قبل أن انصرف من مكتب المفكر الكبير توفيق الحكيم كنت أتساءل بينى وبين نفسى هل ممكن أن يجرؤ على نشر مقال يتحدث فيه مع الله يسأله ويتخيل الرد الإلهي عليه؟.
بحكم سنى الصغير استبعدت هذه الفكرة من خيالى وأعتقدت أن المفكر الكبير كان يطرح تساؤلات خيالية أو فلسفية ولا يمكن أن يقدم على نشر مثل هذه الفكرة إطلاقا فى ظل تنامى التيار الإسلامي القوى آنذاك والشعبية الجارفة لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.
لكن إحساس داخلي كان يرجح أنه سينشر ما فكر فيه فهو يهوي المعارك الفكرية طوال حياته والتى خاضها بقوه ولم يلتفت إلى نتائجها.. فهو مثلا خاض معركة في أربعينيات القرن العشرين مع الشيخ المراغي شيخ الأزهر آنذاك، ومع مصطفى النحاس زعيم الوفد، وفي سبعينيات القرن العشرين خاض معركة مع اليسار المصري بعد صدور كتاب “عودة الوعى".
إذن نحن أمام شخصية قوية لا تخشى المعارك الفكرية من أجل أن تقول رأيها..
فى الأول من شهر مارس عام ألف وتسعة مائة وثلاثة وثمانون كتب المفكر الكبير توفيق الحكيم فكرته والتى أرهقته طويلا من أجل أن يخرجها من اعماقه.. فى صباح ذلك اليوم فوجئ قراء جريدة الأهرام بمقال بعنوان "حديث مع الله" شرح فيه فكرة هذا المقال وتوضيح موقفه من مقاله "حديث مع الله ".
قال موضحا للمقال "لن يقوم إذن بيننا حوار إلا إذا سمحت لي أنت بفضلك وكرمك أن أقيم أنا الحوار بيننا تخيلا وتأليفا، وأنت السميع ولست أنت المجيب، بل أنا في هذا الحوار المجيب عنك افتراضًا، وإن كان مجرد حديثي معك سيغضب بعض المتزمتين لاجترائي في زعمهم على مقام الله سبحانه وتعالى، وخصوصا أن حديثي معك سيكون بغير كلفة".
ومنذ بدء نشر هذا المقال والمعارك لم تهدأ..لقد فتح هذا المقال النار على المفكر الكبير الأستاذ توفيق الحكيم فانهال عليه الكتاب الإسلاميون والدعاة بالمقالات التي تتهمه بالضلال والكفر، وكما هاجمه عمر التلمسانى فى مقال بجريدة «النور» وأيضا الدكتور محمد أحمد المسير في جريدة «اللواء الإسلامى».
أما أشد المهاجمين له في هذه المعركة فقد كان الشيخ محمد متولى الشعراوى الذي أقيمت له ندوة في مجلة «اللواء الإسلامي» واشتدت المعركة بين فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي والمفكر توفيق الحكيم مما سبب التدخل للدفاع عنه كل من الكاتب يوسف إدريس والدكتور زكى نجيب محمود.
ورغم هذا تراجع المفكر الكبير توفيق الحكيم عن عنوان المقال الذى أحدث ضجة ليصبح بدلا من حديث مع الله إلى «حديث إلى الله».
الغريب أن جريدة الأهرام لم تهتم بهذا الهجوم على المفكر الكبير توفيق الحكيم وتابعت نشر مقالاته بعد تغيير عناوينها من "حديث مع الله" إلى "حديث إلى الله" ثم "حديث مع نفسى".
وللحق لم تهدأ المعارك رغم هذا التراجع فى عناوين المقالات.. ولكى يسجل المفكر الكبير توفيق الحكيم هذه المعركة تاريخيا ضم الأربعة مقالات التى تم نشرها بجريدة الأهرام في كتاب أسماه «الأحاديث الأربعة والقضايا الدينية التي أثارتها»... وكتب في مقدمته: (قد رأيت عند إعادة الطبع في هذا الكتاب استبعاد كل الكلمات والأسطر التي كتبت تخيلا منسوبا إلى الله، مراعاة للحساسية الدينية التي لا أريد إطلاقا أن تسبب إزعاجا لأى مؤمن، كما حرصت على تخريج الأحاديث الشريفة والأفكار التي وردت في الأحاديث الأربعة والتي قال عنها بعض العلماء إنها أحاديث موضوعة أو ضعيفة أو غير موجودة).
ختاما لابد أن تعرف أن المعارك الفكرية مع المفكر الكبير توفيق الحكيم كادت أن تتهمه بالكفر لولا تراجعه والذي كان بمثابه اعتذارا لما كتبه.