إن كنت تحب نجيب محفوظ مثلي فاقرأ هذا الكتاب، وإلا فأنك لن ترى فيه ما يرضيك، فعالم نجيب محفوظ لا يحتمل إلا العشاق والمريدين، والذين تعودوا على أن يفكروا بقلوبهم ويشعروا بعقولهم، وتعودوا قبل ذلك كله على أن يجدوا في الحب موطنا لهم لا يعادله موطن آخر في هذه الدنيا.
وقد يرى البعض أن الحب "عاطفة" وأن النقد "تفكير وعقل"، وأنهما لذلك ينتقضان، ولكن الأمر عندي يختلف، فالحب هو المفتاح الأول للفهم والمعرفة، والحب الصحيح والقوي هو الذي يسعى إلى الكشف عن الأسباب والعوامل التي جعلت هذا الحب يولد وينمو ويعيش ويستمر على قيد الحياة.
والحقيقة أن حبي لنجيب محفوظ لم يتغير، بل ازداد قوة ورسوخا مع الأيام واستمر على هذه القوة خلال ما يقرب من خمسة وأربعين عام متصلة، وصاحب الفضل في استمرار هذا الحب هو نجيب محفوظ نفسه فلو أن نجيب قد توقف عند مرحلة أدبية واحدة، لتوقف الحب عند هذه المرحلة وانتهى به الأمر إلى أن يصبح نوعا من الذكريات، ولكن نجيب محفوظ كان يتقدم ويتدفق يوما بعد يوم كأنه "وردة" نادرة تتجدد عطرها وألوانها كل صباح.
كلمات الكاتب الكبير "رجاء النقاش" تلك هي الجسر الوحيد لفهم علاقته بأدب نجيب محفوظ، وقد سجلها في مقدمته لكتابه "في حب نجيب محفوظ" الذي قسمه إلى أربع أقسام يدور كل قسم فيه في أجواءه الخاصة فجاء القسم الأول تحت عنوان "من الجمالية إلى نوبل" ويتناول ما يتصل بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل العالمية سنة 1988، أما القسم الثاني فيتناول عددا من روايات نجيب محفوظ جاء تحت عنوان "الفن والإنسان في أدب نجيب محفوظ"، ويناقش القسم الثالث منه موقف النقد العربي من نجيب محفوظ وبعض القضايا المثارة حوله، أم القسم الأخير الرابع مقسم إلى فصول متنوعة كتب "النقاش" جزءا منها قبل واقعة اغتيال أديب نوبل والجزء الآخر بعدها وجاء هذا القسم تحت عنوان "متفرقات".
"من الجمالية إلى نوبل" نجيب محفوظ والمشوار الطويل يذكر "النقاش" تحت عنوان القسم الأول في بدايته أن طول مشوار أديبنا بالسنوات 77 عام، بينما بمعيار الأعمال الأدبية فهو 49 عملا أدبيا مابين الرواية وفن القصص والمسرحية. والمدهش في حب "النقاش" لنجيبه أنه وصفه متجاهلا وجود الكاميرا والأخبار التي تتناول حياة نجيبه قال: أما البطل فهو رجل متوسط الطول نحيف جدا يعاني من مرض السكر وضعف السمع، ولكن قلبه ملئ بنور الحب وذكاء المعرفة وقوة النبوغ".
أما في قسم الفن والإنسان في أدب نجيب محفوظ.. ألوان من المأساة يحدد "النقاش" موقع أديب نوبل على خريطة الأدب محليا وإقليميا وعالميا يقول: أي قراءة سريعة لأدب نجيب محفوظ تؤدي على الفور إلى الشعور بأنه أدب تراجيدي أو أدب يعبر عن مأساة عنيفة وكبيرة، فما هي المأساة التي طبعت أدب هذا الفنان بطابعها الخاص؟". ومن ثم يجيب على هذا السؤال الكبير. بمقاربة بين محفوظ وبلزاك الذي قال عنه "لينين" يوما ما: إنه استطاع أن يصور فرنسا أكثر مما استطاعت كتب المؤرخين أن تفعل، وأن القارئ يستطيع أن يفهم فرنسا من رواياته أكثر مما يستطيع أن يفهمها من كتب المؤرخين" ويقول النقاش: هذا الكلام نفسه ينطبق على مصر ونجيب.
وتستمر رسائل الحب في التدفق على متن الكتاب ويعمقها منطق "النقاش" النقدي ويؤكد عليها باستمرار كمالك الحُجة المحب وفي القسم الأخير يسجل الكاتب حديث لا يخلو من تمني تمناه محفوظ لأدبه بعد واقعة الاغتيال قائلا: إنني حريص دائما على أن تقع كتاباتي في الموقع الصحيح لدى الناس، حتى وإن اختلف بعضهم معي في الرأي".