سطع نجمه فى الآونة الأخيرة بعد أن أعلنت الأمانة العامة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» فوز روايته «تغريبة القافر» بالجائزة الكبرى، هو الروائى والشاعر العمانى زهران القاسمي، وهو أول عماني يحصل على جائزة البوكر للرواية العربية.
وعلى هامش أولى زياراته لمصر للبدء فى جولة ثقافية لتوقيع روايته بين القاهرة والمنصورة والإسكندرية والتى تنظمها «دار صفصافة للنشر» برئاسة الناشر محمد البعلى والحاصلة على حقوق الطبع والنشر للرواية، كان لـ«البوابة» حوار معه على هامش تلك الجولة، والتى تتضمن أيضًا استضافة من دار الشروق لتوقيع الرواية ولقاء الكاتب العماني «زهران القاسمي».
فى الحقيقة إن بساطة زهران القاسمى تجعلك تبحر معه فى عوالم مغايرة عن الرواية والحكاية، تلك البساطة والتواضع يجعلك تتساءل عن هذا الشاعر العمانى الذى قرر أن يتخذ من الحكى مهنته، ولما لا فهو ابن قرية «مس» التى شكلت ملامح وجهه. هوى الروائي وابن الحكايات لديه مخزون من الموروث والحكايات التى لم يتطرق إليها أحد... ولهذا عزيزى القارئ لن تجد نفسك أمام حوار يتشدق بالمصطلحات والمفاهيم الأدبية والنظريات السينمائية، وإنما أمام هذا الإنسان المخزن بخزان البشر والحكايات. ولمزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:
■ في البداية؛ حدثنا عن كواليس الزيارة للقاهرة؟
- فى الحقيقة إن دار صفصافة كانت تُجهز لهذه الجولة وذلك قبل أن أحصل على جائزة البوكر، ويعود هذا الأمر إلى شهر مارس الماضي حيث تم التواصل معي؛ لإقامة حفل توقيع للرواية بعد أن حصلت الدار على حقوق النشر لها وعمل طبعة خاصة بالقاهرة.
ونظرًا لانشغالي في ذلك الوقت بسبب عملي، وحينما تم الإعلان عن حصولى على الجائزة الكبرى بالجائزة العالمية للرواية العربية عادت مرة أخرى فكرة القدوم إلى مصر وعمل جولة لتوقيع الرواية.
أما عن الجولة فأنا متفائل جدًا بمقابلة القراء المصريين وجها لوجه، على الرغم من أننى قد التقيت بالعديد منهم من خلال جروبات القراءة المختلفة مثل نادي القراء المحترفين، لا سيما وأن جدول الزيارة حافل بالفعاليات الثقافية والزيارة لأكثر من مكان وأكثر من محافظة سواء داخل القاهرة أو خارجها.
■ بالتأكد هناك تغيرات حدثت على حياتك الشخصية بعد تسليط الضوء عليك فور حصولك على الجائزة.. حدثنا عن أهم ملامح هذا التغير؟
- بالطبع، هناك بعض المتغيرات التى طرأت على حياتي، ولعل أبرزها هى كثرة الحوارات التى تأتينى من الصحفيين، وهو ما يجعلنى أقع فى حيرة كبيرة، وهو ما يجعلني أنظر إلى التساؤلات بعناية كافية وأنتخب من بينها، فإذا كان الحوار يعبر عن مجرد تساؤلات نمطية ومكررة، فى الحقيقة أقوم بالرفض.
أما الحوارات التى أرى أنها نابعة من قراءة واعية ومتعمقة، فأبدأ الاشتغال عليها والإجابة عنها، فأنا لست مجرد مساحة فارغة فى إحدى الجرائد، وأرى أن قبول مثل تلك الحوارات النمطية قد يأتى على حساب الحوارات الجادة التى تمس التجربة الأدبية سواء على المستوى العام أو الخاص، وأرى أن هذا الانتخاب من بين الحوارات هو أمر هام.. أولا بالنسبة للكاتب وثانيًا للقارئ أيضًا، كما أننى أخشى أن أقع فى فخ التكرار.
■ بعد فوز تغريبة القافر بالجائزة العالمية للرواية العربية... ما مشروعاتك القادمة؟ وكيف تستعد فى تلك الفترة بعد كل تلك المتغيرات؟
- فى الحقيقة إنني كنتُ قد بدأت فى مشروع كتابة، ثم توقفت بسبب كثرة السفر والتنقل واللقاءات الفكرية، ولهذا قررت التوقف عن الكتابة بشكل مؤقت، لكي أعطي هذه التجربة كل ما تتطلبه من مساحة سواء كانت حوارات أو التنقلات من مكان لآخر، فأنا لدي دائمًا هذا التخوف من أي تجربة جديدة أقوم بالعمل عليها، وأخشى أن أكرر نفسي، وحتى أكون منصفا فى الوقت نفسه.
وأعرف أن تلك الفترة ستمضى بكل تأكيد وستعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل، فأنا أحب الهدوء بطبعي، والفترة السابقة أرهقت كثيرًا من كثرة التواصل، فأنا أريد أن أعود إلى هذا الإنسان الذى كان يعيش حياته بهدوء يقرأ ويكتب ويبدع، - فصاحب بالين كذاب - فأنا أريد الاستقرار لنفسى حتى تهدأ، وأبدأ فى الكتابة، لاسيما وأن مشروعى القادم يحتاج إلى الكثير من البحث والتقصي والبحث عن المصادر ولقاء بعض الشخصيات التى أريد أن أجمع منها بعض المعلومات.
■ حدثنا عن مشروعك القادم؟
- لا، لن أستطيع البوح عنه فى الوقت الراهن، وكل ما أستطيع قوله أن المشروع القادم يشتبك مع الخصوصية الثقافية لعمان، فأنا لا أريد أن أخرج منها، وهناك الكثير من الموضوعات التى تتمتع بالخصوصية الثقافية، والتى لم يتطرق لها ولا الكتب ولا الأعمال الروائية.
■ استخدمت اللهجة العمانية فى بعض مقاطع من الرواية لا سيما فى بعض الحوارات التي دارت بين الشخصيات.. ألم تتخوف من ذلك.. أو أن بعض القراء قد يصعب عليهم تلك اللغة أو اللهجة؟
- فى الحقيقة أن استخدام اللهجة العمانية فى بعض مقاطع من الرواية هو أمر ليس بجديد على الأدب العربى فهناك أعمال روائية مصرية وعراقية وبعض الروائيين فى عمان أيضًا، استخدموا اللهجات المحلية بأعمالهم، وقد أثيرت هذه النقطة بعد فوز «تغريبة القافر» وهناك من أعجبهم هذا الاستخدام، وهناك من رأوها عائقا للفهم، على الرغم من أننى استخدمتها بشكل مقتضب جدًا كما أنها تفهم من السياق التى وضعت به.
وأرى أن هذا الأمر يختلف وفقًا لنوعية القارئ نفسه، فهناك قارئ يريد أن يقرأ ويستمتع بما يقرأه وهناك القارئ الباحث الذى يعنيه أن يفهم كل كلمة وكل مصطلح بأن يعى معانيه، وهناك البعض منهم من تواصل معى بشأن بعض المفردات والتى كانوا يبحثون عن معناها.
■ حدثنا عن أسرار تغريبة القافر .. أين كانت البداية.. وهل كنت تقصد هذه البداية الصادمة والخاطفة؟
- أبدأ بالفكرة فى أغلب أعمالي، فأنا لا أقوم بعمل مخطط بشكل مسبق، بل يكون لدى الفكرة وأبدأ بالاشتغال عليها، ثم مع استمرارية الكتابة تظهر لى نقطة لتكون هى البداية، فلا يشترط أن تكون البداية هى أول ما أكتب، فمن الممكن أن أقطع شوطًا كبيرًا فى كتابة الرواية حتى أختار الجزء الذى أبدأ منها،.
فعلى سبيل المثال- فى تغريبة القافر- كانت البداية حينما كان «القافر» فى "الفصل التاسع " حينما بدأوا يصفونه بأنه مجنون، فعندما كان يجلس على الصخرة ويستمع لصوت المياه، وكنت أضع تصورًا أن يكون نظام العمل بداخل الرواية عبارة عن «فلاش باك»، وأن القافر يعود بالذاكرة إلى كيف ماتت أمه؟.
وقتها أيقنت أن هذا العمل لا يجب أن يخرج بطريقة الفلاش باك، وإنما يجب أن يسير بالتسلسل الزمنى للحكاية، ولهذا بدأت بـ «غريقة غريقة» وأصبح أول فصل قمت بكتابته فى الرواية هو الفصل التاسع وهذا الأسلوب فى الكتابة يختلف بالطبع من كاتب إلى كاتب.
■ فى رأيك متى يلجأ الكاتب إلى استخدام أصوات متعددة بداخل العمل الروائي وما رأيك فيما يطلق عليه «الروائى العليم»؟
- أعتقد أن هذا ليس بالأمر المعقد فإذا رجعنا بالذاكرة إلى رواية «مائة عام من العزلة» على سبيل المثال نجد أن هناك حضورا قويا لصوت الراوى العليم وهو أيضًا ما اعتبره «تنكيك» أو أسلوبا للكتابة، وأنا ككاتب لى كل الحق فى التصرف فى الشخصية بداخل الرواية عما إذا كانت هى من تتحدث بداخل العمل أم الروائى العليم. وهو عبارة عن طريقة للكتابة وليس لها علاقة بضعف الكاتب أو أى من ذلك قبيل هو مجرد أسلوب أو طريقة للحكي، كما ان فكرة وجود صوت «الروائى العليم» أصبح جليًّا فى أغلب الكتابات الحديثة حتى على مستوى العالم.
كما أننى أترك هذا الأمر للمشروع الإبداعى لي، فلا أرى أن هناك شخصية خجولة تستطيع أن تتحدث عن نفسها، - فى حين أتبنى أو أختار أن تتحدث الشحصية عن نفسها، سأتركها بكل حرية، -فعلى سبيل المثال- فى رواية القناص – قد قمت باستخدام صوتين، الأول هو صوت القناص نفسه وهو يتحدث عن نفسه وعن أفكاره وعن أحلامه وعلاقته بالآخرين من حوله.
والصوت الآخر كان صوت السارد العليم فى بعض المناطق وقد رأيت أن هذه الطريقة هى الأنسب للعمل، لأنه قد يكون هناك أمور لا يمكن أن تتحدث الشخصية عنها بداخل العمل، ولهذا أكون قد خدعت القارئ إذا ما جعلت الشخصية هى من تتحدث عن مكنونها الداخلي.
■ أي كاتب هو عبارة عن مجموعة من الخبرات المتراكمة قد يسهم فيها الكثير من المعطيات التى تعطيها له الحياة من البيئة التي نشأ فيها مخزون ما يحمله من قراءات ومعارف وخبرات حياتية .. حدثنا عن زهران القاسمي النشأة والتكوين الفكري؟
- فى الحقيقة إننى بحكم أنني أعيش ولا زالت أعيش فى قرية «مس» وأنتمى لأسرة قروية، والناس فى القرى هم “حكائين” بطبيعتهم، كما أن أسرتى عملت فى مهن كثيرة عبر الزمن، فبدأوا من النقش على الفضة ويصنعون الأساور ويقومون ببيعها، كما أنهم قد امتهنوا مهنة القنص خلال فترة المجاعة بعد الحرب العالمية الثانية، فقد لجأ البعض منهم إلى مهنة القنص لكى يأكلوا وأيضًا ليقوموا بالبيع.
وقد نشأت على سماع كل تلك الحكايات منذ طفولتي، غير أن تفاصيل المكان الذى أعيش فيه عامر بالتراث والعادات والتقاليد والموروثات الشعبية التى ربما تحتاج إلى الكثير من الكتب للحديث عنها، فالتساؤل هنا.. أنا أملك كل هذا المادة الخصبة من التراث والموروث الثقافي.
فلماذا أذهب للكتابة عن أمور هى بعيدة عني؟ لاسيما وأن أغلب تلك الموروثات لم يتطرق إليها أحد منى قبلى - ففى تغريبة القافر- كنت أول من تحدث على الأفلاج فى عمل روائي، ومسار جريان المياه بها، وهو نظام اجتماعى فى عمان لم يتحدث عنه أحد من قبل، فالأفلاج ليست فقط نظاما مائيا وإنما أيضًا نظام اجتماعى منضبط يسير وفقًا للقوانين والعادات، إذ إنه كان ولا بد أن يمر مجرى المياه بداخل بيوت كبار القرية والجامع.. إلخ.
وأيضًا قد تطرقت للقناصين وحكايات القناصين قد استفدت منها فى رواية القناص واستفدت كثيرًا من حكايات عائلتى حول القنص ، كما أننى تعلمت القنص وأنا فى عمر العشر سنوات، فقد كنت أطلع الجبل مع أخى الأكبر وهو من علمنى مهنة القنص.
كما أن الخروج وتسلق الجبال ليس بالأمر الهين فقد تضطر أن تبقى أعلى الجبل فى العراء قرابة الثلاثة أو الأربعة أيام، وهى تجربة ليست بالأمر الهين، فمن الممكن أن تقضى الليل فى سمع أصوات الحيوانات، وبالفعل تعلمت القنص وكان لدى بندقية وأصطاد بها الطيور.
فالفكرة هنا أننى وبحكم نشأتى تكونت لدى ثراء معلوماتى من خلال الحكايات كما أننى لدى ثراء فكرى من خلال القراءات وهو ما أريد الاشتغال عليه، لما تتمتع به تلك المنطقة من خصوصية ثقافية والأمر الآخر أن تلك البيئة لم تظهر بشكل كبير فى الأعمال الروائية، ربما نجد المكان ظاهرا وواضحا فى بعض الأعمال الشعرية للشعراء العمانيين.
■ فى تقديرك ما النفع الحقيقي للجوائز الأدبية؟ وما الأصداء التى تلتمسها بعد البوكر؟
- فى الحقيقة أن الجوائز تلعب دورًا مهما فى معرفة الكاتب للقراء، وأيضًا تتيح فرصة للتعرف على باقى أعمال الكاتب، فعلى سبيل المثال بدأت رواية القناص وهى الرواية السابقة عن تغريبة القافر بدأت فى الرواية وأعادت دار النشر طباعتها مرة أخرى، بعد نفاد النسخ.
كما أن الدواوين الشعرية الخاصة بى أخذتها جمعية الكتاب والأدباء بمسقط لإعادة طباعتها مرة أخرى فى مجموعة شعرية كاملة، وأعتقد أن هذا هو الرواج الحقيقي للكاتب بعد تسليط الضوء عليه.
وأرى أن الحصول على الجوائز له مميزاته وله عيوبه أيضًا، فكما لها فوائد عديدة منها الرواج للكاتب وأعماله الإبداعية والعيوب من وجهة نظري هو التخوف من توقف الإبداع لدى الكاتب، ولهذا اتخذت قرارًا بالتوقف لمدة عام حتى تذهب زهوة الفوز، لا سيما وأن العمل القادم أمامه تحدِِ كبير.