اتهمت بعض الميليشيات الإرهابية، في إدلب السورية، قيادات بارزة في هيئة تحرير الشام الإرهابية (جبهة النصرة سابقا) بالتورط في الخيانة والعمالة لصالح قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، الأمر الذي أجبر الهيئة على اعتقال أبو ماريا القحطاني أبرز القيادات بالهيئة، والذراع اليمنى لزعيم الهيئة أبو محمد الجولاني، ومعه مجموعة أخرى من القيادات تم اعتقالها ضمن خلية تعمل لصالح التحالف الدولي.
الاتهامات التي طالت قيادات رفيعة في الصفوف الأولى لهيئة تحرير الشام، جعلت خصومها يشنون عليها هجوماً جديدا، وُصِفت فيه الهيئة بالاختراق في مناصبها الحساسة، وتمت دعوة أعضائها للانشقاق عنها، ورغم تعامل الهيئة مع أزمة القحطاني بطريقة مثيرة للجدل، حيث أصدرت بيانا قالت فيه إن القحطاني "أخطا في بعض التواصلات دون اعتبار حساسية موقعه"، بحسب ما ينقله المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويرى مراقبون أن التعامل مع أزمة القحطاني ليست على مستوى الأزمة ولا على مستوى الأهمية اللازمة، فالقحطاني نفسه له تاريخ طويل داخل الهيئة، وعلى علاقة قريبة جدا من زعيمها الجولاني، كما أن إيقافه أو وضعه تحت إقامة جبرية وحراسة مشددة، ووصف جريمته بأنه نوع من الخطأ في الاتصالات، وعدم الانتباه الكامل لحساسية منصبه ومركزه في الهيئة، يظهر مدى التهوين من شأن أزمة القحطاني في نظر الهيئة.
تنظيم القاعدة يستغل أزمة القحطاني
استغل تنظيم القاعدة أزمة القحطاني، عبر فرعه المحلي في سوريا وهو تنظيم "حُراس الدين" الذي خاطب الهيئة في بيان رسمي وطالبها بفتح تحقيق وتشكيل لجنة مستقلة من قضاة الهيئة لفحص هذه الاتهامات، خاصة أن وقوع قتلى بسبب القحطاني من تنظيم الحراس جعلها تصف نفسها بأنه "ولي الدم" أي صاحبة الحق الشرعي في المطالبة بثأر ودم العناصر المقتولة من بين صفوفها.
ونقلا عن "المرصد السوري"، فإن تنظيم الحراس أصدر بيانا بعنوان "نحن أولياء الدم" طالب خلاله هيئة تحرير الشام بإنشاء لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق مع الموقوفين لدى الهيئة بخصوص مقتل قيادات من صفوفها. وجاء في البيان: "بعد التطورات الأخيرة في الساحة الشامية التي أدت إلى اكتشاف جهات عميلة للتحالف الصهيوصليبي وغيرهم من أعداء الإسلام في بلاد الشام: فإننا نطالب بتحقيق مستقل يشرف عليه خيرة مجاهدي الشام، وقضاء مستقل يقوم به خيرة القضاة من أهل الشام بحق هؤلاء الجواسيس والعملاء القابعين في سجون الفئة التي تدعي سيطرتها على المناطق المحررة".
تنظيم الحراس، ألح على تهم الخيانة والعمالة التي أسهمت في تصفية قيادات بارزه في صفوفه، حيث أوضح البيان: "إننا وأهلنا المسلمين قد فقدنا خيرة إخواننا بغدر وعمالة هؤلاء الخونة وكان على رأس من فقدناهم الشيخ أبو فراس السوري، والشيخ أبو الفرج المصري والشيخ أبو الخير المصري والشيخ أبو محمد السوداني والشيخ قسام الأردني والشيخ خلاد المهندس وغيرهم من إخواننا المجاهدين من تنظيمنا ومن الفصائل الأخرى".
وشدد تنظيم الحراس في بيانه على ضرورة الاستجابة لمطلبه، وأنه هو ولي دم قياداته المقتولة، وبحسب البيان "نعتقد أنه آن الأوان لكشف المتورطين في دماء المسلمين وإنزال وتطبيق حكم الله فيهم".
عداوة قديمة
في وقت سابق، حاول تنظيم القاعدة تهدئة الأجواء وتصفيتها بين هيئة تحرير الشام التي فكت ارتباطها بالقاعدة، بعد تحولها من جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام، وأعلنت أولويتها في مواجهة النظام السوري، بينما ظلت مجموعة منشقة عن جبهة النصرة رافضة التحول الأخير، ومعلنة بقاء تبعيتها للقاعدة وتغيير اسمها ليصبح "حراس الدين" في العام ٢٠١٨، وكانت القاعدة وجهت فروعها في سوريا بعدم مواجهة الهيئة، فأصبح بينهما نوعا من التنسيق.
