توفي الصحفي اللبناني الكبير طلال سلمان، الجمعة الماضية، بأحد مستشفيات بيروت، عن عمر ناهز 85 عامًا، تاركًا خلفه إبداعًا أدبيًا ومواقف خالدة خلال مسيرته الصحفية التي امتدت لعدة عقود.
عرفت طلال سليمان 1979 حينما كان مدير تحرير السفير الراحل مصطفي الحسيني، وذلك في منزل الفنان الراحل عبد المنعم القصاص احتفالا بعيد ميلاد القصاص، في حضور نخبة من الكبار محمود درويش ومعين بسيسو وميشيل كامل واديب ديمتري وفاروق القاضي وسمير عبد الباقي وابو اياد وجورج حاوي وناجي العلي، كنت شاب حضر إلى بيروت من موسكو للعمل في مجلة اليسار العربي التي كان يرأس تحريرها ميشيل كامل، جلست كراهب في معبد الاله زيزوس ما بين كل هؤلاء العظماء، كان منزل القصاص بالنسبة لهؤلاء الملتقي المقدس للحوار فيما لا يقال خارج هذا المعبد، سألني ناجي العلي عن اسمي وعملي فرد مصطفي الحسيني سليمان شاب يساري واعد هنا لتعلم الصحافة التي بدأها في نشرات حزب التجمع المصري، التفت الينا طلال سليمان وقال يا مصطفي غدا سلم سليمان لقسم التحقيقات وعرفة علي حازم صاغية، لم اصدق وانا في اليوم التالي في مكتب حازم صاغية حيث كان يجلس مع ناجي العلي يحتسون القهوة، قرروا ان اعمل في الشأن المصري وان ابدأ بأجراء تقرير عن المعارضة المصرية، بعد ساعات سلمت التقرير ولم اصدق وانا اري اسمي منشور في صحيفة للمرة الاولي في حياتي.
كانت «السفير» فعلًا صوت من لاصوت لهم كما دون في شعارها وكان طلال ربان حقيقي يمتلك رؤية توازنية بين محتلف الطوائف والزعماء.. وكانت الصحافة اللبنانية لازالت تعيش حكم ملوك الطوائف في نهايات الحرب الأهلية.
ولد طلال سلمان في مدينة شمسطار غربي مدينة بعلبك في البقاع اللبناني عام 1938م، والده إبراهيم أسعد سلمان ووالدته فهدة الأتات، تزوج عام 1967م من عفاف محمود الأسعد، من بلدة الزرارية في جنوب لبنان.
وأنجب طلال سلمان أولاده: هنادي وهي مديرة تحرير في جريدة «السفير»، وربيعة المشرفة العامة على أرشيف «السفير»، وأحمد المدير العام المساعد، وعلي الذي يعمل مهندس صوت
بدأ مشواره بالصحافة في الخمسينيات مع مجلة الحوادث اللبنانية، وتنقل بعدها بين الصحف إلى أن أسس مجلة دنيا العروبة في الكويت.
أصدر الصحفي طلال سلمان جريدة «السفير» في بيروت عام 1974م، كصحيفة يومية حملت شعار «صوت الذين لا صوت لهم»، وعرفت بمواقفها المناصرة للقضايا العربية، لا سيما القضية الفلسطينية.
وكانت تجربة صحيفة «السفير» من أكثر تجارب الصحافة العربية واللبنانية ثراءًا ومهنية في عرض وتحليل الشأن اللبناني والعربي.
تعرض طلال سليمان لمحاولة اغتيال أمام منزله ببيروت في في يوليو 1984م، تركت ندوبًا في وجهه وصدره، وسبقها محاولات لتفجير منزله، فضلًا عن عملية تفجير استهدفت جريدة السفير في نوفمبر 1980م.
اختار منتدى دبي الإعلامي طلال سلمان كشخصية العام الإعلامية لسنة 2009، ومنحته كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية درجة الدكتوراه الفخرية تقديرًا لدوره المتفرد في الصحافة والإعلام في عام 2010م.
وحصل على جائزة الدبلوماسي والمستشرق الروسي فيكتور بوسوفاليوك الدولية المخصصة لأفضل نقل صحفي روسي للأحداث في الشرق الأوسط.
أثرى الصحفي الراحل المكتبة العربية بعدد من المؤلفات، ومنها: «مع فتح والفدائيين وثرثرة فوق بحيرة ليمان وإلى أميرة اسمها بيروت وكتابة على جدار الصحافة».
نعاه المئات من الكتاب والصحفيين وقادة الرأى ونشر الحزب الشيوعي اللبناني:(طلال سلمان يخسر لبنان وفلسطين وأحرار العالم مناضلا وطنيا صلبا. لم يتوان خلال مسيرة حياته في الدفاع عن كل المظلومين في العالم، وكان صوت الذين لا صوت لهم. لقد فقده لبنان رفيقا للمقاومين إذ كانت السفير صوتهم، لقد فقدته فلسطين، حيث كان حنظلة لسان حال مناضليها، وبعد استشهاد ناجي العلي دافع عن حنظلة وفلسطينه، ولم يُضع البوصلة.
أما لبنان فكان كل الكلمات والمواقف الواضحة، لم تستطع يد الإجرام أن تنال منه ومن سفيره، فحمل آثار الجرح وآثام النظام الطائفي حتى رمقه الأخير. وكانت مكاتب السفير تحتضن دوما لقاءات الذين لم يؤمنوا الا بلبنان الوطني الديمقراطي العلماني وخارج القيد الطائفي.
برحيلك يا استاذ طلال سيخسر شارعنا الوطني أحد اقلامه الواضحة وستخسر ساحتنا الوطنية وأحرار شعوبنا العربية أحد أبرز قادتها ومفكريها، وستخسر الصحافة اللبنانية والعربية علما من اعلامها الكبار، وسيخسر حزبنا الشيوعي اللبناني صديقا صدوقا ووفيا).
عشت حيا وميتا يا رفيق.