هل يحتاج الاحتفال بصلاح عبد الصبور إلى مناسبة، كأن ننتظر يوم ميلاده في مايو أوذكرى رحيله في أغسطس؟! الإجابة لا بد أن تكون بالنفي، ذلك أنه حاضر دائما بعطره الجميل وبصماته التي لا تُنسى ولا يطولها الذبول، فهو الشاعر الرائد المجدد والكاتب المسرحي المتفرد والمترجم القدير والباحث الذي يتأمل ويرى بحسه المرهف وانتمائه الوطني الأصيل ما لا يراه إلا أولو العزم من عتاة العشاق.
لم يمتد العمر طويلا بعبد الصبور، فقد انتهت رحلته مع الحياة بعد أن تجاوز الخمسين بثلاثة شهور، لكنه قدم في سنواته هذه إنتاجا غزيرا ثريا يملك مقومات البقاء والخلود، يتوقف أمامه النقاد والمتخصصون، والملايين من القراء العاديين، مقرين بروعة الإبداع الذي يكشف عن موهبة فذة وثقافة موسوعية وإيمان أصيل عميق بعظمة وجلال الإنسان.
منذ البدء، لا بد من الإقرار بأن الإحاطة ببعض جوانب عبقرية صلاح تستدعي عشرات ومئات الصفحات، وما الاحتفاء الذي تقدمه "البوابة" في صفحات العدد إلا التعبير عن الحب والإقرار بالفضل، ومحاولة لإلقاء تحية نقول من خلالها كم ندين له بالكثير من الامتنان، ونؤكد أنه معنا لا يغادرنا، وننبه القراء المتعطشين للمعرفة، والشباب منهم على وجه التحديد، إلى عظمة الآباء والأجداد، وضرورة الإيمان بما يحمله تاريخنا القريب والبعيد من عطايا تفيض علينا وعلى من حولنا.
مصر لا تعرف العقم ولن تعرفه، وإذا كان الظاهر السطحي يوحي ببعض الوهن والتعب، فإن الدروس التي نتوارثها من التاريخ تؤكد أن الأمر لا يتجاوز الأزمة الصغيرة العابرة، ففي الشخصية المصرية من القوة والصلابة ما يضفي عليها مؤهلات تهمس دائما في ثقة بأن طوفان العطاء لا يتوقف.
مثل كل أبناء الوادي الطيب، المسكونين بطمي الحضارة وخصوبة الإبداع، يذوب صلاح عبد الصبور ويفنى في عشق مصر التي يؤمن بها ويراهن عليها، وفي دواوينه ومسرحياته الشعرية الخالدة ومقالاته ودراساته وترجماته، يتوقف القارىء أمام كنوز معرفية ممتعة تضيء القلوب وتنعش الأرواح وتدفع العقول إلى التفاؤل ومعانقة اليقين بأن الآتي سيكون أفضل وأجمل، شريطة أن نتشبث بفضيلة الحلم المتكىء على الوعي والعمل معًا.
المعالجات المتنوعة المقدمة في العدد، تقود بالضرورة إلى طرح عدد من الأسئلة:
- لماذا لا نقدم مسرحيات صلاح عبد الصبور في الجامعات ومراكز الشباب والأندية لنحقق من خلالها بعض التوازن المفقود في حياتنا الثقافية؟
- متى تخصص القنوات الفضائية الوطنية ساعات مناسبة للتعريف بأعلام ورموز الثقافة والنهضة، وما أكثرهم وأعظمهم؟
- كيف لا تلتفت وزارة التعليم إلى الشعراء الحقيقيين لتدفع ذائقة الشباب إلى الأرقى والأنضج والأروع؟
أيها الفارس النبيل الجميل.. دمت لنا
وهيهات أن تقترن في قاموسنا بأي من مفردات الموت والغياب.