ويبدو أن القحطاني لم يكن على وفاق مع مجموعات القاعدة، بل تعرض لها بالانتقاد، ووصف خضوع قياداتها الكبرى للعمالة لصالح إيران.
وفي كلمة منسوبة للقحطاني تعليقا على مبايعة "سيف العدل" خلفا للظواهري، قال: "إن صح خبر تعيين سيف العدل زعيما للقاعدة فهذا يعني أن قرار القاعدة أصبح بيد الحرس الثوري وهذا ما تكلمت به قبل أعوام ولكن البعض أزعجهم كلامي، وقبل عام نصحت شباب اليمن ترك القاعدة وسحب جميع الذرائع والالتحام مع الشعب اليمني في مواجهة إيران، كيف لعاقل أن يبايع أميرا وأمره ليس بيده وهو يقيم بين ظهراني أجرم دولة احتلت عدة عواصم سنية ودمرتها، تنظيم القاعدة انتهى وهذا ما قلته قبل أعوام، الحرس الثوري الإيراني هو صاحب القرار كون سيف العدل مقيم في إيران".
هذه الانتقادات الكبيرة التي وجهها القحطاني لفرع تنظيم قاعدة الجهاد في اليمن، ومطالبته بالانسحاب أو الانشقاق من التنظيم، أمر يزيد عملية الاحتقان بينه وبين التنظيم بصورة خاصة، حيث وصف التنظيم بالسقوط في أحضان إيران التي اعتبرها أكثر الدول إجرامًا، وأنه ليس من المنطق اتباع أمير يقع تحت تأثير النفوذ الإيراني.
اعتقالات بالجملة منذ أول أغسطس
وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان عمليات اعتقال عدة تقوم بها جماعة الجولاني أو هيئة تحرير الشام، أغلب هذه الاعتقالات جاءت على خلفية التعاون مع العدو والخيانة الداخلية، وهو أمر تريد الهيئة إسكاته على المستوى الإعلامي لديهم بعد القبض على المتهمين وإصدار بيان يصف اتصالاتهم بالخطأ، وبحسب المرصد فإن الهيئة لم تعبأ بالاحتجاجات والمظاهرات التي تشهدها المنطقة، كما تجاهلت حالة الاحتقان الشعبي من سوء الأوضاع.
ووفقا للمرصد فإنه في مطلع الشهر الجاري اعتقلت الهيئة شابا من مكان عمله في مدينة شمال إدلب، بحجة الانتماء لحزب التحرير، بعد اقتحام منزله بقوة السلاح، وتم اقتياده إلى أحد سجون الهيئة في المنطقة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المواجهات بين حزب التحرير وبين الهيئة مشتعلة، إذ يعمل الحزب على تأليب الناس ضد الهيئة، واتهماها بالتخابر لصالح مخابرات خارجية وعالمية، أي أن اتهام الهيئة بالتخابر مع قوى أجنبية بات يطارد الهيئة من قبل المليشيات الموجودة معها بنفس المنطقة.
وفي الثالث من أغسطس الجاري اعتقل جهاز الأمن العام (تابع للهيئة) ٦ عناصر أمنيين في مناطق نفوذها، بتهمة العمالة لصالح جهات خارجية. وفي السادس من أغسطس الجاري اعتقلت "أمنية الهيئة" عنصرا سابقا ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، بتهمة العمل ضد الهيئة، حيث جرى اعتقاله في بلدة الأتارب بريف حلب الغربي، مع مصادرة دراجته النارية، وجرى اقتياده إلى أحد المركز الأمنية.
ووثق المرصد في ٢٠ أغسطس الجاري أيضا، حملات اعتقال ومداهمة، حيث شهدت بلدتي الدانا والبردقلي بريف إدلب الشمالي، استنفارا أمنيا من قبل عناصر جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام، وسط مداهمة منازل في حملة أمنية لها، أسفرت الحملة عن اعتقال شخصين بتهمة التعامل والتخابر لصالح جهات خارجية، وجرى اقتيادهما إلى أحد المراكز الأمنية التابعة للهيئة.
وتعمل الجهات الأمنية التابعة للهيئة بدأب لتطهير عناصرها المخترقة، ولتعديل صورتها أمام الجميع، وأنها قادرة على تطهير نفسها، لكن الميليشيات الأخرى والتي معها في مناطق نفوذها باتت تتهمها بالعمالة والخيانة، وهو ما أثبتته الهيئة بحملات الاعتقالات التي طالت بعض عناصرها وصولا لإحدى أكبر القيادات بها وهو القحطاني.