الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

الأخبار

بين مؤيد ومعارض.. نجيب محفوظ في عيون الأزاهرة

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تمر اليوم الذكرى السابعة عشرة لوفاة الأديب والكاتب الكبير نجيب محفوظ، الذي رحل عن عالمنا بعد أن قدم للأدب العربي روائع لا تنسى صارت علامات خالدة في جسد القصص والرواية العربية.
وتستعرض «البوابة نيوز»، في هذا التقرير بعضًا من معاركه الشهيرة والبارزة مع مؤسسة الأزهر الشريف، ومواقفه تجاه هذه المعارك.

كان للأزهر معركة مع الأديب نجيب محفوظ، مع نشره لحلقات مسلسلة لرواية «أولاد حارتنا» على صفحات جريدة الأهرام خلال فترة الخمسينيات، والتى كانت كفيلة بفتح النار على أديب نوبل من قبل عدد من شيوخ الأزهر الذين طالبوا بوقف نشر تلك الحلقات، وتم تكفير محفوظ واتهامه بالإلحاد والزندقة، وطالبوا بحظر نشر الرواية.
وفى أحد مقالاته، أشار الكاتب محمد سلماوى إلى أن محفوظ روى له أن حسن صبرى الخولى، رئيس هيئة الاستعلامات الأسبق، الممثل الشخصى للرئيس جمال عبدالناصر فيما بعد، عرض على نجيب محفوظ أن يلتقى فى مكتبه بشيوخ الأزهر الغاضبين، فى محاولة لتسوية الخلاف بينهم، فوافق محفوظ على الفور قائلاً إنه لا يحب أن يغضب الأزهر، وذهب بالفعل فى الموعد المحدد إلى مكتب الخولى، لكن شيوخ الأزهر الذين كانوا قد حددوا الموعد لم يحضر منهم أحد، فى إشارة واضحة لاستمرار موقف الأزهر المعادى لمحفوظ وروايته، بحجة أنها تسىء للذات الإلهية، مما دفع البعض لتبنى فكرة محفوظ، والرد على هؤلاء الشيوخ مهاجمًا إياهم على أساس أنهم تعاملوا مع العمل الأدبى من منظور دينى وليس أدبيًا.
هذا الموقف المعادى تلاه هجوم بعض الإسلاميين أيضًا، حيث قال الشيخ عمر عبدالرحمن عن محفوظ، والأديب سلمان رشدى عقب نشر روايته «آيات شيطانية»: «أما من ناحية الحكم الإسلامى فسلمان رشدى الكاتب الهندى صاحب آيات شيطانية، ومثله نجيب محفوظ مؤلف أولاد حارتنا، مرتدان، وكل مرتد وكل من يتكلم عن الإسلام بسوء، فلا بد أن يقتل، ولو كنا قتلنا نجيب محفوظ، ما كان قد ظهر سلمان رشدى».
وفي وقت سابق نشرت صحيفة "صوت الأزهر" في عددها، تقريراً تحت عنوان "نجيب محفوظ في عيون الأزاهرة"، ويأتي هذا التقرير الصحفي في غضون ذكرى رحيل الأديب العالمي الذي تعرّض لمحاولة اغتيال على يد مجموعة من المتطرفين عام 1995.
وتناولت الصحيفة التي تعد الجريدة الرسمية لمشيخة الأزهر آراء مجموعة من أساتذة النقد بجامعة الأزهر، الذين أثنوا على محفوظ واعتبروه "صاحب رسالة"، وأنه انتقل بالرواية العربية "إلى العالمية".
وقال أحمد الصاوي، رئيس تحرير "صوت الأزهر": إن الهدف من هذا الاحتفاء بذكرى نجيب محفوظ هو تفكيك المزاعم حول وجود موقف أزهري جامد من أدب محفوظ، لأن العكس هو الصحيح، حيث يتمتع محفوظ باحترام كبير في أوساط الأزهريين الذين يقدرون له الكثير من الاعتبارات، من أهمها حرصه على اللغة العربية الفصحى في كتاباته، وتمتع الشخصية الدينية الأزهرية بكثير من الاحترام والإيجابية في معظم أعماله".

ويشكل احتفاء الصحيفة الصادرة عن مشيخة الأزهر بذكرى وفاة نجيب محفوظ لفتة مهمة، حيث يرى العديد من الباحثين والكتّاب والمهتمين بالتراث الإسلامي، أن بعض رجال الأزهر يتبنّون مواقف متشددة، ويشيرون إلى قرار الأزهر بمنع نشر رواية "أولاد حارتنا" التي كانت دافعاً لمحاولة اغتياله بعد فتاوى بتكفيره أصدرتها جماعات إسلامية متشددة في ثمانينات القرن الماضي.

