البحر الأسود هوالآن منطقة حرب خاصة بالناتو مثل غرب أوكرانيا.. منذ أن أدانت روسيا فى ١٧ يوليو٢٠٢٣ الاتفاق الذى يضمن مرور الحبوب من أوكرانيا، أصبح البحر الأسود مركزًا للتوترات العسكرية والجغرافية، وهذا ما أكده كل من مارك سانتورا وستيفن إرلانجر فى أعمدة صحيفة نيويورك تايمز (المياه المضطربة: كيف أصبح البحر الأسود نقطة ساخنة فى الحرب. وقد تم النشر فى ٨ أغسطس ٢٠٢٣).
وقال إيفودالدر، السفير الأمريكى السابق لدى الناتو الذى يدير مجلس شيكاجو للشئون العالمية، أنه «على الرغم من أن البحر الأسود يعد بعيدًا عن مناطق المواجهات الأوكرانية، خاصة على جانب باخموت، إلا أنه أصبح الآن مجالًا للصراع ومنطقة حرب خاصة بالناتومثل غرب أوكرانيا».
وبعد أن انسحبت روسيا من اتفاقية الحبوب، قامت بسحق الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود وذلك لتخريب تصديرالحبوب التى تعد أمرا أساسيا للاقتصاد الأوكرانى، كما قامت بضرب بعض المواقع على نهر الدانوب على بعد مئات من الأمتار من رومانيا، العضو فى الناتو. وقد جعل هذا الهجوم المخاوف تزيد من أن التحالف العسكرى لم يتم تدريبه بصورة كافية لخوض هذا الصراع.
كان البحر الأسود فى قلب الاهتمام والجهود الروسية لعدة قرون، وذلك لتوسيع نفوذها الجيوسياسى والاقتصادى مما تسبب فى اشتباكات مع القوى العالمية الأخرى بما فى ذلك الانخراط فى حروب متعددة مع الإمبراطورية العثمانية.
إن الموانئ على طول المياه الدافئة تسهل التجارة على مدار السنة. وقدم هذا الموقع الذى يوجد فى مفترق طرق جيوسياسى مكانا لروسيا لحماية نفسها فى أوروبا وفى الشرق الأوسط وما بعده.
ولم يتوقف فلاديمير بوتين أبدًا عن زيادة تأثير موسكو حول البحر الأسود والاستثمار فى تطوير الموانئ الساحلية ومدن العطلات مع تعزيز القوة العسكرية الروسية فى المرافق البحرية للأسطول الجنوبى من موسكو (وخاصة فى شبه جزيرة القرم فى سيباستوبول).
ولكن دعنا نقول إن البحر الأسود مهم لحلف الناتو بنفس القدر الذى يحاول به «تدمير» روسيا وفى الواقع، نرى أن هناك ثلاث دول أعضاء، وهى تركيا ورومانيا وبلغاريا، تحد البحر الأسود مع أربعة موانئ مهمة. ونجد خمسة دول شريكة فى المنطقة: هى أرمينيا وأذربيجان وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا.
وفى واشنطن، أصدرت إدارة بايدن تحفظات فى بداية الحرب، على مبادرات كييف التى تهدف إلى ضرب الأهداف أو التخريب داخل روسيا بما فى ذلك ضرب موانئها على البحر الأسود، وذلك خوفًا من أن مثل هذه الهجمات قد تزيد التوترات مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ويشير مارك سانتورا وستيفن إرلانجر إلى أن هذه المخاوف قد تراجعت ولكنها لم تختف تمامًا.
وفى هذا السياق، أظهرت تركيا الحزم وحاولت منع حلفائها من حلف الناتو من زيادة التوترات مع روسيا فى البحر الأسود. وقال سنان أولجين، الدبلوماسى التركى السابق ومديرمركز الأبحاث التركى: «لقد حاولت تركيا أيضًا إقناع فلاديمير بوتين بالرجوع فى اتفاقية الحبوب حتى ولوتلاشت الآمال».
وقال سنان أولجين: «لم ترحب تركيا بأى مهمة لحلف الناتو فى البحر الأسود، معتقدة أن زيادة وجود الناتوهناك من شأنه أن يزيد من خطر الصراع مع روسيا».
ومنذ بداية «العملية الخاصة» لروسيا فى أوكرانيا، قامت تركيا التى كانت تسيطر على العبور بالبحر الأسود عن طريق مضيق البوسفور والدردنيل بموجب مؤتمر عام ١٩٣٦، قامت إذن بحظر سفن الحرب الروسية والأوكرانية ومنعتها من إستخدام المضيق وقد تم الترحيب بهذا الاجراء من قبل أوكرانيا والناتو.
لكن تركيا طلبت أيضا من حلفائها عدم إرسال سفنهم الحربية وفى الوقت الحالى، ومنذ أن أغلقت تركيا المضيق أمام السفن الحربية الروسية، لم تحاول الولايات المتحدة تخويف أنقرة أوعزلها ولا شك أن السيطرة على البحر الأسود هى أمر استراتيجى بارز بالنسبة لروسيا وهذا هو أحد الأسباب التى جعلت روسيا تضم شبه جزيرة القرم فى عام ٢٠١٤، وهى شبه جزيرة كبيرة على الساحل الشمالى للبحر، وذلك عندما تم إقالة رئيس أوكرانى موالى لروسيا خلال إحدى حركات التمرد.
موسكو واتفاقية الحبوب
قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان: «أعتقد أنه يمكن العثور على حل» فى إشارة إلى المحادثة التليفونية الأخيرة مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين الذى رفض تمديد الاتفاقية وقال الرئيس التركى فى ٧ أغسطس ٢٠٢٣: «يعتمد حل نقل الحبوب من أوكرانيا فى البحر الأسود على الدول الغربية التى يجب أن تحافظ على وعودها».
ويعتمد حل هذه المشكلة على احترام الدول الغربية لوعودها. وأشار الرئيس التركى إلى أنه لم يتم إتخاذ التدابير التى كان من شأنها أن تحول الوضع إلى أجواء إيجابية بعد مبادرة البحر الأسود وتؤدى إلى وقف إطلاق النار ثم إلى اتفاق سلام دائم.
وفى هذه الحالة، طالبت موسكو برفع العقبات المرتبطة بالعقوبات الغربية وتصدير منتجاتها الزراعية لا سيما مواد السماد وأضاف الرئيس التركى: «إن موقفنا هنا واضح».. كان أردوغان قد اتصل بفلاديمير بوتين لحثه على «تجنب التصعيد»: «إذا امتدت الحرب إلى البحر الأسود فسوف تكون كارثة فى منطقتنا!».
معلومات عن الكاتب:
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول التوتر الشديد فى منطقة البحر الأسود والذى ازداد عقب انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب.