السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الاعداد الخاصة

من درب قرمز لمقهى الفيشاوي.. "البوابة نيوز" تقتفي أثر نجيب محفوظ

.
.
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

من الجمالية إلى العالمية رحلة أدبية زاخرة بالأحداث والمواقف التاريخية 

أبطال رواياته يتحركون في زقاق المدق وبين القصرين والسكرية تجوب الحارات والأزقة 

يتناول   قهوته "على الريحة" في الصباح الباكر ويقرأ الجرائد ومشروبه المفضل مزيج بين الكركديه والتمر هندي

 اقتفاء أثر نجيب محفوظ ليس بالأمر السهل، ففي داخلِنا نحمل لهذا الرجل مكانة لا ينازعه فيها أحد، ونعتبره رمزًا من رموز مصر في الفكر والأدب. فقد استطاع قلمُه الرشيق وصف حقبةٍ مهمة في تاريخ مصر، وصفًا اجتماعيًا فلسفيًا يعجز المؤرخون عن تجسيده بهذه الصورة العبقرية والطريقة الاحترافية التي اتقنها نجيب. ومع ذلك، يظل من الصعب جدًّا تلمُّس المرحلة المبكرة في حياة نجيب محفوظ. كيف نشأ؟ وكيف عاش طفولته الأولى؟ فرغم اعتياد الذهاب للأماكن التي نشأ فيها وخلدها في رواياته بشكل دوري، إلا أنَّ عندما تُنظر إليها بنظارة نجيب محفوظ، ترى أشياءً مختلفةً. ترى أبطال رواياته يتحركون أمامك في زقاق المدق وبين القصرين والسكرية. تجوب الحارات والأزقة وتلتمس في الأماكن التي عاش فيها وكتب عنها كأنك تفحص وشمًا قديمًا على كفٍ أرهقته تجاعيد الزمن.

“ البوابة” تتجول في مضارب أديب نوبل  الأولى وكيف استلهم طفولته ومعاصرته لأحداث تاريخية مهمة في تاريخ مصر، في أعماله الخالدة. حيث شهد نجيب وهو في الثامنة من عمره ثورة 1919، التي عاشها وكان شاهدًا عليها وأثرت فيه وفي كتاباته. وكذلك ثورة 1952 وتغير المفاهيم والقيم المجتمعية التي شهدت تغييرًا كبيرًا في هذه الحقبة. لذا فإنَّ أفضل عبارةٍ تصف محفوظ هي ما قاله في مقدمة مجموعته القصصية الأولى "همسة جنون"، حيث قال: "إنَّه فيما يبدو حالةً غامضة كالحياة وكالموت، تستطيع أن تعرف الكثير عنها إذا أنت نظرت إليها من الخارج؛ أما الباطن، أما الجوهر، فسرٌ مغلق".

في درب قرمز وتحديدا في المنزل المواجه لقسم شرطة الجمالية ذلك المبنى العريق، وفي ليلة من ليالي ديسمبر الباردة عام 1911 كانت السيدة فاطمة قشيشة  تعاني ألم  المخاض خاصة أنها توقفت عن الإنجاب لعشر سنوات، بعد أن رزقهما الله بستة أولاد، كانت الولادة متعثرة ولم يستطعن "الدايات" إنقاذ الموقف فقرر عبدالعزيز إبراهيم أن يتخلى عن العادات والتقاليد المعمول بها في ذلك الوقت وستدعى الطبيب لينقذ زوجته وابنه، بعد وقت طويل استطاع الطبيب الماهر إنجاز المهمة الصعبة، لذا قرر عبدالعزيز أن يطلق اسم الطبيب على موليده الأخير كنوع من الامتنان لهذا الطبيب الذي يدعى نجيب محفوظ.

