الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

آنا بوفرو تكتب: توسعات ذات مغزى.. التداعيات الجيوستراتيجية لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"بالنسبة لنا فان الأمر الأكثر أهمية هو أن تصبح فنلندا والسويد عضوين فى الناتو. نحن هنا لحماية حلفائنا وبالطبع نحن مستعدون لجميع الاحتمالات".. هذا ما أعلنه ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف الناتو فى قمة الناتو فى مدريد (٢٨-٣٠ يونيو ٢٠٢٢).
ما بين سقوط الاتحاد السوفيتى عام ١٩٩١ واندلاع الحرب فى أوكرانيا فى فبراير ٢٠٢٢ توسع الناتو شرقًا ليشمل ١٧ دولة جديدة (انظر الخريطة). وفى ٤ أبريل ٢٠٢٣ أصبحت فنلندا هى الدولة الحادية والثلاثين فى الحلف الأطلسي. وقد تأجل انضمام الدولة الثانية والثلاثين - السويد - لبضعة أشهر بسبب العراقيل من جانب تركيا والمجر. هذه العضوية مفيدة لحلف الناتو على المستوى الجيوسياسى والاستراتيجى والقدرة.
ومع ذلك فهو يمثل اضطرابًا استراتيجيًا فى القارة الأوروبية. أولًا وبالنسبة للدولتين المعنيتين (فنلندا والسويد)، فإنه ينطوى على عدد معين من المخاطرخاصة لأنه يضع حدًا لحالة الحياد التى كانت جزءًا من تقليد عدم الانحياز. ثانيًا وفيما يخص مستقبل القارة الأوروبية فإن اختفاء المناطق العازلة بين الغرب وروسيا التى تمثلها فنلندا والسويد يثير الآن إلى التساؤل عن التوازنات الجيوستراتيجية فى أوروبا كما يؤجج التوترات المتصاعدة مع روسيا وتصعيد الصراع فى أوكرانيا كما ان المناقشات المتكررة بشأن إمكانية دخول أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو تثير الشكوك حول إمكانية احلال السلام فى القارة الأوروبية.
فنلندا والسويد دولتان مفضلتان فى محفظة الناتو الجيوسياسية
لاشك أن العضوية المزدوجة لفنلندا والسويد تعد تتويجًا لعقود من الجهود التى بذلتها الولايات المتحدة لتوحيد الغرب من ناحية ومنع روسيا من ترسيخ هيمنتها على "الكتلة الأوراسية" كل ذلك يتاتى بترسيخ القوة الأمريكية هناك كما أوصى الاستراتيجى الأمريكى بريجنسكي Zbigniew Brzezinski فى كتابه المتفرد "رقعة الشطرنج الكبرى" Le Grand Echiquier الذى نُشر عام ١٩٩٧.
وقد انضم بريجنسكى بتحليله للوضع الدبلوماسى والاستراتيجى هذا إلى رأى هنرى كيسنجر الذى اعلنه فى عام ١٩٩٤ فى مقال بعنوان "تعظيم الناتو الآن" أن الوجود الأمريكى فى أوروبا كان عاملًا من عوامل الاستقرار فى مواجهة التهديد الذى يمثله تجدد القومية الروسية وخطر الانهيار الروسى الداخلي: "إن مواجهة روسيا لاوروبا المنقسمة من شأنه أن يغريها بملء الفراغ.
كما أن عزل أمريكا عن أوروبا يمكن أن يفقدها ذراعا لسياستها الخارجية "كما كتب. "بدون أمريكا ستتحول أوروبا إلى شبه جزيرة على طرف أوراسيا غير قادرة على إيجاد توازن ناهيك عن الوحدة.. بدون أوروبا ستكون أمريكا وحيدة وبدون أمريكا سيتقلص دور أوروبا ويصبح لا قيمة له. وهذا هو السبب فى أن أمريكا خلصت مرتين عبر هذا القرن إلى أن هيمنة أوراسيا تهدد مصالحها الحيوية وقد لجأت إلى الحرب لمنع ذلك".
على المستوى الاستراتيجي
مع انضمام فنلندا إلى حلف الناتو لم يتبق لروسيا سوى كالينينجراد وسان بطرسبرج بالإضافة إلى منفذ إلى خليج فنلندا شرق نارفا (إستونيا) حتى حول فيبورج إلى الشمال. كما يقترب الناتو من شبه جزيرة كولا وهى شبه جزيرة تبلغ مساحتها ١٠٠٠٠٠ كيلومتر مربع تقع داخل الدائرة القطبية الشمالية فى شمال روسيا الأوروبية.
هذا يتوافق مع منطقة مورمانسك. يحدها من الغرب فنلندا ومن الشمال بحر بارنتس ومن الشرق والجنوب البحر المتوسط. يقع فى مورمانسك الأسطول الشمالى الذى يضم نصف أسطول الغواصات للاتحاد الروسي. وبذلك اصبح بحر البلطيق تحت سيطرة قوى الناتو من ناحية بوابة القطب الشمالي.
من حيث القدرة
تتمتع فنلندا والسويد بمستوى معيشى مرتفع كما أنهما يمتلكان قوةعسكرية ليس فقط على مستوى تكنولوجى عالٍ ولكنهما أيضًا قادرتان على العمل المتبادل مع قوات الناتو مما يسمح لهما لعدة سنوات بالمشاركة فى تدريبات الناتو. على سبيل المثال فى أبريل ٢٠٢٣ أطلقت السويد بالشراكة مع الناتو أكبر تدريباتها العسكرية منذ ٢٥ عامًا بالعمل مع ٢٦٠٠٠ جندى من ١٤ دولة.
فى مايو ٢٠٢٣ شاركت فنلندا فى مناورات عسكرية برية مهمة مع الناتو كعضو كامل العضوية فى الحلف الأطلسى كما قدمت فيما مضى قوات حفظ سلام لحلف شمال الأطلسى فى كوسوفو وأفغانستان.
فى فبراير ٢٠٢٣ انضمت فنلندا والسويد إلى ١٦ دولة حليفة من ضمنهم فرنسا لإطلاق مبادرة جديدة "القدرة على المراقبة الدائمة للحلفاء من الفضاء" (APSS)، والتى تتألف من إنشاء كوكبة من الأقمار الصناعية لتحسين المجموعة والمشاركة وتحليل البيانات بين الحلفاء ومع هيكل قيادة الناتو.
تخصص فنلندا بالفعل ما يقرب من ٢٪ من ناتجها المحلى الإجمالى لنفقاتها العسكرية وهو مطلب يهم جميع الحلفاء ولكنه لايحظى داءما بالتقدير. كما ظل التجنيد إجباريا حتى بعد نهاية الحرب الباردة (٢١٠٠٠ مجند سنويًا) ولديها مجموعة كبيرة من الاحتياطي.
على الرغم من قلة عدد سكانها البالغ ٥ ملايين نسمة يمكن استدعاء حوالى ٨٧٠ ألف رجل تتراوح أعمارهم بين ١٧ و٦٠ سنة للقتال. وفيما يخص القدرات، "تمتلك البلاد أكبر ترسانة مدفعية فى أوروبا الغربية". وقد جددت البلاد مؤخرًا أسطولها الجوى ومن المتوقع أن يكون لديها ٦٤ مقاتلة أمريكية الصنع من طراز F-٣٥ اعتبارًا من عام ٢٠٢٦.
فى غضون ذلك أعادت السويد التجنيد الإجبارى عام ٢٠١٧ لكل من الرجال والنساء. وقد زادت وبشكل مطرد ميزانيتها الدفاعية فى السنوات الأخيرة ولكنها لن تصل إلى طموحات الناتو البالغة ٢٪ من الناتج المحلى الإجمالى قبل عام ٢٠٢٦. لديها صناعة دفاعية قوية.
كما أن البحرية السويدية فى بحر البلطيق تعد أحد أصول حلف الناتو. كما تم تجهيز القوات الجوية السويدية بمقاتلات Saab JAS ٣٩ Gripen المطورة محليًا والمصممة خصيصا للرد على أى هجوم روسي.
اضطراب استراتيجى 
تربط المادة ٥ من الناتو الشعبين السويدى والفنلندى بمصير الحلفاء الآخرين. وبالتالى جرهم إلى حروب وصراعات لم يختاروها. وبالتالي سيتعرضون لخطر التعبئة للذهاب والقتال فى مسارح العمليات لم تكن تعنيهم قبل انضمامهم، ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا أصبحت جميع الأحزاب السياسية فى السويد موالية لحلف شمال الأطلسي باستثناء حزب الإصلاحى الشيوعي.
ورغم ذلك ما زال الخلاف والتردد الشديد فى الانضمام إلى الناتو قائمين داخل الحزب الديمقراطى السويدى اليميني وكذلك بين الديمقراطيين الاشتراكيين. وقدأدت التغيرات الجيوسياسية الوحشية التى أحدثتها الحرب فى أوكرانيا إلى وضع زعيم الحزب الاشتراكى الديمقراطى ماجدالينا أندرسون فى موقف حساس إلى حد ما. وقد وقف العديد من المفكرين المشهورين ضد عضوية البلاد فى الناتو.
أشارت استطلاعات الرأى فى فنلندا فى يونيو ٢٠٢٢ إلى أن ٧٩٪ من السكان يدعمون عضوية البلاد فى الناتو مقارنة بـما بين ١٩ إلى ٣٠٪ بين عامى ٢٠١٤ و٢٠٢١. فقط اليسار المتطرف والفوضويون هم الذين يعارضون هذه العضوية.
فى مايو ٢٠٢٢ وفى هلسنكى تم تنظيم مظاهرة تضامنًا مع أوكرانيا ولكن ضد انضمام فنلندا إلى الناتووذلك بمبادرة من جمعية المعترضين على الخدمة العسكرية (AKL) والمدافعين عن السلام وتحالف اليسار والشباب والنساء من أجل السلام وPAND Artists for Peace والشباب الشيوعى والفوضويون وفى المقابل تدعم قوى يسار الوسط الالتحاق بالناتو.


وتشير الصحفية الفنلندية آنا لينا لورين فى هذا الصدد إلى أن رد فعل الكرملين قد يكون غير متوقع. فى صيف عام ٢٠٢٣ أغلقت روسيا القنصليتين السويدية والفنلندية فى سانت بطرسبرج. كما تخشى فنلندا وصول أعداد كبيرة من المهاجرين على حدودها مع روسيا مثلما حدث على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا فى نوفمبر ٢٠٢١.
جدير بالذكر أن السلطات الفنلندية أصبحت أكثر تشددًا فى التعامل مع الروس بشكل عام حتى مع معارضى بوتين. وقد أعربت المنشقة الروسية أليشا ديمين عن أسفها فى كتابها بعنوان Dans les gaols de Poutine لأن فنلندا تجبر الشباب الروس الفارين من التجنيد للذهاب والقتال فى أوكرانيا.
وعلى الرغم من إجماع الراى فى السويد وفنلندة لصالح الانضمام الى الناتو إلا أن هناك عددا من الأسئلة تفرض نفسها. إذ سيصبح على السويد أن تتخلى عن موقفها المحايد ودورها كوسيط دولى فى مفاوضات السلام.
كما أنها مع قبول حماية المظلة النووية لحلف الناتو سيتعين عليها التخلى عن موقفها غير النووي. وعلى مدى العقود الماضية اضطلع السويد بدور رائد فى الجهود العالمية لنزع السلاح النووى لذا ستطوى صفحة مهمة فى تاريخ السويد.
وتجدر الإشارة إلى أن عضوية السويد فى الناتو أصبحت رافعة للرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى ميزان القوى مع الحلفاء الآخرين فى الناتو. باستخدام تركيا حق الفيتو فى الناتو فقد ضغط الناتوعلى الحكومة السويدية لتغيير التشريعات المتعلقة بحرية التعبير وحقوق اللاجئين ودخول الإسلاميين.
حتى أن أردوغان طالب بضمانات كى تفتح السويد الطريق أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وهكذا وبسعى السويدإلى حماية نفسها من الميول التوسعية المفترضة لفلاديمير بوتين ستجد السويد نفسها مضطرة للانحناء للرئيس التركي. يبدو أن الأمر فى فنلندا تنطبق عليه نفس الحجج المتعلقة بعدم الانحياز وضغوط تركيا.
أخيرًا لاشك أن انضمام الدولتين من شأنه أن يؤدى إلى قيامهما بمراجعة استراتيجيتها وعقيدتها العسكرية مراجعة كاملة مما يؤدى إلى حدوث اضطرابات كبيرة فى كل من جهاز الدولة والمؤسسة العسكرية.
عواقب التوازنات فى أوروبا
مع التوسعات المتتالية لحلف الناتو باتجاه الشرق، تتزايد مخاطر خوض الحرب. ومع انتهاء سياسة عدم الانحياز (التى استمرت قرنين فى السويد) وحيادهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ستتخلى السويد وفنلندا أيضًا عن وضعهما كمناطق عازلة بين الكتلة الغربية وروسيا.
وقد رد فلاديمير بوتين بعدم وجود نزاع إقليمى بين روسيا وهاتين الدولتين ولكن من المؤكد انه سيرد إذا تم نشر قوات الناتوهناك - وهى قوات ومعدات عسكرية أمريكية من الدرجة الأولى. ومع وجود حدود جديدة بطول ١٣٤٠ كيلومترًا مع روسيا (مقارنة بـ١١٩٣ كيلومترًا قبل انضمام فنلندا) لا شك أن خطر الاحتكاك بين فنلندا وجارتها الروسية سيتزايد وكذلك خطر دخول الناتو فى حرب مع روسيا.
ومن المفارقة أن سعى اوروبا الحليفة لأمريكا فى سعيها لحماية نفسها ستضع نفسها فى موقف الضعف امام روسياو وستكون أكثر للتهديد الروسي.
وفى الختام ستشكل العضوية المزدوجة لفنلندا والسويدفى الناتو خطوة إضافية فى استراتيجية الناتو والتى تهدف كما تمنى زبيجنيو بريجنسكى إدماج جميع الدول الأوروبية وجميع الدول المشاركة فى الشراكة من أجل السلام.
وقد ينذر أيضًا بتحول تدريجى للحلف الأطلسى ليصبح "مركز للأمن العالمي" مثلما أوصى فى عام ١٩٩٤: "بتنفيذ هذه الاستراتيجية لن يحافظ الحلف على الوحدة السياسية عبر الأطلسى فحسب بل سىواجه التحدى المتمثل فى أجندة أمنية جديدة".. وفق ما ذكره فى ذلك الوقت.
معلومات عن الكاتبة: 
آنا بوفرو.. متخصصة فى المجال الروسى والتركى حاصلة علي دكتوراه فى الدراسات السلافية من جامعة السوربون وتخرجت فى جامعة بوسطن فى العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية، لها العديد من الكتب فى الجغرافيا السياسية وتعمل فى معهد دراسات الدفاع الوطنى المتقدمة.. تتناول التداعيات الجيوستراتيجية لانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو.