قبل أكثر من شهر، اضطرت إدارة مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي - لأول مرة في تاريخه - إلى سحب فيلم الافتتاح "Challengers" للمخرج الشهير لوكا جوادانينو، واستبداله بآخر "Comandante" للإيطالي إدواردو دى أنجليس، وذلك على خلفية اضراب نقابتي الكُتاب والممثلين في أمريكا - الذي بدأ مطلع مايو الماضي - اعتراضًا على تردي أوضاعهم المهنية في هوليوود؛ ليضع القائمين على الحدث السينمائي الإيطالي الأعرق في "ورطة كبرى" كون الإضراب يمنع الممثلين من المشاركة فى الترويج لأعمالهم، وهو ما سيجعل السجادة الحمراء لـ"ليدو" خالية من النجوم.
مهرجان فينيسيا السينمائي، المقام خلال الفترة من 30 أغسطس إلى 9 سبتمبر المقبل، يعتبر محطة رئيسية للكثير من الإنتاجات الهوليوودية سنوياً، وهو نقطة إنطلاق أساسية لموسم الجوائز الكبرى؛ فغالباً ما يُفضل صناع الأفلام المشاركة في الحدث السينمائي الإيطالي طمعًا في الترشح أو الفوز بجوائز الأوسكار، أو جولدن جلوب، أو حتى جوائز بافتا البريطانية. هذه الموجة بدأت عام 2012، مع عودة الناقد السينمائي ألبرتو باربيرا مديرًا فنيًا للمهرجان، والذي نجح في إقناع الأمريكيين بالعودة مجدداً، فأفتتحت نسخة عام 2013، بفيلم "Gravity" للمخرج ألفونسو كوارون، تلاها في العام اللاحق مشاركة رائعة إليخاندرو جونزاليس إيناريتو "Birdman"، ثم "La La Land" و"The Shape of Water"، ومؤخراً "Nomadland" للمخرجة كلوي تشاو؛ حتى أصبح المهرجان يمتلك سمعة طيبة.
سجادة حمراء "بلا نجوم"
ألقت أزمة إضرابات النقابات الفنية الأمريكية بأثرها على مهرجان فينيسيا الذي كان يعول كثيرًا على قوة سجادته الحمراء التي تستقطب مشاهير هوليوود سنويًا. مدير المهرجان ألبرتو باربيرا، علق على هذه الأزمة قائلاً: "لقد أغلقت بالفعل باب الاختيار للمهرجان عندما تلقينا أخبار الإضرابات، لقد أمضينا بضعة أيام قلقين من احتمال خسارة جميع الأفلام من الولايات المتحدة، لقد كانت عطلة نهاية أسبوع صعبة للغاية".
وأضاف في حواره مع صحيفة الجارديان، لحسن الحظ، سرعان ما تلقى تأكيدًا من الاستوديوهات الكبرى وشركات الإنتاج المستقلة بأنهم يريدون العرض الأول في المهرجان، حتى لو لم يتمكن أبطال الفيلم من الحضور.
وأكد باربيرا أن النجم الذي تأكد عدم حضوره بشكل رسمي هذا العام، هو برادلي كوبر، الذي يقوم ببطولة وإخراج فيلم "Maestro" من إنتاج نتفليكس، وهى دراما عن الملحن ليونارد بيرنشتاين. وأوضح باربيرا أن كوبر تواصل معه وقال إنه يريد بشدة أن يُعرض الفيلم في فينيسيا، وأن هذا حلمه الذي تحقق، لكنه لا يريد أن يقف ضد الإضراب.
أما المخرج مايكل مان، الذي يشارك في المسابقة الرسمية بفيلم "Ferrari"، تمكن من التوصل لاتفاقية مع نقابة الممثلين تسمح لبطل فيلمه آدم درايفر، بالحضور إلى العرض العالمي الأول للفيلم والسير على السجادة الحمراء في الليدو. ووفق موقع "دايلي ميل"، سيسافر درايفر من باريس إلى فينيسيا على متن طائرة خاصة في صباح يوم الخميس المقبل، وسيسير على السجادة الحمراء في وقت متأخر بعد الظهر، قبل أن يغادر في نفس اليوم.
ولم يتضح بعد ما إذا كان سيقوم بأي مقابلات ترويجية أو مؤتمر صحفي قبل السجادة الحمراء. وتقول المصادر إنه يفكر في إلقاء نوع من الخطاب الداعم للإضراب في مرحلة ما، لكن التفاصيل نادرة. وتشير المصادر أيضًا إلى أن درايفر يخطط لارتداء قميص دعمًا للضربات تحت بدلته الرسمية. ونتيجة لذلك، تفكر النجمة المشاركة بينيلوبي كروز ملياً في خيارات ملابسها الخاصة. فلا أحد في هوليوود يريد أن يراه المضربون وهو يفعل شيئًا خاطئًا، وقد توقفت صناعة السينما والتلفزيون بأكملها تمامًا.
