يعد المتحف البريطاني البالغ من العمر 264 عامًا من أهم معالم الجذب السياحي في لندن، حيث يجذب زوارًا من جميع أنحاء العالم يأتون لرؤية مجموعة واسعة من القطع الأثرية، بدءًا من حجر رشيد الذي كشف عن لغة مصر القديمة إلى مخطوطات تحمل شعر الصين من القرن الثاني عشر وأقنعة صنعها السكان الأصليين لكندا.
وفي واقعة ليست الأولى من نوعها، اكتشفت إدرة المتحف نقصًا في بعض مقتنياته النادرة وهو ما أعلن على خلفيته طرد أحد العاملين وفرض "إجراءات طارئة" لزيادة الأمان بعد.
وبحسب ما أوردته صحيفة "الجارديان" البريطانية، أجرى المتحف مراجعة مستقلة للأمان بعد اكتشاف نقص في عناصر من المجموعة، التي تشمل - وفقا لما ذكره المتحف - مجوهرات من الذهب وأحجارًا كريمة وزجاجية تعود للقرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وكان معظمها قطعًا صغيرة مخزنة في غرفة تخزين ولم يتم عرض أي منها مؤخرًا.
ومن المقرر اتخاذ إجراءات قانونية ضد العامل المفصول وتجري أيضًا تحقيقات من قبل وحدة مكافحة الجريمة الاقتصادية في الشرطة البلدية في لندن "المتروبوليتان بوليس".
ووفقًا لبيان المتحف، ستقوم المراجعة المستقلة للمتحف، التي يقودها السير نايجل بوردمان، عضو سابق في مجلس الأمناء، ولوسي دورسي، رئيسة شرطة النقل البريطانية، بالتحقيق وتقديم توصيات بشأن ترتيبات الأمان المستقبلية، كما ستبدأ أيضًا "برنامجًا نشطًا لاستعادة العناصر المفقودة".
معظم العناصر المفقودة كانت قطعًا صغيرة مخزنة في غرفة تخزين تتبع إحدى مجموعات المتحف، ولم يتم عرض أي منها مؤخرًا أمام الجمهور، وكانت محفوظة بشكل أساسي لأغراض أكاديمية وبحثية.
قال جورج أوزبورن، رئيس المتحف: "كان أعضاء مجلس أمناء المتحف البريطاني قلقين للغاية عندما علمنا في وقت سابق من هذا العام أن قطعًا من المجموعة قد تمت سرقتها، واتخذ مجلس الأمناء إجراءات حازمة للتعامل مع الوضع، بالتعاون مع فريق المتحف".
وأضاف: "لقد طلبنا المساعدة من الشرطة، وفرضنا إجراءات طارئة لزيادة الأمان، وأقمنا مراجعة مستقلة حول ما حدث والدروس المستفادة، واستخدمنا كل الصلاحيات التأديبية المتاحة لنا للتعامل مع الشخص الذي نعتقد أنه مسؤول".
وتابع: "أولويتنا الآن هي ثلاثية: أولًا، استعادة العناصر المسروقة؛ ثانيًا، معرفة ما إذا كان هناك أي شيء يمكن أن يتم لوقف هذا؛ وثالثًا، القيام بما يلزم، من خلال استثمارات في الأمان وسجلات المجموعات، للتأكد من عدم حدوث هذا مرة أخرى".
وبدوره، قال المتحدث باسم شرطة المتروبوليتان: "لقد كنا نعمل جنبًا إلى جنب مع المتحف البريطاني. هناك حاليًا تحقيق جار - لا توجد اعتقالات والاستفسارات مستمرة. لن نقدم أي معلومات إضافية في هذا الوقت".
من المفهوم أن المتحف يأمل في أن يتم الانتهاء من مراجعة الأمان بحلول نهاية العام.
العناصر التي اختفت من المتحف في السنوات السابقة تشمل عددًا من العملات والميداليات التي تم سرقتها في السبعينيات، والعملات الرومانية التي سرقت في اقتحام عام 1993.