وأشار الصاوي إلى "تصريح محفوظ الشهير بأن الشيخ مصطفي عبد الرازق شيخ الأزهر الأسبق هو رائده الروحي فكرياً"، ليؤكد أن الأديب العالمي كان يكنّ كل احترام وتقدير للمؤسسة الدينية العتيقة.
وأضاف رئيس تحرير الصحيفة الأزهرية "أن من أهم أسباب التقدير الأزهري لمحفوظ هو موقفه من قرار الأزهر السابق حول رواية (أولاد حارتنا) التي قرر الأزهر منع نشرها في مصر في ستينات القرن الماضي، حيث احترم محفوظ قرار الأزهر طوال حياته ورفض أن يتاجر به أو يخوض معركة مع الأزهر تحت أي مبرر، مفضّلاً الاستمرار في مشروعه الأدبي ومحافظاً على تقديره للمؤسسات والالتزام بقرار الأزهر حتى وفاته، رغم وجود فرص كثيرة لنشر روايته في مصر وحدوث قراءات أزهرية مغايرة لروايته التي أثارت الجدل.
ولفت الكاتب الصحفي إلي أن "شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي نعى محفوظ عند وفاته في 2006 نعياً مؤثراً يدلّ كثيراً على تقدير الأزهر لشخصه وإبداعه على السواء، مشيراً إلى أن جريدة (صوت الأزهر) سبق لها أن حاورت الأديب العالمي قبل 20 عاماً في حوار موسع محفوظ في أرشيف الجريدة، وأُعيد نشره مرتين في العام الأخير".
وأكد الصاوي أن "الأزهر كمؤسسة يتّسم بالتّنوع الفكري والمذهبي والتّخصصي، ولذلك ركزت معالجة الجريدة لذكرى محفوظ هذا العام على المتخصصين الأزهريين من أساتذة الأدب والنقد والثقافة الإسلامية في جامعة الأزهر، للتأكيد أن قراءة الأدب لا بد أن تُبنى على معايير أدبية صرفة، ومن داخل فنون الرواية وليس من خارجها".
ويرى رئيس تحرير "صوت الأزهر" أن هذا مهم "لتوجيه رسالة للمجتمع أن تصدير بعض المشايخ للتعبير عن الأزهر في كل القضايا خطأ كبير، وأن الرأي الأنسب في القضايا الأدبية يعبّر عنه أساتذة الأدب الأزهريون، والرأي في القضايا الطبية يعبّر عنه أساتذة الطب الأزهريون، والرأي في الحديث لأساتذة الحديث، وفي العقيدة لأساتذة العقيدة، وهذا هو نهج الأزهر في الفتوى حيث يستعين مجمع البحوث ولجان الفتوى بالجامع الأزهر بالمتخصصين حسب نوع المسألة المعروضة عليهم".

ووُلد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا، طفل ترعرع في المنزل رقم 8 بدرب قرمز في حي الجمالية، وذلك في يوم 11 ديسمبر عام 1911م، ثم انتقل إلى العباسية، الضاحية الجديدة الراقية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين.
كان والده موظفًا يحب الأدب حيث كان صديقًا مقربًا من الأديب محمد المويلحي صاحب "حديث عيسى بن هشام، أما والدته فكانت ابنة لأحد شيوخ الأزهر، وهو الشيخ مصطفى قشيشة، وفي هذه الأسرة متوسطة الحال نشأ نجيب ليحمل في قلبه وقلمه أحلاما عامة المصريين.  
التحق محفوظ بجامعة القاهرة في عام 1930م، وحصل على ليسانس الفلسفة، وكان قد أكمل إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية ثم اتجه إلى الأدب وقرر أن يترجم كتاب "مصر القديمة" عام 1932م للكاتب الإنجليزي جيمس بيكي، التى تتناول جوانب قصصية من تاريخ مصر في العهد الفرعوني.
قرر نجيب محفوظ أن يؤسس مشروعًا روائيًا تاريخيًا، بكتابة روايات أدبية عن تاريخ مصر وفقًا لأحداثها التاريخية حسب عصورها المختلفة، وبالفعل كتب عدة روايات تاريخية مثل "رادوبيس، وعبث الأقدار، وكفاح طيبة"، لكن مشروعه توقف فجأة، حينما قرر نجيب محفوظ أن ينفذ إلى قلب الحارة المصرية، وقد أحسن صنعًا بذلك لأنه قام بتوصيف حارات المحروسة أحسن توصيف ونقلها من المحلية إلى العالمية، وباعتباره ابنا لحي الجمالية فقد ساعده ذلك في توصيف الحارة المصرية بأدق العبارات، واتخذ ذلك موضوعًا وهدفًا لرواياته، ليخرج لنا أفضل مولود أدبي عن الحارة المصرية "أولاد حارتنا"، جسد فيها العادات والتقاليد، ونقل في أعماله حياة الطبقة الوسطى، وعبر عن همومها وقضاياها الحياتية، وهي الرواية التي حاز بها على جائزة نوبل في يوم 13 أكتوبر عام 1988م. 
على الصعيد العملي، عمل نجيب محفوظ سكرتيرًا برلمانيًا في وزارة الأوقاف بين عامي 1938 إلى 1945م، ثم مديراً لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954م، وعمل بعدها مديراً لمكتب وزير الإرشاد، ثم انتقل إلى وزارة الثقافة مديراً للرقابة على المصنفات الفنية.  
بدءا من يوم 21 سبتمبر عام 1950م، أصبح نجيب محفوظ أحد أهم الكتاب في مؤسة الأهرام،  وفي عام 1960م تولى وظيفة مديرًا عامًا لمؤسسة دعم السينما، ثم مستشاراً للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتليفزيون، ليتولى آخر منصب حكومي وهو رئاسة مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما من 1966م إلى 1971م.
استمر نجيب محفوظ مخلصًا لكتابة الرواية  حتى عام 2004م حين كتب آخر أعماله "أحلام فترة النقاهة"  وأثرى المكتبة العربية والعالمية بعشرات المؤلفات الأدبية منها: " خان الخليلي، الطريق، ودنيا الله، والشحاذ، بين القصرين،  قصر الشوق، السكرية، وملحمة الحرافيش، والسمان والخريف، واللص والكلاب، وبداية ونهاية، والسراب، وقبل الليل، وثرثرة فوق النيل، وأفراح القبة،قشتمر، وأولاد حارتنا".
حصل الأديب الراحل على عدد كبير من الأوسمة والنياشين على مدار حياته بدءا من رواياته الأولى، ففاز عن روايته التاريخية رادوبيس التى صدرت فى الأربعينيات من القرن الماضى على جائزة قوت القلوب الدمرداشية سنة 1942م، وكذلك حاز على جائزة وزارة المعارف عن رواية كفاح طيبة عام 1944م، وقد تم تدريس هذه الرواية في بعض المراحل الدراسية، كما حصل على جائزة مجمع اللغة العربية عام 1946م.
مر نجيب محفوظ بحالة من الانقطاع عن الكتابة بين روايته بداية ونهاية عام 1949م حتى عاد في منتصف الخمسينيات عودة قوية بثلاثيته الرائعة "بين القصرين، وقصر الشوق ، والسكرية"، والتي تعد نموذجًا لما بلغته الررواية العربية لعدة أسباب، من بينها التأريخ لمسيرة مصر قبل وخلال اندلاع ثورة 1919م، وهي الفترة التي عاشها نجيب محفوظ خلال طفولته، كما أنه برع في وصف حياة الطبقات العبية في حارات مصر، بالإضافة إلى اعتمادها على تتابع الأجيال، وقد نال عن الجزء الأول من الثلاثية بين القصرين جائزة الدولة فى الآداب عام 1957م.
ووفقا لما هو مسجل فى متحف نجيب محفوظ حصل الأديب الكبير الراحل على شهادة تقدير من وزارة التربية والتعليم عام 1957م تكريما له بعد فوزه بجائزة الدولة فى الآداب.
وحصل نجيب محفوظ على وسام الاستحقاق عام 1963م، وجائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1968م، ووسام الجمهورية عام 1972م،  كما كرمته هيئة السينما عامى 1975 و1976م عن مساهماته السينمائية البارزة بكتابة السيناريو والحوار وقصص الأفلام السينمائية ومنها عصر الحب كما هو مدون بشهادات التقدير، بالإضافة إلى الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة، وجوائز من الإذاعة البريطانية، وشهادات وتكريمات من مهرجانات السينما وجوائز من اتحاد الإذاعة والتليفزيون وجائزة كفافيس عام 2004م، ولُقب نجيب محفوظ، بالعديد من الألقاب، أبرزها "أبو الرواية المصرية".
قدم نجيب محفوظ للسينما أروع أعمالها، التي بلغت نحو 27 فيلما، حيث كتب السيناريو لـ 14 فيلمًا، والقصة والسيناريو لـ 4 أفلام، وكتب 8 أفلام خصيصا للسينما، ومن أشهر أعماله السينمتائية"بداية ونهاية، خان الخليلي، زقاق المدق، اللص والكلاب، ميرامار ، القاهرة 30، الكرنك"، وغيرها من الأعمال الخالدة.
توفي نجيب محفوظ في مثل هذا اليوم من عام 2006م، عن عمر ناهز 95 عاما إثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة لالعجوزة، نتيجة معاناته من مشاكل صحية بالرئة والكليتين، كان نجيب محفوظ شديد الإخلاص لحي الجمالية والحارة المصرية ومسجد الحسين، فقرر أن تخرج جنازته من مسجد الإمام الحسين بعد الصلاة عليه.