ومن الأفلام الأخرى التي حصلت على موافقة بحضور أبطالها خلال مهرجان فينيسيا، فيلم "Priscilla" للمخرجة صوفيا كوبولا، ومن بطولة كايلي سبايني وجاكوب إلوردي، اللذين يلعبان دور بريسيلا وإلفيس بريسلي؛ ويأتي هذا القرار كون الفيلم تم تصويره في كندا وليس الولايات المتحدة، وهو ما لا يتضارب مع لوائح الإضراب. في حين لن يتمكن النجم مايكل فاسبندر من حضور العرض العالمي الأول لفيلمه "The Killer" للمخرج ديفيد فينشر، كذلك الأمر بالنسبة لأبطال فيلم "Poor Things"، بما في ذلك النجمة إيما ستون، وويليام دافو ومارك روفالو.
3 قضايا تحرش
أثارت تشكيلة هذا العام جدلاً واسعاً بسبب ضم أفلام لرومان بولانسكي وودي آلن ولوك بيسون، على الرغم من مزاعم سوء السلوك الجنسي ضد المخرجين الثلاثة.
فر بولانسكي من الولايات المتحدة في عام 1978 بعد اعترافه بالذنب في جريمة اغتصاب فتاة تبلغ من العمر 13 عامًا، وواجه مؤخرًا اتهامات بالاعتداء الجنسي من خمس نساء أخريات، وهو ما ينفيه.
يقول باربيرا عن قرار اختيار فيلم بولانسكي "The Palace": "بولانسكي هو أحد آخر أساتذة السينما الأوروبية العظماء، لقد ارتكب أخطاء فادحة قبل 50 عامًا، ولقد اعترف بأنه مذنب وطلب أن تسامحه الضحية، فأعطته الضحية العفو. أنا لست قاضيًا يُطلب منه إصدار حكم على السلوك السيئ لشخص ما، أنا ناقد سينمائي، وظيفتي هي الحكم على جودة أفلامه، لكن بالطبع الوضع صعب للغاية”.
ويشدد باربيرا على ضرورة التمييز "بين الإنسان والفنان"، ويقول: "إن تاريخ الفن بأكمله مليء بحالات الفنانين الذين كانوا مثيرين للمشاكل أو حتى مجرمين. ومع ذلك، ما زلنا معجبين بعملهم. أنا متأكد أنه في غضون بضعة عقود من الزمن سينسى الجميع تاريخ الاغتصاب لبولانسكي، لكنهم سيظلون معجبين بأفلامه".
ويقول إن موقف وودي ألن، المشارك بفيلم "Coup de chance"، "مختلف تماما" عن موقف بولانسكي. لقد اتُهم المخرج بالاعتداء الجنسي على ابنته بالتبني، ولم يتم توجيه أي تهمة إليه مطلقًا، وقد أصر دائمًا على براءته، وقد خضع لتحقيقين أجرتهما عيادة الاعتداء الجنسي على الأطفال، فضلاً عن الخدمات الاجتماعية، التي لم تجد أي دليل موثوق على ارتكاب أي مخالفات. وتساءل: "بعد ما يقرب من 25 عامًا، لماذا يجب أن نستمر في حظر أفلامه؟". وأوضح باربيرا أن هذا الأمر ينطبق كذلك على المخرج لوك بيسون، الذي لا يوجد مبرر لإدراجه في القائمة السوداء بعد إسقاط المدعي العام الفرنسي إتهامات الاغتصاب عنه.
وبعيدًا عن أزمات نسخة هذا العام، تزخر مسابقات المهرجان المختلفة بعدد كبير من العناوين المنتظرة هذا العام، بما في ذلك فيلم "Evil Does Not Exist" للمخرج الياباني ريوسوكي هاماجوتشي، الذي سبق وترشح للأوسكار عن فيلم "Drive My Car". تضم المسابقة الرسمية أيضًا فيلم "Io Capitano" للمخرج الإيطالي ماتيو جاروني. ويعود المخرج التشيلي بابلو لارين لـ ليدو مجدداً بفيلم "El Conde"، وذلك بعد عامين من مشاركته في فينيسيا بفيلم "Spencer". ويشارك المخرج الأمريكي المخضرم ويس أندرسون خارج المسابقة الرسمية بفيلم "The Wonderful Story of Henry Sugar". ويضم نفس القسم أيضًا، فيلم "Hit Man" للمخرج ريتشارد لينكليتر.