الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الاعداد الخاصة

في ذكرى رحيله.. تراث "أديب نوبل" كنز للمسرحيين

الأديب العالمي نجيب
الأديب العالمي نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يُعد تراث الأديب العالمي نجيب محفوظ كنزًا للمسرحيين، فقد بحث ونقّب الكثير منهم في هذا التراث من أجل استغلاله في أعمال مسرحية، الهدف منها تعريف الأجيال الحاضرة والقادمة هذا الأديب الجليل صاحب جائزة نوبل، فعلى الرغم من إنتاجه الأدبي الغزير في الرواية أو القصة أو الشعر، فهو أكثر أديب تحولت أعماله إلى سينما، ودراما، ومسرح.
فعندما بدأ محفوظ تثقيفه الأدبي كان المسرح بطبيعة الحال في طليعة قراءاته الدراسية، فقرأ ما استطاع من قديمه ممثلا في الإغريق، ووليم شكسبير، وكورني، وراسين، وغيرهم، ثم المعاصرين منهم أمثال هنريك إبسن، وبرنارد شو، وأنطون تشيكوف، وغيرهم، فقد اطلع على التيارات المسرحية المختلفة، التي بدورها لا تقل متابعة عن الرواية أو القصة القصيرة أو الشعر.
فلم يكتب نجيب للمسرح سوى نصوصا قليلة تُعد على أصابع اليد، على عكس نصيب الأسد الأكبر من كتاباته المتمثلة في الرواية، والقصة القصيرة، وفي السطور التالية نستعرض أبرز نصوصه ورواياته التي قدمت مسرحيًا.

الأديب العالمي نجيب محفوظ

حسين حمودة: تجربة نجيب محفوظ بفن المسرح تمثل قطاعًا من عالمه

قال الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب المقارن والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة، إن تجربة الأديب العالمي نجيب محفوظ المتصلة بفن المسرح تمثل قطاعًا من عالمه، وإن لم يكن القطاع الأهم، وقد كان هو نفسه مدركًا لهذا المعنى، إذ صرّح أكثر من مرة، بتنويعات متعددة، بأنه "ليس كاتبا مسرحيا"، كما أنه آثر دائمًا ألا ينسب نصوصه ذات الطابع المسرحي الفن المسرحي؛ إذا كان يفضل أن يقول إنها "حواريات"، أو "نصوص درامية"، وربما يدعم هذا أنه لم ينشر هذه النصوص في كتاب مستقل، وإنما نشرها ضمن كتب كان تضم قصصا قصيرة له.
وتابع حمودة: في مجموعته القصصية "تحت المظلة" نشر نجيب محفوظ حوارياته أو نصوصه الدرامية تحت عناوين: "يميت ويحيي"، و"التركة"، و"النجاة"، و"مشروع للمناقشة"، و"المهمة"، وفي مجموعته "الجريمة" نشر نص "المطاردة"، وفي مجموعته "الشيطان يعظ" نشر نص "الجبل" و"الشيطان يعظ"، وأغلب هذه المجموعات صدر عقب هزيمة 1976 أو بعدها بسنوات قليلة، والحقيقة أن أثر الهزيمة كان واضحًا في معظم هذه النصوص الدرامية التي نشرت بتلك المجموعات، وقد تمثّل هذا الأثر على مستويات متعددة، ومن ذلك الطابع الكابوسي الرازح في بعض هذه النصوص، كما لاحظ النقاد والمبدعون والناقدات والمبدعات ممن كتبوا وكتبن عن هذه النصوص، ومنهم: "عبد الغني داوود، وفريدة النقاش، والدكتورة زينب العسال، وهدى توفيق". كذلك كان هناك أثر كبير تراءى في غالبية هذه النصوص، وارتبط بمسرح "العبث" أو مسرح "اللامعقول"، حيث تفككت العلاقات التي تربط بين الأشياء، وتجسد العالم خاليًا من أي منطق، وتجسّد العالم وكأنه فوق أرض تنهار وتميد.
وواصل: أتصور أن نجيب محفوظ، في هذه النصوص الدرامية، قام بالتضحية بقيمتين عظيمتين من القيم التي صاغت عالمه الروائي والقصصي الغني: قيمة التعين أو التجسيد الملموس، وقيمة "الامتلاء الزمني"، وتأسيسًا على هاتين القيمتين كان هناك عالم محفوظ الذي عرفناه واستمتعنا به في رواياته وقصصه القصيرة، حيث كل نص يحيل إلى عالم محدد، وإلى سياق ملموس، وإلى شخصيات إنسانية من لحم ودم، وإلى زمن بعينه وإلى مكان بعينه أيضًا، حتى ولو ارتبطت صياغات بعض هذه القصص والروايات بطابع مجازي أو أمثولي أو رمزي، ولعل إدراك محفوظ لهذا المعنى كان وراء عدم احتفائه كثيرًا بنصوصه التي انتمت إلى المسرح ورآها هو مجرد "نصوص درامية".
بجانب هذا القطاع من أعمال محفوظ الدرامية، التي كتبها بنفسه، كانت هناك، كما نعرف جميعًا، معالجات مسرحية لعدد من رواياته وقصصه، وفي هذه الوجهة قدمت مسرحيات مثل "بداية ونهاية" من إعداد أنور فتح الله، ومن إخراج عبدالرحيم الزرقاني، و"قصر الشوق" من إعداد أحمد الصاوي، ومن إخراج كمال ياسين، و"اللص والكلاب" من إعداد أمينة الصاوي، وإخراج حمدي غيث، و"الشيطان يعظ" من إخراج أحمد إسماعيل.. وغيرها، والحقيقة أن هذه المعالجات أشبه بقراءات إبداعية لنصوص محفوظ نفسها، تنتسب إلى المبدعين الذين قاموا بإعدادها وإخراجها وبالمشاركة فيها، شأنها شأن كل عرض مسرحي أو سينمائي مأخود عن نص روائي، يظل هذا العرض رؤية مسرحية أو رؤية سينمائية للنص المكتوب، ويظل كل نص مكتوب قابلًا لتعدد القراءات المسرحية والسينمائية.

الدكتور حسين حمودة أستاذ الأدب المقارن والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة

أعمال خلدت مسرح أديب نوبل..

بداية ونهاية
إحدى روائع محفوظ الروائية، المستوحاة من قصة حقيقية لأسرة من الأسر الفقيرة التي تكافح بعد وفاة رب الأسرة وعائلها الوحيد، وتتشابك فيها علاقات الأفراد بالمجتمع والبيئة المحيطة بهم، والتي بدورها لاقت استحسان القرّاء، إلى أن تحولت بعد ذلك إلى عمل سينمائي عام 1960م للمخرج صلاح أبو سيف، والذي أصبح بعد ذلك من أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وفي عام 1959 أعدّ المؤلف أنور فتح الله هذه الرواية إلى عمل مسرحي، قدم على خشبة المسرح القومي، ومن بطولة الفنانين: عبدالرحمن أبو زهرة، وأمينة رزق، وتوفيق الدقن، ورجاء حسين، وأحمد الجزيري، وحسن البارودي، ومن إخراج عبدالرحيم الزرقاني.
ويشير المؤرخ الدكتور عمرو دوارة، إلى أن أهمية هذا العرض تعود إلى الموضوع الاجتماعي الذي يتناوله، ومجموعة القضايا السياسية والاقتصادية التي تتفجر من خلال الأحداث الدرامية بصورة تلقائية، وتتناول الأحداث الدرامية مأساة أسرة بسيطة تفقد عائلها الموظف صغير، فتضطر الزوجة مع أولادها الأربعة، وهم: "حسن، وحسين، وحسنين، ونفيسة" إلى مواجهة قسوة الحياة بمفردهم، وأمام قسوة الظروف يضطر أحد الأبناء إلى ترك دراسته، كما يندفع بعضهم للانحراف بصورة أو أخرى، ومن عوامل نجاح العرض أيضًا توفيق المخرج عبدالرحيم الزرقاني في اختيار مجموعة رائعة من الممثلين، استطاع كل منهم تجسيد شخصيته الدرامية ببراعة فائقة، فتحولت الشخصيات الدرامية إلى شخصيات خالدة.