عاش نجيب محفوظ حياة مرفهة وتعلق بأمه كثيرة كونه أصغر أبنائها أو كما نقول اليوم "آخر العنقود"، في سن مبكرة التحق نجيب محفوظ بالكتاب لتعلم القرآن الكريم ثم التحق بمدرسة تبعد خطوات من بيته وهي مدرسة بين القصرين الابتدائية "الحسين لاحقا"، وكان نجيب شغوف بالحكايا والقصص فكان يسترق السمع للشاعر الذي يروي الملاحم الشعبية والسير  على أحد المقاهي القريبة من البيت والمدرسة، كما أنه كان يستمتع بالقصص التي ترويها النساء في مجالسهن،  إلا أن أول قصة قرأها نجيب محفوظ استعارها من صديق له يدعى يحيى صقر. وكانت بعنوان "مغامرات ابن جونسون" ومن هنا بدأت رحلته مع القصص والحكايا فلم يكتفي نجيب محفوظ بدور المتلقي بل بدأ يعيد كتابة القصص التي قرأها وغيرها فيها ليوقع عليه "بقلم نجيب محفوظ"  فمثلا الأيام  لطه حسين يحولها لـ الأعوام النظرات والعبرات للمنفلوطي ويسميها الحسرات ومن هنا كانت البداية.

يقول أحد سكان منطقة درب قرمز صاحب الاثنين والسبعين عاما ويعمل "قهوجي" في المقهى  الذي  بني مكان منزل نجيب محفوظ القديم " نجيب محفوظ اتولد في الحي ده وعاش طفولته هنا، وبعدين نقلوا شقة قريبة من بيت القاضي لكنه كان دايما بيمر من أمام بيته القديم وهو شايل الكتب والجرايد كان في حاله دايما والناس كانت بتحبه وتحترمه وبعدين نقل في شقة عند قهوة الفيشاوي لكنه من فترة للتانية كان بيجي المنطقة هنا ويمر على بيته القديم، رغم أنه كان حالته حلوة لكن كان بيحب يمشي هنا في المنطقة على رجليه ويلف في الطرق والشوارع القديمة".

كانت كتابات نجيب محفوظ الأولى كتابات تاريخية، إلا أنه قال في أحد حواراته التلفزيونية أنه كان يرمز للواقع في التاريخ وكان يعالج قضايا مجتمعية من خلال كتاباته التاريخية، إلا أن ثورة 1919 كان لها أثر عظيم في مشواره الأدبي، حيث تحول محفوظ من كتاباته التاريخية إلى الكتابات الاجتماعية وبدأ يصور في أعماله الحراك الثوري والنضال ضد الاستعمار وظهر ذلك في روايته زقاق المدق وفي الثلاثية "بين القصرين- وقصر الشوق – والسكرية" التي وصف فيها الوضع الاجتماعي داخل الحارة المصرية وصفا فلسفيا دقيقا نقلها من كونها حارة بسيطة إلى رمزا لنضال  وضمير إنساني.

المقاهي المحفوظية

ارتبط نجيب محفوظ بالمقاهي طوال حياته فلم يمر عليه إلا وكان للمقهى حظ منه، وكيف لا وفيها سمع أول الحكايات والقصص والتقى بأصدقائه من الحرافيش، ولا يمكننا تحديد المقاهي التي كان يرتادها نجيب إلا أنه مقهى الفيشاوي الذي تأسست عام 1710 كان لها حظ كبير من نجيب محفوظ فكان دائم التردد عليها، وبزيارة المقهى وجدنا أن ثمة غرفة مغلقة علقت فيها صور نجيب محفوظ ورفاقه الحرافيش وعدد من الشخصيات العامة على رأسها العالم الراحل صاحب نوبل أيضا الدكتور أحمد زويل، وقد خصص أصحاب المقهى هذا الجزء لكبار الزوار، إلا أن مقهى نجيب محفوظ بخان الخليلي والتي أطلقت الدولة اسم الأديب عليها تخليدا له بعد حصوله على جائزة نوبل فكان يختال إليها من حين لآخر.

  يقول كبير الطاقم الذي يعمل في المقهى أنه عاصر نجيب محفوظ في أيامه الأخيرة حيث كان دائم التردد على المقهى، كان يأتي في الصباح الباكر ويطلب قهوته " على الريحة" ويجلس يقرأ الجرائد ثم يطلب مشروبه المفضل وهو مزيج بين الكركديه والتمر هندي ثم يغادر المقهى وكان العديد من السائحين الأجانب من مختلف الجنسيات يلتقطون الصور التذكارية معه.