الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

محمود حامد يكتب: باقٍ مهما طال الرحيل..خالد محيى الدين.. مسيرة ذاخرة بالأحداث التاريخية على المستويين المحلى والدولى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

معارض وطنى عاشق للوطن:

  • عقد صفقة السلاح من الكتلة الشرقية فى مواجهة محاولات أمريكا رغم نفيه اختياريًا خارج مصر
  • كان وراء عودة العلاقات المصرية مع ليبيا القذافى  بعد سنوات التوتر فى عهد السادات
  • نجج فى مؤتمر للأمم المتحدة فى القاهرة   «من أجل شرق أوسط.. خالٍ من أسلحة الدمار الشامل»  وكان له صداه الواسع
  • بين خالد محيى الدين ود.رفعت السعيد تاريخ طويل من العمل الوطني المشترك

 

 

 

ماذا أكتب؟ وكيف أكتب؟.. الذاكرة تمتلىء بالكثير من المواقف، والقلب أبدًا لن ينسى زعيمه الذى تعلم منه الكثير، والعقل أيضًا يختزن العديد من الدروس التى تعلمها من خالد محيى الدين.

الناس قد تعرف عنه بعضًا من دوره السياسى والوطنى كواحد من ألمع الضباط الأحرار وكعضو بمجلس قيادة الثورة وكمؤسس لحزب التجمع، لكن كثيرين لا يعرفون الوجه الإنسانى للزعيم خالد محيى الدين، ولا يدركون تفاصيل رحلته فى الحياة الزاخرة بالأحداث التاريخية على المستويين المحلى والدولى.

انتصاره للديمقراطية بلا حدود ودفع ثمن ذلك مبكرًا عندما اختلف مع مجلس قيادة الثورة، ودعا إلى عودة الضباط إلى ثكناتهم وإجراء انتخابات حرة نزيهة من أجل إرساء قواعد حكم ديمقراطي.

انحيازه للغالبية من الشعب المصرى، دفعه إلى تأسيس حزب التجمع، فكان أول حزب علنى لليسار المصرى وأبدع من خلاله صيغة جديدة استطاعت أن تأتلف تحت عباءتها أطياف مختلفة من الماركسيين والناصريين والقوميين وغيرهم من الاتجاهات اليسارية، عملوا جميعًا جنبًا إلى جنب وقدموا سلوكًا راقيًا للعمل السياسى والحزبى تحت قيادة الزعيم بـ"نَفَسه" الهادىء وبأسلوبه المجمع ورقيه فى التعامل مع البشر وحكمته فى مواجهة الصعاب.

إيمانه بالديمقراطية ظل كاليقين عنده، حتى أنه قرر أن يتخلى طواعيةً عن رئاسة حزب التجمع وأصر على ذلك فى مواجهة كثيرين طالبوه بالاستمرار، بل أصر ألا تزيد مدة أى رئيس للحزب على فترتين بحد أقصى أربع سنوات لكلٍ منهما، فكان أول من قدم نموذجًا راقيًا على المستويين الرسمى والشعبى فى مصر.. وإذا مددنا الخيط على استقامته، فقد رسخ خالد محيى الدين قيمة الحوار والاختلاف من أجل مصلحة الحزب والوطن، فكان صاحب فكرة نشرة "دائرة الحوار الحزبى".. والتى تشكلت من مجلس تحرير يضم كل التيارات المكونة للحزب، وكانت مجالًا لصراع الأفكار بأسلوب يقوم على احترام كل الآراء.. لقد فعل كل ما يستطيع ليكرس لكل ما آمن به من قيم ديمقراطية رحبة ومتسعة لكل الأفكار.. وتعلمنا من خلال تلك النشرة كيف نختلف ويظل الاحترام بيننا قائمًا وعظيمًا.

الوطن أولًا

اختلف مع عبد الناصر ورفاقه لكنه لم يكره وطنه فى أية لحظة.. ونعلم جميعًا أن محيى الدين اختلف مع ناصر فيما عُرِف بأزمة مارس، وقرر ناصر يومها نفيه خارج البلاد. ولعمق العلاقة بينهما، التقى الاثنان وطلب محيى الدين أن يذهب إلى فرنسا، إلا أن ناصر قال له: «فرنسا فيها نشاط يسارى كبير وأقترح عليك أن تذهب إلى بلد هادىء» فاختار خالد محيى الدين النفى إلى سويسرا.. ورغم نفيه اختياريًا فقد كان هو مهندس صفقة كسر احتكار السلاح وأجرى باسم مصر، وبطلب من عبد الناصر، مفاوضات الحصول على السلاح من الكتلة الشرقية، ونجح فى تحقيق الهدف فى مواجهة محاولات أمريكا لحصار مصر.