مسرحية بداية ونهاية

أما في العام 1985م أُعيد تقديم الرواية مرة أخرى للمسرح، ومن بطولة الفنانين: فريد شوقي، في دور "علي صبري"، وكريمة مختار في دور "الأم"، ومحمود ياسين في دور "حسن"، وحسين فهمي، في دور "حسين"، وممدوح عبدالعليم في دور "حسنين"، وشهيرة في دور "نفيسة"، ويسرا في شخصية "بهية"، وأبو بكر عزت، وفاروق الفيشاوي، ومحسن سرحان، ونجوى فؤاد، وإبراهيم خان، وعلي الشريف، والمنتصر بالله، موسيقى حلمي بكر، والنص من إعداد أنور فتح الله، وإخراج عبدالغفار عودة، والتي لاقت نجاحًا كبيرًا.
وعلى مسرحي الجيب، والطليعة قدمت روايات "تحت المظلة"، و"التركة"، و"النجاة"، و"يحيي ويميت" للمخرج أحمد عبدالحليم، في موسم 1969 – 1970م، و"القاهرة 80" للمخرج سمير العصفوري، في موسم 1988 – 1989م، و"حارة العشاق" للمخرج أحمد هاني، في موسم 1988- 1989م، كما قدم الفنان أحمد حلاوة عرض "حارة عم نجيب" في موسم 2005 – 2006م، أما المسرح الحديث، فشهد تقديم مسرحيتين، وهما: "روض الفرج" من إعداد صلاح طنطاوي، وحسين كمال، ومن بطولة الفنانين: زوزو نبيل، ووداد حمدي، ومحمد سلطان، وإخراج حسين كمال؛ و"حكايات حارتنا"، ومن بطولة الفنانين: علي حميدة، ومحمود العراقي، وجليلة محمود، وإخراج كمال الدين حسين، وذلك منذ 1962 حتى 2014م.

بداية ونهاية

خان الخليلي
في العام 1963م أسندت رواية "خان الخليلي" لأديب نوبل إلى المخرج المسرحي حسين كمال فور عودته من فرنسا، والذي قدمها على خشبة مسرح الهوسابير بوسط البلد، وكان أول وقوف للفنان عماد حمدي على خشبة المسرح، وأول بطولة مطلقة للفنان صلاح قابيل، بمشاركة الفنانين: أمال زايد، وأحمد صلاح محمود، وإسكندر توفيق، وآخرون، هكذا أشارت مهندسة ديكور المسرحية نهى برادة، موضحة أن هذه الرواية تضم ثلاثة مناظر مختلفة، تم تنفيذها في ستوديو مصر، وصممت هذه المناظر المسرحية تحت إشراف حسين ماضي، والاستعانة أيضًا برأي الدكتور صلاح عبدالكريم، الذي لفت نظرها إلى بعض الملاحظات على هذه المناظر، وبدأت في مرحلة التنفيذ بطريقة مختلفة وباستخدام الأدوات المُعدّة مثل الألوان، والغراء، وورق الجرائد، ونشارة الخشب، بدلا من الحجارة والحوائط، ومواد الجبس وغيرها، اللازمة لتصميم ديكور الرواية، حتى ظهر العمل للنور، الذي أحدث ضجة في الوسط المسرحي وكتب عنها الناقد كمال الملاخ في الأهرام قائلا: "إن المسرحية حققت نجاحًا كبيرًا مع أنها تضم عناصر جديدة، بداية من المخرج، والممثلين، ومهندسة الديكور نهى برادة التي تُبشر بمستقبل باهر في مجال تصميم الديكور المسرحي،وتعد بمثابة دم جديد يدخل عالم المسرح".

مسرحية خان الخليلي

زقاق المدق
بعد استغلال رواية "زقاق المدق" من أسرة نجيب محفوظ، والموافقة على إعادة تقديمها مسرحيا، فقد قدمت الرواية فيلما سينمائيا عام 1963، لكنه لم يلق نفس نجاح الرواية المكتوبة، وذلك لأسباب فنية، كما تم إنتاجها كمسلسل تليفزيوني عام 1980، ثم قدمت على خشبة المسرح عام 1958، كما قدمتها فرقة الفنانين المتحدين في الثمانينيات، ومن بطولة الفنانين: معالي زايد، وصلاح السعدني، وسيد زيان، وإخراج حسن عبدالسلام، لكن أغلق العرض قبل تمام شهره الأول.
وفي عام 2021، أعيد تقديم الرواية مرة أخرى على خشبة مسرح البالون، ومن بطولة الفنانين: دنيا عبدالعزيز في دور "حميدة"، وأيمن عزب، ونهال عنبر في دور "أم حميدة"، وأمل رزق، وبهاء ثروت، ومجدي فكري، وسيد جبر، وكريم الحسيني، وأحمد صادق، وآخرون، رؤية درامية وأشعار محمد الصواف، وإخراج عادل عبده.
تتناول المسرحية عدة شخصيات تتلاقي كلها بين جدران الزقاق بين أفكار وتطلعات كل منها وكل يمثل نموذجًا منفردًا للتحول أو للتطور في شخصيته، فمنها من يمثل نموذجا للشر أو السلوك غير السوي والآخر من هو خير بطبيعته، لكن البطل الحقيقي هنا هو الزقاق بما يحمل من سمات سيئة مثل الجهل، والنفاق، والنميمة، والطمع. 
ويشير الناقد المسرحي أحمد محمد الشريف، في مقالته "زقاق المدق.. عرض استعراضي غنائي يرصد الحراك الاجتماعي بمصر في الأربعينيات"، إلى أن الكاتب محمد الصواف في إعداده المسرحي التقط الخيط الرئيس للعمل المسرحي من خلال حكاية شخصية حميدة لتكون هي الحدث البطل الذي تدور حوله باقي الأحداث ويدور في فلكها باقي الشخصيات، فيبدأ العرض بالتعرف على الشخصيات، ثم تحرك الأحداث وتتطور بعض الشخصيات من خلال تطلعاتها أو أفعالها، فيغلب الحب على "عباس" فيذهب ليتقدم لخطبة "حميدة" بعد أن أقنعه "حسين كرشة" بالسفر للتل الكبير للعمل في معسكرات الإنجليز في الحرب، فتوافق حميدة أملا في تحسن حالته المادية رغم أنها لا تحبه لكنه أفضل من غيره، يبدي سليم علوان لأم حميدة رغبته في الزواج من حميدة، عندما تعرف حميدة تسعد على أن تفسخ خطبة عباس لها، لكن سليم في نفس الوقت يسقط مغشيا عليه ويمرض.
بعدها يعمل فرج القواد على جذب حميدة لحياة الكباريه والعمل مع فتيات الليل، حتى تغادر الزقاق لتبيع جسدها وتحقق طموحها، ثم يعود عباس الحلو من التل الكبير ومعه شبكة حميدة ليعرف من أهل الزقاق أنها اختفت بلا عودة، ويجذبه حسين كرشة للسهر في الملهى الذي تعمل به حميدة ويصعق عباس لرؤيتها، فتقنعه أن فرج خدعها وتحثه الانتقام منه وقتله.
رغم تداخل بعض الأحداث والشخصيات فيما سبق، لكن تنتهي بالفعل هنا علاقة العرض برواية نجيب محفوظ، وتتوالى أحداث أخرى، حيث تقتحم الشرطة الملهى للقبض على فرج وإبراهيم فرحات أثناء تداول صفقة مخدرات، ويذهل فرج عندما يعرف أن شوشو هي التي أبلغت عنه، فيطلق عليها رصاصة تصيب حميدة فيقتل ضابط الشرطة فرج في الحال، يعود الجميع للحارة حسين كرشة ومعه شوشو لتتوب ويتزوجها، وتعود حميدة بعد شفائها من الإصابة وتستعطف عباس، لكنه لا يغفر لها ويسافر للتل الكبير مرة أخرى وترتمي حميدة في حضن أمها لتسامحها.
لقد تغير الجميع، تغير وتحول أغلبهم للأسوأ، في دلالة لضياع الوطن وتحوله في فترة من أسوأ فتراته، لكن استمر الزقاق في حياته مرة أخرى وعاد إلى حياته الأولى كما كانت بحثا عن يوم جديد وأمل جديد.
استطاع محمد الصواف طرح الشخصيات والأحداث بالشكل المسرحي من خلال تناول الخط الرئيس لـ"حميدة" وتوضيح ملاح الشخصيات الأخرى، واختزال الكثير من الأحداث في الرواية الأصلية كي يتنايب النص مع محدودية زمن ومكانية خشبة المسرح، فطرح من الشخصيات أفعالها وسماتها الأساسية الخارجية دون الخوض في أبعادها الاجتماعية والتاريخية والسياسية، مع التركيز على الشخوص الرئيسة للمسرحية وهي حميدة، وعباس، وفرج بكل أبعادها، وفي نفس الوقت تخطى المعد مشقة طرح رؤية غنائية من خلال الأشعار والأغاني التي جعلها بخبرته عنصرا مكملا وأساسيا من داخل نسيج العمل الدرامي لشرح وتوضيح سمات الشخصيات أو وصف الأحداث، دون أن تكون عبئا على النص الدرامي.
ومن هنا التقط المخرج عادل عبده رؤيته الإخراجية التي اعتمدت في الأساس على طرح النص كعمل غنائي استعراضي، وقام بتوظيف الأشعار في تابلوهات غنائية راقصة جمعت بين الرقصات الحديثة والرقصات الكلاسيكية في شكل فني جميل ملأ خشبة المسرح حيوية وبراعة في تصميم الرقصات والاستعراضات، وتمكن الراقصين بخبرتهم وأدائهم الرشيق، مما ساعد في توصيل فكرة ومضمون العرض لكون الاستعراضات جزءا من نسيج العمل الدرامي.

