تساءلت صحيفة "جيروزاليم بوست" في مستهل مقال لها عما إذا كان "الاتفاق الأخير المصغر" بين واشنطن وطهران بإمكانه إحياء الاتفاق النووي بين البلدين.
وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من نفي الدولتين لوجود قنوات اتصال بينهما، إلا أنه هناك دلائل قوية على ذلك، ويرجع ذلك إلى عوامل أساسية مختلفة، أبرزها أن تفاعلاتهما الفعلية تتجاوز ما يعترفان به علنًا.
وكانت العلاقة بين البلدين قد توترت خلال الآونة الماضية، وأصبح ذلك معلنًا بشكل رسمي عندما اتخذ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قرارًا بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الاتفاق الأخير المبرم بين البلدين بشأن تبادل السجناء والإفراج عن 5 معتقلين أمريكيين مقابل العفو عن عدد مماثل من الجانب الإيراني بجانب الإفراج عن 6 مليارات دولار من أموال إيران المجمدة في كوريا الجنوبية يشير إلى عدة نقاط مهمة.
وأضافت الصحيفة أن أولى هذه النقاط هو أنه يوضح أن كلا الجانبين مدفوعان بالبراجماتية والنفعية السياسية في أفعالهما وسياساتهما، ورغم عدائهما المعلن، إلا أنهما يصران على الحوار وعقد التفاهمات الصفقات، وثانيًا، يشير هذا إلى تحول كبير في الديناميكيات، حيث يمتلك المفاوضون الإيرانيون الآن قدرة أقوى على تأمين التنازلات من نظرائهم الأمريكيين.
واستطردت الصحيفة قائلة إنه يمكن لإيران أن تضمن تنازلات من الولايات المتحدة، حيث يتجلى ذلك بوضوح في الاتفاق الأخير الذي قضى بالإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية وتبادل الأسرى بشكل متزامن، قد يبدو مثل هذا التبادل غير تقليدي، حيث تلتزم هذه الاتفاقيات عادة بنمط متبادل، ما لم يكن هناك سجين بارز متورط من جانب واحد.
وهذا لا ينطبق على السجناء الأمريكيين، فهم مواطنون أمريكيون حيث لايوجد بينهم أي مسئول رفيع المستوى، ومع ذلك، كانت القوة الدافعة وراء هذا القرار هي ضرورة تحقيق إدارة بايدن لإنجازات ذات قيمة سياسية، نظرا للتراجع الأخير في نجاحاتها في السياسة الخارجية.
ولفت الصحيفة الإسرائيلية النظر إلى أن الآثار المترتبة على اتفاقية تبادل الأسرى هذه تتجاوز شروطها المحددة وتتعمق في الحوار الأوسع بين إيران والولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بإحياء الاتفاق النووي، ويفسر المراقبون هذا الاتفاق الأخير على أنه مؤشر على أن إنشاء إطار لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) لا يزال في نطاق الاحتمال.
وأكدت على أن العقبة الوحيدة تكمن في التوصل إلى صيغة تكون مقبولة لكل من إيران والولايات المتحدة، ويبدو أن الوضع هو عبارة عن توازن دقيق، حيث يقوم كل جانب بتقييم مكاسبه وخسائره بعناية.
ومع ذلك، فإن تفاصيل اتفاق تبادل الأسرى تؤكد أيضًا على استراتيجية إيران الفعالة المتمثلة في إظهار الصبر للحصول على تنازلات كبيرة من المفاوضين الأمريكيين، وقد يكون لهذا الإنجاز انعكاسات على أي اتفاق يتعلق بإحياء الاتفاق النووي.
وشددت الصحيفة على أن هذه ليست المرة الأولى التي يحقق فيها المفاوضون الإيرانيون أهدافهم بعد سنوات من التأخير والتأجيل، ففي الماضي، حصلت إيران على مزايا استراتيجية من خلال شروط خطة العمل الشاملة المشتركة، التي أبرمتها إدارة أوباما كجزء من مجموعة (5+1) مع إيران.
ففي الواقع، كان هذا بمثابة واجهة منحت الشرعية الدولية لمساعي إيران النووية، ومنحتها فرصة تاريخية للتوسع الاستراتيجي والنفوذ الإقليمي، وقد مكن هذا إيران من مواصلة تطوير برنامجها الصاروخي، وتطوير الطائرات دون طيار، والانخراط في الأنشطة الإقليمية، في حين أدى الاتفاق نفسه إلى تأجيل طموحات إيران النووية مؤقتا فقط بدلا من إيقافها بشكل دائم.
ومن ضمن النقاط المهمة التي تحققت من "الاتفاق المصغر" لتبادل الأسرى أن هناك إمكانية لتكرار اتفاق كبير يتعلق بإحياء الاتفاق النووي، ويشير التتويج الناجح لاتفاق تبادل الأسرى إلى جدوى التقدم نحو الاتفاق الأكبر (إحياء الاتفاق النووي)، بشرط توافر الظروف المناسبة لحدوث ذلك.
ومن المحتمل ألا يقتصر الأمر على السجناء فقط، خاصة وأن الجانب الإيراني أكد مرارًا وتكرارًا على أن المفاوضات مع الولايات المتحدة تشمل كافة القضايا المختلف عليها بين الجانبين، وليس السجناء فقط، وبالتالي، هناك احتمال كبير أن يتم الكشف تدريجيًا عن أبعاد أخرى للشروط المتفق عليها، أو حتى الصفقة الأوسع نفسها (إحياء الاتفاق النووي).
وفي الإطار ذاته، فإن الإفراج عن مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية يمكن أن يكون بمثابة ضغط أولي ضمن التفاهمات الأوسع التي تم التوصل إليها، بهدف إقناع الإيرانيين بالمضي قدمًا في الاتفاق الشامل بشأن إحياء الاتفاق النووي.
وهناك عنصر آخر يعزز هذا المنظور وهو الزيارة المهمة التي قام بها مسئول روسي إلى طهران بعد وقت قصير من الانتهاء من اتفاق تبادل الأسرى.
وعقد نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، مناقشات مع نواب وزراء الخارجية الإيرانيين في طهران بشأن آفاق خطة العمل الشاملة المشتركة لحل البرنامج النووي الإيراني، وأكدت الخارجية الروسية رفضها لأي محاولات غربية لفرض خطط محددة ومقاربات جديدة لمعالجة الأمور المتعلقة بخطة العمل الشاملة المشتركة.
وتشكل هذه الخطة خطرًا على التعاون المشروع والمتبادل المنفعة بين روسيا وإيران في مختلف المجالات، وهذا يعني أن روسيا تصرفت بسرعة لفهم تصرفات إيران بهدف تجنب أي اتفاقيات يمكن أن تقوض مصالحها الاستراتيجية.
وتشير التقارير الواردة من وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية إلى أن تل أبيب مقتنعة بأن اتفاقية تبادل الأسرى هي مجرد جزء من تفاهمات أوسع بين إيران والولايات المتحدة، وهم يعتقدون أن قد تم التوصل إلى صيغة قابلة للتطبيق فيما يتعلق بالقضية النووية.
ويعتبر هذا السيناريو محتملًا للغاية في ظل الظروف الحالية، حيث إن العنصر الوحيد الذي لم يتم الكشف عنه بعد هو "الإعلان الرسمي"، حيث يتم وضع اللمسات النهائية رسميًا لإعلان الاتفاقية الشاملة المرتقبة.
العالم
"جيروزاليم بوست" تتساءل عن دور اتفاق تبادل السجناء بين واشنطن وطهران في إحياء الاتفاق النووي
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق