الحديث عن الزعيم القائد خالد محيى الدين يحتاج إلى مجلدات ضخمة، لكننا سنحاول التركيز فى نقاط محددة:
الخلفية الاجتماعية
خالد محمد أمين محيى فؤاد عامر سيد أحمد عطا الله.. هو ابن أسرة محيى الدين أحد أسر أثرياء الريف، فبالرغم من أن الجد محيى الدين كان يمتلك ١٥٠٠ فدان إلا أنه لم يعرف عن تلك الأسرة أنها عاملت الفلاحين الأجراء الذين يعملون فى أراضيهم معاملة العبيد كالأسر الإقطاعية.
وقد تربى خالد محيى الدين على الصوفية فى تكية جده لأمه الذى كان شيخًا للطريقة النقشبندية والتى تربى أبناؤها على الزهد ومحبة الآخرين والتضحية من أجلهم وشدة العبادة وتربية النفس والسمو بها حيث كان يقيم هناك مع أمه أثناء الدراسة.
وكان يحضر إلى قريته كفر شكر التى تحولت إلى مدينة فى ٢١ مايو ١٩٧٠ ليقيم بالسرايا التى يقيم فيها والده وهى ملاصقة للتختبوش (مضيفة آل محيى الدين) فكان يلعب الكرة الشراب مع أبناء الفلاحين فتلاشت الطبقية.
كان والده يساعد المحتاجين بشكل منتظم وفق كشوف لديه وبعد وفاته طالبه إخوته بأن يستمر على ما كان والده يفعله، فكان يفعل ذلك ليس من باب الصدقة ولكن من باب الواجب.
الخلفية السياسية
سمع خالد محيى الدين لأول مرة عن الديموقراطية والدستور والانتخابات الحرة وتداول السلطة سلميًا من خاله العائد من دراسة الماجستير فى الاقتصاد من باريس وهو فى التاسعة من عمره.
التحق بمدرسة فؤاد الأول واندمج فى المناخ السياسى المتفجر عام ١٩٣٥ وشارك بالفعل فى المظاهرات خاصةً مع زيادة الجدل حول معاهدة ١٩٣٦ وسيطرت عليه المشاعر الوطنية.
اتخذت وطنية خالد محيى الدين طريقا آخر غير المظاهرات منذ التحاقه بالكلية الحربية عام ١٩٣٨ فامتزجت روحه الوطنية بالروح الثورية.
تخرج فى الكلية الحربية عام ١٩٤٠ والتحق بسلاح الفرسان ثم حدثت واقعة مصادرة الانجليز لدباباتهم لتعويض خسائرهم أمام الألمان فى الحرب العالمية الثانية مما ترك لديه إحساسًا بالمرارة والمهانة، وزاد من ذلك وجود ضباط أجانب فى الجيش المصرى يتعاملون بتعالٍ مع أقرانهم المصريين ويتقاضون مرتبات عالية جدًا بالمقارنة بالضباط المصريين.
حاصر الإنجليز قصر الملك بالدبابات فى ٤ فبراير ١٩٤٢ لإجباره على تعيين النحاس باشا رئيسًا للوزراء عن حزب الوفد، فحول ذلك الإحساس الوطنى إلى غضب دافق أوصله إلى قناعة مفادها ضرورة العمل من موقعه كضابط فى عمل سياسى من أجل تحرير مصر من سيطرة الاستعمار.
لم يندمج فى الحركة الشيوعية التى كانت تعانى من الانقسامات برغم تجنيده من قبل سيد الصحن لتنظيم إسكرا وقد ارتأى خالد أن الصحن نموذج سيئ لليسارى، ولكنه تأثر كثيرًا بالقراءة والتثقيف الذاتى وتأثر كثيرًا بأفكار المستشار أحمد فؤاد وخالد فوزى.
تعرف على جمال عبد الناصر لأول مرة عام ١٩٤٦ أثناء مباراة فى الملاكمة بين الجيش المصرى والجيش الإنجليزى فى ثكنات قصر النيل.
أنشأ مع عبد الناصر الخلية الأولى لتنظيم الضباط الأحرار عام ١٩٤٩، وأبلغ جمال عبد الناصر جميع الضباط الأحرار بأنه لايمانع من استمرار من يعمل منهم من خلال تنظيم سرى آخر فى هذا التنظيم شريطة أن يكون الولاء الأول لتنظيم الضباط الأحرار وعدم تغليب مصلحة تنظيمهم الخاص على مصلحة تنظيم الضباط الأحرار وعدم إبلاغهم بأسرار تنظيم الضباط الأحرار.
مفهوم اليسار لدى خالد محيى الدين
[الله سبحانه وتعالى خلق القلب جهة اليسار].. خالد محيى الدين زعامة وطنية تحظى بالتوافق الوطنى مسالم وغير متآمر.. لا يفوت أى فرصة للاشتباك مع الواقع رغم أن المجال العام مغلق واللعبة السياسية تتركز فى يد الدولة، نزيه لا يعرف الفساد طريقًا إليه، أوجد حركة ثقافية فى منظمة سياسية حزبية فى ظل تجريف الثقافة حيث كان يرى أن اليسار هو الوجه المضيئ للثقافة ويرى أن اليسار ناقد بطبعه ينزع للمثالية وينظر للأمام ويقدم الحلول والبدائل الممكنة، وكان دومًا مع وحدة اليسار رغم اختلافه وتناحره وكان مؤمنًا بأن اليسار سيظل باقيًا يتطور طالما بقيت هناك حاجة إنسانية للعدل الاجتماعى.
أفكاره واختياراته الأساسية
ساهم خالد محيى الدين بأساليب متعددة فى تشكيل تاريخ مصر، وهو صوفى بطبعه والصوفية جعلته ينزع ناحية الفقراء ومن ثم النزوع نحو الاشتراكية التى انتمى اليها دون التزام أيديولوجى حيث نجح مشروعه فى تجاوز النصوص الايديولوجية مما نقلها لمجال أرحب متمثلة فى اليسار الاجتماعى، وجعلته يدرك جيدا أن الدين مكون رئيسى لثقافة هذه الأمة ومعاداته مهلكة ولابد من أخذه بالأهمية الواجبة، وكان يتسم بالدرجة القصوى من البراءة ولم تكن قضية السلطة فى ذهنه وكان مخلصًا لأفكاره وفى أزمة مارس ١٩٥٤ كان موقفه أصيلًا دون أن يكون طرفًا فى المؤامرة، وكان هو الوحيد الذى تصالح معه جمال عبد الناصر من أعضاء مجلس قيادة الثورة لأنه لم يشترك فى أى مؤامرة وكان طيب القلب، ويمكن رصد أفكاره واختيارات الرئيسية فى الآتى:
قناعاته الديمقراطية وانحيازاته الاشتراكية
كان خالد الديموقراطى الوحيد خارج زمانه فى لحظة لم يكن على الديموقراطية طلب كبير ولم يكن لها أنصار بين الضباط الأحرار، حتى داخل عائلته وعائلة زوجته.. كان أيضًا هو الوحيد فى طرحه الديموقراطية وهو ما ينقصنا حتى الآن ومازلنا نبحث عن تحقيق المبدأ السادس لثورة يوليو بينما كان يرى خالد محيى الدين أن الديموقراطية هى المجال الأوسع لدعم الفكرة الاشتراكية والديموقراطية فهما جناحا تطور الاشتراكية ومستقبلها الزاهر، وكان أول رئيس لكيان سياسى فى مصر يتخلى طواعية عن موقعه كرئيس لحزب التجمع بموجب المادة ٨ من اللائحة الداخلية للحزب والتى دعا لمؤتمر طارئ لإقرارها.
حكى أمامى الكاتب الصحفى الراحل نبيل زكى المتحدث الرسمى بإسم حزب التجمع: عندما تولى خالد محيى الدين رئاسة دار أخبار اليوم تجمعنا نحن الصحفيين اليساريين وصعدنا لمكتبه وطلبنا منه أن لايسمح للصحفيين اليمينيين بالكتابة فى الجريدة وأن يكتفى بالكتاب اليساريين، فرد خالد محيى الدين على الفور قائلًا: هل كنتم ستقبلون إذا تولى رئاسة أخبار اليوم يمينى ويمنعكم من الكتابة؟.. فقلنا: لا.. فقال: فكيف بكم تطلبون منى ذلك؟!.. ورفض طلبنا.
اشتراكى بمرجعية ماركسية.. متمسك بقيم دينه، وكان مقتنعًا بأن فكرة جمال عبد الناصر بخصوص تحالف قوى الشعب العامل فكرة عبقرية لأنها تسلم بفكرة التناقضات لكنها تضعها فى إطار محكم أى ضبط الصراع الطبقى، ومن ثم استلهم منها فكرة حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى الذى ضم ماركسيين وناصريين وليبراليين وقوميين وتيار دينى مستنير تحت رئاسة شخصية وطنية اشتراكية لخالد محيى الدين.
نجح فى خلق الشخصية التجمعية رغم التنوع الفكرى لأعضاء التجمع فالماركسى والناصرى.. إلخ داخل التجمع يختلف عن نظرائه خارج التجمع حيث يجمعنا البرنامج السياسى وتحكم اللائحة أداءنا جميعًا وهى وثائق تم إقرارها بأسلوب ديموقراطى.
كان شخصية جبهوية توافقية وضد التحزب ومع الالتزام الحزبى فكانت المناقشة حق للجميع والقرار للأغلبية والالتزام من الجميع وكان ماهرًا فى صياغة القرار الحزبى الديموقراطى ليجد الجميع أغلبية وأقلية أنفسهم داخل القرار الحزبى، لذا قال عنه الكاتب الصحفى لطفى الخولى لو لم يوجد خالد محيى الدين لأوجدنا خالد محيى الدين.
نزوعه للسلام كان واضحًا فقد كان نائبًا لرئيس مجلس السلام العالمى ورئيس اللجنة المصرية للسلام ونزع السلاح، ورفض حزب التجمع لاتفاقيات السلام مع إسرائيل لايعد خروجًا عن نزوعه للسلام لأنها كانت اتفاقيات تفريطية، ورفض نعت السادات بالخائن قائلًا أنه لايوجد بين ضباط يوليو من هو خائن واكتفى بوصفه بالمفرط.
كان موضوعيًا ولم يخرجه أى خلاف سياسى عن إطار الموضوعية فلم يكن يرى الخلاف فى الرأى عداء بين خصوم، فاكتسب التقدير الدائم من الجميع من اتفقوا معه ومن اختلفوا معه.. لم يهاجم بلا سند ولم يكن ينتقد من أجل الهدم فكان يكشف السلبيات ويرصد الإيجابيات ويقدم البدائل وكان يغسل كلامه بالماء والصابون قبل أن ينطق به.
تمسك بروحه الثورية دائمًا، وكمثال عندما عدلت الحكومة تقسيم دائرة كفر شكر الانتخابية واستبعدت منها القرى الكبيرة الأكثر تأييدًا لخالد محيى الدين وأتوا بدلًا منها بقرى يسيطر عليها الحزب الوطنى لمحاولة إسقاطه انتخابيًا، وكنا فى زيارة لأول مرة لقرية كفر الشموت مركز بنها وحشد الحزب الوطنى أنصاره لمنع الزيارة ونجحوا فى ذلك.. وعندما عدنا إلى كفر شكر قال لى الأستاذ خالد: "ياكامل لما نكون رايحين لزيارة قرية زى اللى اتمنعنا من زيارتها اليوم، لاتجعلوا كبار السن يركبون معى فى سيارتى لأنهم بمجرد أن رأوا الحشود وعصيانهم قالوا نرجع وأصروا ملحين على بالرجوع حتى رجعنا، أنا عاوز تركبوا معايا الشباب علشان أكيد هيقولوا لازم ندخل ولازم نقتحم"، وطبقنا ما قاله فى قرية أخرى أكبر وجديدة وهى نقباس مركز بنها وكانت الحشود أضخم لمنعنا ولكن الشباب فى سيارة الأستاذ خالد ومن كانوا ينتظرونه أصروا على الدخول وأحاطه الشباب حماية له من كل صوب ودخلنا فعلًا، وحصلنا على ٦٠٪ من أصوات تلك القرية الملاصقة لقرية المرشح المنافس فى تلك الانتخابات.
أمين حزب التجمع بالقليوبية