مسرحية زقاق المدق

أفراح القبة
تحولت رواية "أفراح القبة" إلى مسلسل تليفزيوني في العام 2020، سيناريو وحوار نشوى زايد، وإخراج محمد ياسين، كما قدمتها فرقة مسرح الشباب، التابعة للبيت الفني للمسرح عام 2021، على خشبة المسرح العائم الصغير بالمنيل، من إعداد وإخراج محمد يوسف المنصور.
نستكشف في المسرحية الخداع الذي يعيشه كل أمام الآخر، ومع بداية العرض فقد حانت لحظة المكاشفة، فليتعرى الجميع وليعرف كل شخص، ليس حقيقة الآخرين فقط، بل حقيقته هو كما يراها الآخرون، كيف يراك من حولك؟ كيف تخدع نفسك وتبرر لها كل أفعالك المشينة والسيئة؟ فمن خلال تقنية كتابة العرض كانت نقطة انطلاق محمد المنصور أو هى بوابة الدخول لتقنية الإخراج، فقد وظف المخرج الفلاش باك المتعدد وطرح عدة أزمنة وعدة أماكن لبيان الحدث في تطوره الزمنى لكل شخصية، بل طرح الحدث الواحد أكثر من مرة بوجهة نظر كل شخصية على حدة، هكذا أوضح الناقد المسرحي أحمد الشريف، مضيفا أن الدراما هنا كانت تشبه اللغز في بداية العرض حول جريمة قتل الممثلة "تحية" وهل ماتت فعلا مقتولة ومن قتلها؟ فهل المجرم هو زوجها "عباس كرم" وهو نفسه مؤلف المسرحية؟ وقد كتب اعترافه بنفسه في أحداث المسرحية، مما يطرح فكرة ضرورة الإبلاغ عنه كما يرغب غريمه "طارق رمضان" الممثل بالفرقة، لارتباطه من قبل بتحية. 
أحداث متشابكة ومعقدة وتفاصيل كثيرة نسجها نجيب محفوظ متكئًا على فكرة المسرح داخل المسرح لكنه اختلف عن "برانديللو" في طرح حياة أعضاء الفرقة المسرحية في النص المسرحي مما شكل صراعًا واختلافًا بينهم هل يقدمون هذا العرض الفاضح لواقعهم وكل فضائحهم أم لا؟ لكن سيطرة شخصية "سرحان الهلالي" صاحب الفرقة ومنتجها فرضت عليهم ضرورة تمثيلها أمام الجمهور لتحقيق جذب أكبر للجمهور من خلال دراما قوية وصراع قوي بين الشخصيات مخفيا نواياه الخبيثة التي تكشفت في النهاية نحو التخلص من كل من يعرف شيئًا عن ماضيه الملوث لا سيما صديقه "طارق رمضان".
إذا كان نجيب محفوظ قد صاغ الرواية عن طريق أربع شخصيات كل منها يحكي الحدث بلغة المخاطب من وجهة نظره، حيث يتصاعد الحدث وينمو شيئا فشيئا ليترك في يد القارئ طرف كل خيط ترويه الشخصية حتى يجمع القارئ جميع الخيوط في النهاية لتكتمل شبكة الأحداث في ذهنه، فقد أجاد "المنصور" طرح فكر وأسلوب محفوظ بشكل كبير دون إخلال بالأحداث أو الشخصيات، بل تمكن من الغور إلى عمق فكر محفوظ ومسرحته بذكاء وليس مجرد تناول قشور الشخصيات مثلما يحدث عادة عند مسرحة رواياته، فلم يكن طول الأحداث وكثرة التفاصيل عائقا لذلك بل استغله المنصور بمهارة لتقديم أحداث متلاحقة ومتسارعة ومشوقة للمتلقي.
استخدم المخرج الأسلوب البريختي بكسر الحائط الرابع بالتعامل المباشر مع الصالة بدءا بدخول بعض الممثلين من الصالة إلى الخشبة، والنزول من الخشبة إلى الصالة مثلما حدث في انضمام الملقن "كرم يونس" وزوجته "حليمة" للمشاهدين لمشاهدة العرض المسرحي، وكذلك توجيه بعض الجمل أحيانا مخاطبة للمشاهد من الممثلين، وقد ساعد على هذا طبيعة النص الروائي المكتوب، ثم النص المسرحي من حيث أن الأحداث تدور من خلال فرقة مسرحية تقدم عرضا مسرحيا، ويتم طرح ذلك بأسلوب التمثيل داخل التمثيل، حيث صار المتلقي نفسه جزءا من الحدث.

مسرحية أفراح القبة