قال الدكتور عبدالراضي رضوان، العميد الأسبق لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، إن المؤامرة الأجنبية التي أغمدت سيوفها في جسد الأمة الفتية الناهضة منذ أربعة عشر قرنا تسعى حثيثا وبإصرار على التفخيخ والتفكيك والتفجير لكل روابط التماسك وكل دروع الحفظ والحماية وقوارب النجاة لجسد الأمة المنهك بداء الوهن والضعف والتخلف الحضاري.
وأضاف «رضوان» في حديث مع «البوابة نيوز»، أن المؤامرة جعلت الحروب الأهلية تهدد الدول العربية كلها بلا استثناء، خصوصا في ظل تلاشي الدولة في ليبيا، وتقسيم اليمن إلى دويلات، واتجاه سوريا إلى خراب تام، والعراق إلى طائفية مدمرة، ولبنان إلى بؤرة صراع وتناحر قوى داخلية وخارجية، والسودان على أبواب مزيد من الانقسام والتشظي شمالا وجنوبا وشرقا وغربا.
طالب "رضوان" بألا نغفل عن دور الخبرات الغربية التاريخية في إثارة الفتن والصراعات العربية، فتلك الخبرات تم استغلالها وتوظيفها ببراعة لإطلاق فورة الأطماع ونزعات التسلط والسعي إلى السلطة باستغلال وشاح الدين والتدين، أو بإثارة طموحات أوهام الاستقلال والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، في الدفع نحو ما أُطلق عليه اسم ثورات الربيع العربي، وصولا إلى تحقيق الهدف الرئيس للمؤامرة الغربية على تفتيت العالمين العربي والإسلامي من خلال بث الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، لذلك لم ينتج من الربيع العربي أي خير في جميع البلدان التي زارها.
وأوضح العميد الأسبق لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة أن أكبر مثال على تحول الربيع العربي إلى محض فتنة لا تجني من خلفها الشعوب العربية إلا الخراب، ما يحدث على مدار سنوات الحريق العربي حتى اللحظة الراهنة في كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان ولبنان وتونس، فهذه الأحداث وإن كانت في بعض البلدان قد بدأت تعبيرا عن مظالم حقيقية ومشاعر غضب طبيعية، إلا أن لصوص الثورات قد سرقوها وحولوها إلى خدمة المؤامرة الغربية في الشرذمة والتفتيت والتقسيم.
وتابع "رضوان"، بأن الحرب الأهلية أحد أشكال الفتنة التي تستهدف ضرب الدول العربية جمعاء وتهددها بلا استثناء، وذلك لأن خيوط المصالح الغربية محبوكة بشكل جيد، بالتزامن مع التمويل الأجنبي لعناصر قبلت على نفسها العمالة للغرب، والتي تستهدف تقويض وحدة المجتمع العربي وتفتيت الوطن الواحد، لذلك يصرون على العبث بفئات الوطن، وبث الفتن بين أبناء الوطن لأجل القضاء على وحدته، خصوصا في الدول ذات الفكر القَبَلي أو الطائفي، وهذا واضح في سوريا وليبيا واليمن والسودان بشكل كبير.
ويرى عميد دار العلوم، أن العوامل الخارجية تؤدي دور المحفز فقط لإيقاظ الفتنة وإشعالها في المجتمعين العربي والإسلامي، لكن البيئة الاجتماعية والثقافية والفكرية الهشة نتيجة قرون طويلة من التخلف والجهل، في ظل تراجع البنية التعليمية بشكل ظاهر للعيان، حيث أعلى معدلات الأمية في العالم موجودة في وطننا العربي. هذه البيئة هي المسرح المستَقبِل الصانع للأحداث بتأثير التحفيز المؤامراتي الخارجي الذي لا يجد أي مقاومة ذاتية أو صعوبة في الاختراق والالتفاف.
وعن سيطرة الميليشيات الإسلامية المسلحة على بعض مؤسسات الدول، قال "رضوان": ما حدث في الحريق العربي وتوابعه الجارية حتى اليوم شكل من أشكال المؤامرة التي تساوي الفتنة، باستهدافها شرذمة وإضعاف وتفتيت الدول العربية والإسلامية لصالح الغرب وذراعه الإسرائيلي بالمنطقة، وتكاد بفعلها تتلاشى بعض الدول مثل ليبيا التي تلاشت منها مؤسسات الدولة وتخضع راهنًا لحكم الميليشيات المسلحة، واليمن التي أصبحت دويلات مقسمة، وليست سوريا أو السودان بأفضل حالا فيما تعانيه من خراب وفيما ينتظرها من خراب أكبر وتلك هي محصلة مؤامرة وفتنة الحريق العربي (الربيع العربي) سابقا.
وعن الخوارج؛ ذكر "رضوان" أن فرقة الخوارج انشقت عن الصف الإسلامي، إلى مجموعة يكفرون كل من لا يقول بفكرتهم ويقتلونه، بل يقومون بتكفير الأمة كلها، أما الشيعة فقد وضعوا لأنفسهم خصوصية دينية بولائهم الكامل لعلي بن أبي طالب وذريته، وانفصلوا عن الولاءات لجماعة المسلمين، فما إن انقسم أهل السنة على أنفسهم في صورة مذاهب عدة، حتى كانت النتيجة حروبا متتالية استمرت قرابة القرنين من الزمان، أدت إلى تفتيت الدولة الإسلامية إلى دول وإضعاف جبهتها، ما ساعد في تمكن الغرب من استعمار العالمين العربي والإسلامي عسكريا حتى ما بعد منتصف القرن الماضي، وسياسيا واقتصاديا.
وأوضح "رضوان" أن استعادة الوعي الصحيح وبنائه ضرورة، بما يمكن معه تصحيح المفاهيم المغلوطة والقضاء على الوعي الزائف. وثمة أمور كثيرة، يجب أن نراعيها في مسألة التعامل الوعي بالمخاطر، أهمها أن يحكِّم كل منا أمرين: أولهما عقله، فلا يسلم عقله لأحد غيره. أما الأمر الثاني فهو أن نحكّم المصلحة الوطنية والقومية، فالوطن حينما يحترق فلن يحترق بجماعة من دون أخرى، ولكن سوف يحترق بجميع أهله. وهنا يأتي دور المؤسسات الدينية الفاعلة التي قد يكون غيابها أحيانا سبّبا لنجاح الفتن في افتراس المجتمعات.
ولفت "رضوان"، إلى أنه من الواجب تفعيل جميع مؤسسات الوطن في المواجهة ويأتي على رأسها مؤسسات القانون لفرض النظام وقمع الفتنة بقوته، لأن المجتمع الإنساني لا ينقاد إلا لقوة القانون العادل وتطبيقاته الحازمة، خصوصا في التعامل مع الفتن، فالناس لا تخضع إلا لقوة القانون والسلطة، ويأتي دور الإعلام بقدرته الفائقة على استلاب العقول والأبصار وتوجيهها سلبا أو إيجابا كما تفعل مؤسسة البوابة في تبنيها قضية الوطن اختيارا لا منازع له وتحصين أبنائه ضد المخاطر المحدقة به داخليا وخارجيا.
ويستكمل العميد الأسبق لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، إنه تحولت تلك الوسائل إلى أكثر الوسائل المثيرة للفتن، خصوصا بين الشباب، فوسائل التواصل الاجتماعي تنشر آراء كثيرة تستفز الطرف الآخر، وكل فرد تحت دعوى الحرية الشخصية يهاجم عقائد الآخر ومعتقداته، وهو ما يتكرر مع فوضى الفضائيات التي تحولت إلى منابر لسب متبادل بين أهل الفرق والمذاهب، بسبب غياب الضوابط والقيود، فلا يسيطر عليها أحد ولا يوجهها أحد، فكل فرقة تطلق على نفسها جماعة أهل الحق أو الجماعة الإسلامية أو جماعة المسلمين لتميز نفسها عن الآخرين واحتكار الإسلام.
ويستطرد "رضوان"، قائلا: التعددية المذهبية المفترض أن تكون سببًا لتوافق العالم الإسلامي، وتيسيرًا لحياة المسلمين، في تسامح وود واحترام يجعل كلًا منهم يعيش سعيدًا. لكن أن يحاول أتباع مذهب معين إجبار الآخرين على اتباع مذهبهم، فهنا تبدأ الفتنة، وهذا ما يحدث ويتسبب عنه الحروب الطائفية والمذهبية، فكل طائفة تريد النصر والقضاء على الآخرين بدعوى أنها مالكة الحق والحقيقة الدينية بالحق الحصري.