الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مع  "توفيق الحكيم"  قبل نشر المقال الذى أحدث زلزالًا فكريًا فى تاريخ الأدب العربى"٣"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كنت منصتا باهتمام شديد أثناء استرسال المفكر الكبير الأستاذ "توفيق الحكيم" فى طرح أسئلتة التخيلية محاولا إخفاء نظرات دهشتى ومجتهدا فى إلغاء علامات الاستفهام من على  وجهى وممسكا بكل حروف كلماتى حتى لا تخرج منها كلمة رفض واحدة  لما يفكر فيه.

أن الاقتراب من مفكر كبير مثل الأستاذ توفيق الحكيم وهو كاتب موسوعي وأديب مبدع والاستماع اليه هو فى حد ذاته تجديد لخلايا تفكيري وأيقاظ لكل حواسي وأرتقاء برؤيتي ومعرفتي...كما انني  أدركت على الفور انها لحظه مخاض لميلاد فكرة ضخمة وهو  يدرك آثارها المتوقعه فى المجتمع  وخاصة فى الأوساط الدينية وغيرها...

كانت التساؤلات  تدور بقوه هائلة  بدون توقف..ما الذى  يريده هذا المفكر الموسوعى والأديب  المبدع من هذه الفكرة وهل يمكن أن ترى النور وتنشر؟ أم انها لحظات توهج فكرى ثم تنطفأ وكأنها ومضه كانت  لثواني معدودة ومضت.

مفكر متفرد يفكر بصوت عالى فى أن يتحدث مع الله ويحدثه ويريد أن يجد المبرر لنشر هذه الفكرة التى تؤرقة وتمسك بتلاليب تفكيره حتى يستطيع أن يتخلص منها.. كانت للحق  فوق كل تصوراتى  ولم ولن تطرأ على تفكيرى طوال حياتى ولو تخيلا كما قال لى..لقد اخافنى  هذا التخيل المخالف وخوفي مرجعه ما تعلمته طوال حياتى..تتخيل ان تكلم الله ويكلمك وتنشر هذا الخيال  وكأنك كما قال تعالى: "وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا".

هذا  فوق قدراتى الذهنية واقول الحق أن هذه الجرأه فى الفكر  كادت أن   تهزني هزا بعنف جارف..لكننى تذكرت فورا  روايته "عصفور من الشرق" تلك الرواية التى ألفها  فى عام ١٩٣٨م وتقوم أحداثها على الصدام بين الواقع والخيال ووفقا لما ورد عن كثير من الدراسين لهذه الرواية  فأن المفكر الكبير قد جسد فيها جزءًا من سيرته الذاتية".

فى بداية الرواية وصف المؤلف الأستاذ "توفيق الحكيم" بطلها محسن بانه شاب غريب الأطوار له تصرفات غريبة، لكنه متواضع وبسيط يحب السلام.. بدأ الرواية  يصف تصرفات -محسن- بطل الرواية  أثناء هطول الأمطار.. مطر غزير قد ألجأ الناس إلى مظلات المشارب والحوانيت، وإلى الحيطان وأفاريز البيوت ومداخل المترو، في ميدان (الكوميدي فرانسيز) في باريس.. محسن بطل الرواية هو  الآدمي الوحيد الذى  ثبت لهذا المطر  وجعل يسير الهوينى غير  حافل بشئ.. السائر الوحيد الذي لم يكن يشعر بالمطر المنهمر حوله لانه ظل مستغرقا في تأملاته الحالمة.. كان هذا الكائن الوحيد والمتوحد فتى نحيل الجسم..أسود الثياب على رأسه قبعة سوداء عريضة الإطار...في قمتها فجوة غائرة امتلأت بالمطر..  وفرغ  الفتى من تأمل نافورة المياه فغادرها   إلى جانب آخر من الميدان يقوم فيه تمثال الشاعر (دي موسيه) وهو يستوحي عروس الشعر...

وقف الفتى ينظر إليه وقد نقش على قاعدته: (لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم!)  ثم تطلع إلى وجه الشاعر فألفى قطرات المطر تتساقط من عينيه كالعبرات... فتحرك قلبه... ثم همس مرددا كالمخاطب لنفسه:

- لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم... نعم ألم عظيم!.

وهذه صورة حقيقة له  كمفكر يعيش متألما لفكرة  قديمه ومتجددة من أجل أن يكون مفكرا عظيما.

أثناء  حديثه معى كنت أردد بينى وبين نفسى هل فكرة الحديث مع الله التى أصبحت تشغل باله ستجعله  مفكرا عظيما أم ستفتح عليه نيران مكثفة وتجعل  الأرض  تهتز من تحته بل وتصيبه بآلام مبرحة  خاصة فى ظل وجود "إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي" آنذاك والذى وصلت  أحاديثه وتفسيره المُبسط لآيات القرآن  إلى قلوب ملايين المسلمين فى مصر وغيرها من بلدان الوطن العربى وأيضا فى وجود  علماء الأزهر الشريف الذين سيرفضون بقوه  فكرته..

فى الأول من شهر مارس عام  ألف وتسعة مائة وثلاثة وثمانون  كان الفيصل في فكرته التى أرهقته طويلا من أجل أن يخرجها من اعماقه.. نشرها  بجريدة الأهرام  مع مبررات نشره ليستريح... لكنه هل استراح؟ أو أستطاع أن يقنع من قرأ مقاله  "حديث مع الله "

الأسبوع القادم اكتب لك  جزءًا مما حدث وكان زلزالا  شديدا".