يصادف علماء النفس في بعض الأحيان أمراضًا عصبيّة ينتج عنها أمور غريبة مدهشة لا يمكن تفسيرها، وتشبه هذه الأمور عناصر الظهورات الثلاثة: الرؤية والسمع والمعجزة. وقد اصطُلح على تسميتها بـ"حالات ما وراء النفس" Metapsychique
أيّ هي الحالات التي تفوق علم النفس: التخاطر Telepathie ، التنبّؤ وبسبب الغموض الذي يحيط هذه الحالات النفسيّة، ينقسم علماء النفس إلى فريقين: فريق يعتبرها أُمورًا خارجيّة من إنتاج ما هو في داخل الإنسان، وهي أكثر سموًّا وأرقى من العناصر التي ولَّدتها، وآخر يعتبرها صورة مشوَّهة لأمور سامية عليا، فهي تدنٍّ وانحطاط.
ومهما يكن الأمر، فإنّ القدّيس بولس وكثيرًا من علماء النفس يقسمون الإنسان إلى ثلاثة إلى ثلاثة مستويات:
1- المستوى الجسديّ Niveau Somatique.
2- المستوى النفسيّ Niveau Psychique أو الوسيط.
3- المستوى الروحيّ Pneumatique Niveau.
والحالة الماوراء نفسيّة تنتج في عمليّة الانتقال من مستوى إلى آخر، وهي عمومًا الانتقال من مستوى أدنى إلى مستوى أعلى. فعلاقة الإنسان مع الأشياء هي علاقة مزدوجة تتم بواسطة الحواس والفكر.
فالأذن تسمع وتصغي، والعين تنظر وترى. وحين يزور اثنان بناء أثريًا ويشاهدانه جملة وتفصيلاً، يمكن لأحد هما أن لا ينظر إلّا إلى مجموعة حجارة قديمة.
أمّا الآخر، فيرى عظمة الباني وجمال حسّه الهندسيّ. وحين يكون الفارق في الرؤية كبيرًا، أي حين يرى الواحد – أو يظنّ أنّه يرى – ما لا يشاهده جاره، يقول الجار إنّ هذه الرؤية هلوسة وجنون. وكذلك الأمر في باقي الحواسّ.
ومن وجهة النظر السريريّة، فإنّ ظواهر الإعاقة عند بعض الأشخاص، كالنرض العصبيّ أو الجنون، وهي في بعض الأحيان سبب لظواهر مدهشة وغريبة: رؤى وتنبُّؤ.... كأنّ المرض والهلوسة والجنون تقود هؤلاء إلى درجات عالية من الذكاء والإرادة والحب.
ولهذا قيل: «بين العبقرية والجنون شعرة واحدة». فالمجنون يرى في بعض الأحيان شخصًا أمامه فيتحدّث معه. أمّا الناس، وإذ يرونه وحيدًا، إنّه مجنون لأنّه يتحدّث مع نفسه.
فهناك العديد من الظهورات لم تعترف الكنيسة بمصداقية ما يقوله الرائي. هذه القرارات لا تؤخذ بسرعة. إنّها تؤخذ بعد سنين من التحقيقات مع أطباء ونفسانيّين ولاهوتيّين. وهناك العديد من الظهورات التي لا تزال التحقيقات جارية بخصوصها، مثل ظهورات ميديجورية في كرواتيا.
فالحكمة تقتضي الإصغاء لكمة الإنجيل التي تقول: «من سَمِعَ إِلَيكُم سَمِعَ إِليَّ. ومَن أَعرَضَ عَنكم أَعرَضَ عَنِّي، ومَن أَعرَضَ عَنِّي أعرَضَ عَنِ الَّذي أَرسَلَني» (لو 10: 16). الموقف الصحيح الذي علينا تبنيه أمام هذه الظهورات الغير معترف بها، هو موقف الطاعة والحذر، بتواضع وثقة بالكنيسة التي تتحدث من خلال الأسقف المحلي أو من خلال مجمع العقيدة والإيمان.
يقول البابا بندكتوس الخامس عشر (1914- 1922م) بهذا الخصوص: «الموافقة أو إقرار الإيمان الكاثوليكي لا يعود إلى الظهورات المُثبتة بهذه الطريقة. لا بل هذا أمر مستحيل. هذه الظهورات تتطلب بالأحرى موافقة إيمان إنساني يتطابق مع قواعد الحذر، التي يقدمها لنا كاحتمال وأهل للإيمان في روح تقوى».