"باو آن".. قرية صغيرة فقيرة في مقاطعة جواندونج جنوب الصين، تحولت لمدينة "شين زين" أو "شنجن" مساحتها لم تكن تزيد عن 3 كيلومترات تبعد عدة كيلومترات فقط من هونج كونج .. كانت حرفة أهلها الأصلية هي الزراعة والصيد قبل عام 1979 كانت تعانى من التخلف الاقتصادي ولم يكن عدد سكانها يزيد عن 30 ألف نسمة يعانون من الفقر والجهل وتدنى مستويات المعيشة ما دفع الكثير منهم للهرب عبر البحر الفاصل بينها وبين هونج كونج المجاورة للبحث عن فرص أفضل وبالطبع لم يكن بالمدينة لا خدمات ولا مرافق ولا بنية تحتية أساسية من كهرباء ومياه وصرف صحي.
وفى عام 1980، بدأت المعجزة عندما وضعت الحكومة والحزب الحاكم خطة لانفتاح الصين على العالم وإقرار استراتيجية "المناطق الاقتصادية الخاصة" وتم تدشين 6 مناطق اقتصادية خاصة، كانت "شين زين " أول منطقة وبدأت الشركات المحلية والاجنبية تمارس بها العمل والاستثمار وفق إجراءات وقوانين خاصة، بعيدا عن الروتين والتعقيدات البيروقراطية فى باقى أقاليم الصين، دون الرجوع الى الحكومة المركزية في بكين الا فى الضرورة القصوى، وبدأت المدينة الصغيرة تنفتح علي على العالم وتستفيد من التجارب الأخرى ما دفع بها الي رحاب جديدة وبدأت تتدفق جذب الاستثمارات والخبرات الاجنبية عليها وتحققت معدلات نمو كبيرة قادت الى رفع مستويات المعيشة لدى الأهالي.
وفي عام 1980 قررت الحكومة جذب استثمارات أجنبية لـ "شين زين" واقناع رجال الأعمال لضخ أموالهم فى صناعات جديدة فى المنطقة للتصدير فقط وأن تكون الضرائب ضعيفة جدا وإعفاء الكثير من الشركات والمنتجات من الضرائب وكذلك إعفاء الشركات العاملة فى الميناء لمدة تزيد عن 15 عاما من الضرائب وكذلك تعفى السلع المنتجة فيها وكذلك مستلزمات الإنتاج من الجمارك ويحصل المستثمرون الأجانب والشركات الأجنبية على حق استغلال الأرض لمدد طويلة بإيجار رمزى وتحويل العملة والأرباح للشركات العاملة فى المنطقة دون خوف وكذلك يمكن للشركات الأجنبية الحصول على العملات الصعبة من مركز "شين زين" للنقد الأجنبى كما يحق للشركات الأجنبية ترتيب وسائل التصدير بمعرفتها ويسمح للمشروعات المشتركة أن تبيع جزءا من منتجاتها فى السوق المحلى ووفر ميناء "شين زين" وثيقة مرور خاصة لكل المستثمرين الأجانب والزائرين لتيسير الدخول و الخروج في أي وقت.
واستثمر الصينيون والأجانب أموالا هائلة في المدينة بلغت 30 مليار دولار، ذهب معظمها في البداية إلى التصنيع ثم إلي صناعة الخدمات .
وبهذا تهيأت كل عناصر النجاح لأول منطقة اقتصادية خاصة فى شين زين، وما هي إلا سنوات قليلة وبدأت البلدة الصغيرة الفقيرة تتغير ملامحها وبعد أن كان أهلها فلاحون وصيادون فقراء تحولوا الى عمال ومهندسين فى كبري الشركات والمصانع بالمدينة، واختفت البيوت القديمة المتهالكة وظهرت ناطحات السحاب والمطاعم الفاخرة وتوسعت حتي وصلت مساحتها إلى 1700 كيلومتر مربع، وارتفع عدد سكانها لأكثر من 12.59 مليون في عام 2021 وبعد ان كان أهلها يهاجرون الى هونج كونج وماكاو للبحث عن فرصة عمل أصبح الآخرين يأتون اليها للعمل والسكن، وبعد أن كان ناتجها المحلى لايتجاوز 190 مليون يوان فى عام 1979 أصبح 2.7 مليار يوان في 2021 .
وأصبحت "شنجن" هي المدينة الصينية الثالثة من حيث الناتج المحلي الإجمالي كونها المقر الرئيسي لعمالقة صناعة الهواتف والجيل الخامس من شبكة الاتصالات، والإنترنت وألعاب الفيديو، فضلا عن صناعات السيارات والسفن والشاحنات والاطارات، وبعد أن كانت مدينة فقيرة لايعرفها أحد أصبحت معقلا للتكنولوجيا شهرتها تجوب الافاق.
وأصبحت الأكثر نموا في العالم والمركز المالي لجنوب الصين، ومقر بورصة شنجن للأوراق المالية، ومقر العديد من شركات التكنولوجيا المتقدمة وحظيت بالترتيب التاسع عشر في نسخة عام 2016 من مؤشر المراكز المالية العالمية كما أنه اليوم أحد أكبر موانئ الحاويات في الصين.
وأصبحت المدينة تضم سلاسل الفنادق العالمية الفاخرة وتم تدشين جسر معلق فوق البحر يربطها بكل من هونج كونج وماكاو وتتصدر المركز الأول فى صادرات الصين الى العالم، وهناك نحو 4 ملايين شركة أجنبية تعمل فى المدينة من 90 دولة منها 60 شركة من الدول العربية ومصر.. وأصبحت مركزا كبيرا يجسد طموحات الصين في مجال التكنولوجيا، كما تحتوي على أكثر من 8 آلاف شركة الكترونيات وتجتذب المستثمرين الأجانب.. واليوم وبعد 43 سنة تحولت القرية لواحدة من أنجح 10 مدن حول العالم.
وخلال زيارتي لها ضمن وفد مصري، حدثتنا مديرة مكتب وزارة الخارجية الصينية في مدينة شنجن، تساوي ساي شيان، إن المدينة لا تزال شابة ومع ذلك فإنها تسطر قصة نجاح، فهي مدينة مزدهرة اقتصاديا، يساهم الناتج المحلي الإجمالي لها ثلث الاقتصاد الصيني، وإن سياسة الإصلاح التي تبناها الحزب الشيوعي الصيني في المدينة، كانت سببا في إحداث طفرة حقيقية حولت مسار المدينة بشكل كامل نحو النمو والتقدم.
وقالت إن المدينة تعد مدينة عالمية لديها صداقة مع عشرات المدن حول العالم في 70 دولة، على رأسها مدينة الأقصر في مصر، حيث تم إرسال العديد من معلمي اللغة الصينية في شنجن لتعليم الطلاب اللغة الصينية في الجامعات المصرية ويوجد بها رابع أكبر ميناء في العالم، كما تضم 4 ناطحات سحاب.
فيما أخبرنتا نائب مدير الشئون السيبرانية في مدينة شنجن، شانج شونج ليانج، إن مدينة شنجن هي أول منطقة اقتصادية خاصة في جمهورية الصين الشعبية، والبوابة الأولى لفتح اقتصاد البلاد على الاستثمارات الخارجية وأن شنجن تشتهر أيضا بصناعة زجاج النظارات حيث تنتج 50% من إنتاج الصين كما تشتهر بصناعة الذهب وتنتج 70% من إنتاج الصين.