 وما لا يعلمه كثيرون، أن مبارك عندما جاء للحكم عقب اغتيال السادات، لم يجد غير  المعارض الوطنى خالد محيى الدين ليعيد المياه إلى مجاريها مع ليبيا القذافى والتى كانت متوترة للغاية بين البلدين، ويومها طلب خالد محيى الدين أن يحاط علمًا بتفاصيل الخلاف الذى لا يعلم عنه سوى ما تنشره الصحف، فقرر مبارك أن يرسل كل ما يتعلق بملف ليبيا إلى خالد محيى الدين.. وبعد ذلك بأيام، توجه د. أسامة الباز المستشار السياسى للرئيس آنذاك إلى منزل خالد محيى الدين للرد على أى استفسار منه أو شرح ما قد يكون غامضًا.. ثم توجه خالد محيى الدين فى زيارة لم يعلن عنها إلى طرابلس، والتقى القذافى الذى اعتبر مجرد توجه خالد محيى الدين إليه شرفًا له وكافيًا لعودة العلاقات، وكان هذا أول لقاء يجمع بينهما.. سألته عن انطباعه حول اللقاء، فقال لى: (بمجرد أن استقبلنى، أدى التحية العسكرية ليذكرنى بأيام زمان، ثم قال لى حضورك شرف لنا ويكفى لعودة العلاقات مع مصر الغالية، ودار بيننا حوار طويل، خرجت منه بانطباع أن القذافى مهموم بالفعل بقضايا الوطن العربى لكنه يحتاج إلى مستشارين يضبطون الأداء).. وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء سنوات، سوف نتذكر ذلك اللقاء الشهير بين القذافى ومبارك على الحدود المصرية الليبية.. وهذا دليل آخر على وطنية المعارض خالد محيى الدين وسعيه دائمًا لما فيه صالح الوطن مهما كانت درجة الخلاف مع الحكم.

وبالمناسبة وللتاريخ، من المهم أن نؤكد أن القذافى حاول أكثر من مرة أن يلتقى خالد محيى الدين أثناء حكم السادات، لكن الزعيم رفض بشدة وأكد لرسل القذافى: «أنا أعارض السادات هنا فى مصر علنًا لكنى لا يمكن أن ألتقى المختلفين معه من زعماء العالم فى أى مكان».. قال لى الزعيم: "أحد قيادات منظمة عربية تابعة للجامعة العربية (لا داعى لذكر اسمه وهو الآن بين رحاب الله) كان يطاردنى كلما التقى بى فى أى مؤتمر دولى، وعندما رفضت عرضه، استفزنى أكثر وقال لى (يمكن أن يتم اللقاء سرًا فى إيطاليا أو فى مالطة) مما أخرجنى عن هدوئى وحسمت معه الأمر بقولى محتدًا: "كف عن حديثك.. معارضتى للسادات لا تعنى التآمر عليه فى لقاء سرى خارج حدود الوطن".

  لم يقتصر دوره على الشأن المحلى والعربى فقط، فهو واحد من قادة حركة التحرر الوطنى فى العالم بحكم كونه أحد مؤسسى مجلس السلام العالمى وكان نائب رئيس المجلس وأحد مستشارى الأمين العام للأمم المتحدة وشارك فى مؤتمرات دولية عديدة من أجل السلام القائم على الحق ومن أجل تطهير العالم من أسلحة الدمار الشامل، وبحكم منصبه الدولى، وتقديرًا لمكانة مصر، استطاع أن يعقد مؤتمرًا بالقاهرة تحت إشراف الأمم المتحدة، وتحت شعار «من أجل شرق أوسط.. خالٍ من أسلحة الدمار الشامل»، وشارك فيه كثيرون جاءوا من قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا، يتقدمهم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وكان للمؤتمر صداه الواسع فى الصحافة المصرية والعربية والعالمية، ونالنى شرف اختياره لى أمينًا للمؤتمر.. لقد كانت مصر الوطن الشغل الشاغل لزعيمنا، فلم يتقوقع فى خندق المعارضة وسعى دائمًا للدفاع عن القضية الوطنية فى كل المحافل الدولية، وما كان ذلك المؤتمر الذى شهدته القاهرة سوى نموذج على منهج خالد محيى الدين.. فقد شارك فى المؤتمر أيضًا ممثلون بصفة رسمية عن وزارة الخارجية المصرية وخبراء من وزارة الدفاع أيضاَ.

التقى خالد محيى الدين زعماء كثيرين من بينهم جيفارا وكاسترو وياسر عرفات الذى كان يحرص عند زيارته للقاهرة أن يلتقى به سواء فى منزله بالزمالك أو وسط قيادات التجمع فى شارع كريم الدولة.

تعلمنا منه الكثير وكان رمزًا لكل جميل فى هذا العالم، وللأستاذ خالد محيى الدين، فضل على شخصى لا يمكن أن أنساه ما حييت.. فمن حقى أن أفتخر دومًا أن الزعيم اختارنى «الممثل الشخصى» له بصفته نائب رئيس مجلس السلام العالمى ورئيس اللجنة المصرية للسلام، للسفر إلى الاتحاد السوفيتى السابق، وقد كنت أتوقع أن يقرر سفر الدكتور رفعت السعيد ساعده الأيمن فى فعاليات اللجنة المصرية للسلام والذى عمل لفترة ضمن طاقم مجلس السلام العالمى فى هلسنكى، ولكن اختياره لى وضعنى على عتبة الإحساس بالمسئولية أمام العالم كله، فقد كانت المهمة التى كلفنى بها هى حضور الاحتفال الذى أقيم بجمهورية كازاخستان بتفجير أول رأس نووية بناء على اتفاقية ريجان/ جورباتشوف، أو معاهدة الحد من الصواريخ النووية متوسطة المدى (آي إن إف)، التي وقعها في ديسمبر 1987 الرئيس الأمريكي رونالد ريجان والرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، ووصفها العالم كالمعتاد بالمعاهدة «التاريخية»، وقد تم التفجير [تحت الأرض بالطبع ووفق احتياطات شديدة] فى قرية سارى آزاك بجمهورية كازاخستان.. وجرى احتفال فى مساء اليوم نفسه بحضور الوفد العالمى [33 شخصية من أنحاء العالم وقد كنتُ العربى الوحيد فى الحفل] وألقيت كلمات من بعض الحاضرين وشرفت بأن ألقى كلمة باسم المنطقة العربية.. وحسبما تعلمت من خالد محيى الدين، أكدتُ فيها على ضرورة جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وإلزام دول المنطقة بقبول التفتيش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. وأتذكر العديد من الحوارات الجانبية التى دارت مع عدد من المشاركين حول قضايا منطقتنا العربية.. وكان حدثًا تناولته الصحافة العالمية تفصيلًا آنذاك، لكن ما لفت نظرى أن معظم المشاركين من أنحاء العالم كانوا يسألوننى عن خالد محيى الدين ويسهبون فى الحديث عنه بحبٍ جارف يؤكد صدق مشاعرهم، ذلك أن أهل الغرب لا يعرفون المجاملة فى أحاديثهم، ومازلتً أتذكر ما قاله لى المندوب البلجيكى: أنا لا أعرف عن مصر سوى الأهرامات وأم كلثوم وخالد محيى الدين ذلك الرجل الذى يقنعك بوجهة نظره بكلمات بسيطة ودون تعقيد. 

خالد محيى الدين أكبر من اختزاله فى عدة سطور هنا، وتاريخه يشرفه ويستحق أن تتعرف عليه الأجيال المتعاقبة.. محبوب إلى أقصى درجة وسط أهالى كفر شكر الذين اختاروه نائبًا لهم بالبرلمان لسنوات طويلة.. محبوب من كبار أهل النوبة منذ أن كان رئيس لجنة الخدمات بمجلس الأمة التى تولت مناقشة مشكلات قرى النوبة.. محبوب وسط عارفى فضله من الكتاب والصحفيين منذ أن أسس جريدة «المساء» وقدم من خلالها العديد من الأسماء التى أصبحت لامعة فيما بعد فى سماء الصحافة والأدب.. محبوب من العمال والموظفين الذين عملوا معه.. وما زلت أتذكر «عم محمد» أحد السعاة الذين خصصتهم له الرئاسة بحكم وضعيته فى الثورة.. كان يتعامل معه كصديق وليس عاملًا لديه.. كان إذا أتى عم محمد يترك خالد محيى الدين مكتبه ويجلس بجواره يدردش معه ويسأله عن أحواله قبل أن يطلب منه ما يريد.. لم أشاهده أبدًا ينهره أو يرفع صوته وهو يحدثه كما يفعل بهوات هذا الزمان. كان الحنان كله مع كل الذين يعملون معه كسلوك أصيل فى طبعه المحترم وتربيته الراقية.

كان لى شرف إجراء عدة حوارات صحفية معه، سواء فى مكتبه أو فى منزله أو أثناء وجوده بالساحل الشمالى أو حتى فى القطار أثناء التوجه لمحافظات بعيدة.. وعرفت منه الكثير من تفاصيل أحداث جسام مرت بمصر، كما كان لى شرف السفر معه لمعظم مدن مصر قبلى وبحرى، وقال لى ذات مرة: (لما نعمل أى لقاء، ركز على كلام الناس  مش على كلامى.. يهمنى أن المسئول أو المحافظ يعرف الناس عايزه إيه).. لقد تعلمت منه الكثير كإنسان متواضع بشكل يفوق الوصف قبل أن يكون زعيمًا بحق، وأتمنى أن أتمكن من إعداد كتيب عنه، تقديرًا واعتزازًا لزعيم حقيقى دون ادعاء أو تعالٍ أو منظرة، فسوف يظل خالد محيى رمزًا للإنسانية الحقة بتاريخه وبالتقاليد التى حرص عليها وبالمبادئ التى تعلمناها منه جيلًا وراء جيل.

والشىء بالشيء يُذكر، فمن تصاريف القدر، مثلما جمع بين خالد محيى الدين ود.رفعت السعيد تاريخ طويل من العمل المشترك، فقد جمع بينهما أيضًا يوم ١٧ أغسطس، الذى يوافق هذا العام مرور 101عام على ميلاد الفارس خالد محيى الدين، و6 سنوات على رحيل القائد والمعلم الدكتور رفعت السعيد.

كان بينهما حالة تفوق الوصف، عبر علاقة بدأت ونمت على مر الزمان بين الزعيم وتلميذه النجيب.. كان لكلٍ من التوافق الفكرى والارتياح النفسى والاحترام المتبادل والثقة غير المحدودة فيما بينهما، «مفعول السحر» الذى رسخ كل معانى الالتقاء الروحى فى علاقة قوية ومتينة ومبهرة كسبائك الذهب اللامع حتى آخر لحظة فى الحياة.

كانت كيمياء العلاقات الإنسانية فى أبهى صورها بشكل مذهل يفوق أى محاولة لوصف تلك العلاقة، ولم نشهد طوال فترة التجمع، أى خلاف بينهما عند مناقشة أى قضية من قضايا العمل السياسى أو الحزبى.. كان كلاهما يكمل بعضهما فتستمع إلى خالد محيى الدين يتحدث فى الاجتماع ليقنع الحاضرين بفكرةٍ ما، ويلتقط الخيط رفعت السعيد ويكمل، فتشعر بأن خالد محيى الدين ما زال يتكلم.

وبكل اليقين، فإن عمق هذه العلاقة ساهم بدرجة كبيرة فى عبور التجمع أزمات عديدة، سواء على المستوى التنظيمى الداخلى أو على مستوى المواقف السياسية، وجعلت سفينة أول حزب علنى لليسار المصرى تصل دائمًا إلى بر الأمان رغم كثيرٍ من الأمواج المتلاطمة التى واجهت تلك الصيغة الجديدة.

وقد يتعجب البعض من هذا التوصيف، عندما يعرفون شخصية خالد محيى الدين الهادئة وشخصية رفعت السعيد الهادرة، لكننا ما كنا نرى سوى التوافق التام بينهما، وكان التلميذ خارج الاجتماعات ينصت باهتمام للزعيم ويتناقش معه بهدوء غير معتاد، لتتأكد فى النهاية أن الاتفاق الفكرى بينهما حائط صد يحمى العلاقة من أى تصدع مهما كان بسيطًا.

 أدين لهما بالكثير الذى تعلمته منهما والدروس التى لا يمكن أن أنساها، والثقة التى منحاها لى فى العديد من المواقف.. ويظل أول لقاء مع رفعت السعيد محفورًا فى الذاكرة على مر الزمان، فقد توجهت فى أبريل عام ١٩٧٦ لمقابلته، دون موعد مسبق، في مكتبه بجريدة «الأهرام» لطلب الانضمام لحزب التجمع، جلست أمامه شابًا حديث التخرج دون أن أنطق بكلمة، بينما كانت يده اليمنى تمتد لتفتح درجًا من أدراج مكتبه وتخرج محملة بكمٍ من الرسائل محفوظة داخل الأظرف الخاصة بها.. يضعها على سطح المكتب قائلًا: «فاكرك.. دى جواباتك اللى كنت بتبعتها لـ(الطليعة)».

وحتى هذه اللحظة، ورغم مرور أكثر من 47 عامًا على اللقاء الأول، فإننى لا أعرف السر وراء اختيارى «رفعت السعيد» من بين أسرة تحرير «الطليعة» كى أبعث إليه برسائلى، وقد استمرت معرفتى به وتوطدت العلاقة أكثر وأكثر على مدى كل هذه السنوات.. اختلفنا واتفقنا، تعاركنا كثيرًا، لكنه كان دائمًا السباق إلى التسامح والسمو عن الصغائر والحرص على الاحتواء كأى أب حريص على أبنائه مهما بلغ بهم الشطط، وفي كتابه «مجرد ذكريات»، نالنى شرف كتابته عنى عندما سرد حكايات من دفتر حزب التجمع.

سلامًا على روح كلٍ منكما وسلامًا على الصابرين.

 

هامش على المتن

 

هناك أخطاء يتكرر بعضها فى مناسبات عديدة تتعلق بالزعيم خالد محيى الدين، حتى ظنها الناس «حقيقة» وهى ليست كذلك.. وعلى سبيل المثال نذكر بعضها سريعًا:

  • حكاية الصاغ الأحمر.. هذا الوصف يطلقه كثيرون على خالد محيى الدين حتى أن إحدى الصحف ذكرت فى عام سابق، أن عبد الناصر أطلق عليه لقب «الصاغ الأحمر».. الحقيقة تقول: بعد نفى خالد محيى الدين إلى سويسرا، أراد أنور السادات أن يتقرب أكثر لعبد الناصر وأن يزيد الوقيعة بين ناصر وخالد، فقرر أن يكتب سلسلة مقالات فى «الجمهورية»، يهاجم فيها خالد محيى الدين وبدأها بمقال تحت عنوان «الصاغ الأحمر»، فغضب عبد الناصر واتصل بالسادات ونهره بشدة وأمره بوقف سلسلة المقالات التى كان ينوى كتابتها.. (قال لى خالد محيى الدين إنه بمجرد علمه بالمقال من خلال السفارة المصرية هناك، اتصل بجمال عبد الناصر من سويسرا يحتج على مقال أنور السادات.. لم يستوعب السادات عمق العلاقة الشخصية رغم الخلاف السياسى).
  • حكاية الاعتزال الوهمى.. لا أدرى، كيف يردد كثيرون مقولة اعتزال خالد محيى الدين للسياسة والعمل الحزبى؟.. رددها أحدهم فأصبح البعض يلوكها دون تمحيص أو تأكد أو بحث حقيقى.. الحقيقة الناصعة تقول: خالد محيى الدين أصر على تطبيق المادة 8 من لائحة الحزب التى تنص على عدم تولى المنصب القيادى لأكثر من دورتين متتاليتين، وقدم مثلًا حيًا للجميع (فى الأحزاب وفى السلطة) لتداول المواقع القيادية.. فهل يعنى ذلك أنه «اعتزل»؟.. كان خالد محيى الدين يأتى يوميًا إلى مكتبه ويمارس دوره ويحضر اجتماعات الحزب ويطلب الكلمة كأى عضو وهو القائد والمؤسس.. ولم يبخل على الحزب بأى نصيحة، إلى أن أقعده المرض وليس «الاعتزال» الذى اخترعه البعض وصدقه آخرون.