في عام 2002، قام المتحف بمراجعة وسائل الأمان لديه بعد أن سُرق تمثال يوناني عمره 2500 عام وارتفاعه 12 سم من قبل أحد أفراد الجمهور. وبعد عامين، اختفت مجوهرات صينية.
في عام 2017، تم الكشف عن فقدان خاتم الماس من كارتييه بقيمة 750،000 جنيه إسترليني من مجموعة الأصول التراثية، وقد تم الإبلاغ عن ذلك في عام 2011.
في السنوات الأخيرة، أعاد النشطاء إلى الواجهة مناقشة ميراث المتحف البريطاني المرتبط بالفترة الاستعمارية مسلطين الضوء على امتلاكه القطع الأثرية التي تم أخذها من دول إفريقية والهند ومناطق أخرى أثناء فترة حكم الإمبراطورية البريطانية.
ومنذ عام 2016، قام نشطاء أفارقة وهنود بالتوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز حملات استرداد الأعمال الفنية، وحققوا بعض النجاح، مما أجبر مؤسسات الفن الأوروبية والأمريكية على مواجهة كيفية الحصول على هذا الفن في البداية، وفقًا لتقرير من ARTNews.
إضافة إلى ذلك، استكشف بعض المسؤولين المنتخبين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة والمكسيك تغيير القوانين التي قيدت استرداد القطع الأثرية، وفقًا لما ذكره موقع "ARTNews" الأمريكي.
ذكر المحامي في حقوق الإنسان جيفري روبرتسون لصحيفة "الجارديان" البريطانية في عام 2019، أن المتحف البريطاني الذي يحتضن 8 ملايين قطعة أثرية، يدّعي ملكيته لأكثر القطع المنهوبة من بين متاحف بريطانيا.
بعض القطع الأثرية لدى المتحف تشمل مئات اللوحات البرونزية التي تعود إلى القرن 13 في بنين، ورخامات البارثينون القادمة من اليونان، وحجر رشيد الذي أخذ من مصر، والعديد من تلك القطع تكون وراء أبواب مغلقة أو في غرف تخزين.
وبشكل عام، تواجه المتاحف الغربية مطالبات بإعادة الممتلكات المسروقة، التي تمثل التراث الثقافي للشعوب المضطهدة الذي نهبته الجيوش الاستعمارية في القرن التاسع عشر أو أُخِذَ بطرق غير عادلة من قبل مسؤولين طامعين أو سفراء سيئي السمعة.
المتاحف العريقة مثل "Metropolitan " في نيويورك والجيتي واللوفر والمتحف البريطاني ومنتدى هومبولدت في برلين قامت بتخزين إرث دول غيرها كان قد سُلب خلال حروب العدوان أو بالسرقة أو الغش، رافضين الطلبات بإعادة هذه المقتنيات علىالرغم من أن العديد منهم تم أخذهم من قبل الجيوش الاستعمارية في سياق ما يمكن الآن اعتباره جرائم ضد الإنسانية.
وذكرت شبكة "CNN"، في تقرير نشرته عام 2020، أن ما لا يقل عن 90 بالمئة من الممتلكات الثقافية الإفريقية موجود في المتاحف الأوروبية، وفقًا لتقرير صادر عن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي قرر أنه يجب إعادة جزء كبير منها، ومع ذلك، رفض المتحف البريطاني إعادة نصف رخام البارثينون الذي سرقه اللورد إلجين لليونان.
وفي عام 2017، أعلن الرئيس ماكرون أن "التراث الثقافي الإفريقي لا يمكن أن يظل أسيرًا في متاحف أوروبية بعد الآن". وقد قام بإعادة بعض من برونزات بنين إلى نيجيريا، التي اشترتها فرنسا بعد أن تم استيلاؤها في "حملة عقابية" وحشية من قبل الجيش البريطاني في عام 1897. يحتفظ المتحف البريطاني بالمزيد منها، ولكن أمناؤه يرفضون حتى مناقشة إعادة هذه الأدلة على حضارة إفريقية متقدمة في القرن السادس عشر.