يبدو للجنسين، فهناك ستة أمراء وحكام يحملون هذا الاسم، اثنان منهم - الرابع والخامس على التوالى - كانا متزوجين من زوجات يحملن نفس الاسم.