الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جاد فرج يكتب: كيف يفكر الملالى؟.. أدوات البقاء لجمهورية إيران الإسلامية على المدى الطويل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جاد فرج فرار.. فرنسى من أصل سورى، يدرس العلوم السياسية فى جامعة مونتريال، مهتم بالتاريخ والأحداث الدولية والجغرافيا السياسية.. يكتب عن كيفية تعامل دولة الملالى مع المتغيرات الجيوسياسية فى العالم، بما يساعدها على البقاء طويلًا.
أعطت المظاهرات- التى انطلقت فى إيران فى سبتمبر ٢٠٢٢ بعد وفاة مهسا أمينى فى السجن والتى قام بها مجموعة من الشباب المتأثرين بالقوة الناعمة الغربية العلمانية والمعاصرة - تصورًا بتغيير محتمل للنظام السياسى الإيرانى القائم منذ عام ١٩٧٩ وذلك من خلال مجموعة من الإصلاحات لتخفيف حدة الأوامر الدينية لسلطة الملالى.
بدايات ملحمة التحرر من القبضة الغربية القوية
كانت إيران حتى الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ التى أعقبها وصول آية الله الخمينى إلى السلطة هى الذراع اليمنى الأولى للولايات المتحدة المناهضة للشيوعية فى الشرق الأوسط: فى البداية كان الموقع الجغرافى الاستراتيجى لإيران مسألة حيوىة لواشنطن لتخويف منافستها السوفيتية سابقا وبعد ذلك تم وضع جزء كبير من احتياطيات النفط الإيرانى أى ما يقرب من ربع احتياطيات العالم تحت سيطرة الغرب.. لندن بشكل أكثر تحديدًا!
لكن الطموحات السيادية البترولية للشاه محمد رضا بهلوى والمماثلة لتلك التى كان يطمح إليها بها مصدق عام ١٩٧٠ وكذلك لجوؤه إلى سياسة متعددة الاتجاهات من خلال التقارب مع موسكو فى عام ١٩٦٨ شجع الغرب على ترك الثورة الإسلامية تأخذ مجراها من خلال استبعاد أى تدخل مشابه لتدخل عام ١٩٥٣ ولو على حساب التاج الإمبراطورى الإيرانى، فى فترة رأت فيها الولايات المتحدة فى الإسلاموية حليفًا محتملًا من أجل القضاء على المنافس السوفيتى افتتانا بسمات الأصولية الإسلامية لآية الله الخمينى التى سمح لها لاحقًا بالاستيلاء على السلطة فى إيران.
عبثًا سار الخومينى مسارًا للسيادة البترولية يشبه تقريبًا مسار سلفه وخصمه على حساب مصالح الغرب مع استخدام براجماتى للدين الإسلامى. والقضية الفلسطينية كل ذلك من خلال استخدام القوة الناعمة ليس فقط لقيادة عالم إسلامى يتألف من حوالى مليار فرد تهدف طهران إلى السيطرة عليه ولكن أيضًا للتحالف مع التحالفات المناهضة للغرب أمريكا اللاتينية أو بعض دول البريكس مثل جنوب أفريقيا.
النفط ودور أساسى
تم اكتشاف أول آبار البترول فى إيران فى بداية القرن العشرين وهى وسيطة أساسية تستخدم فى تصنيع العديد من السلع الاستهلاكية النهائية وتمتلك إيران أكثر من ٢٠٪ من احتياطيات العالم: أن السيطرة على هذه الكمية الكبيرة من الموارد الأحفورية من شأنها أن تؤثر تأثيرا كبيرا على الاقتصاد العالمى وهو ما يفسر ذلك الهوس العقلانى للسيطرة عليه.
على عكس دول الخليج، فإن إيران ترفض أى استيلاء من قبل الغرب على مواردها النفطية وكذلك نظام البترودولار الذى يهدف إلى تسويق نفطها بالدولار الأمريكى وهى العملة النقدية للولايات المتحدة التى تسمح لها بالتأثير بشكل أفضل أو بالتحكم فى سعر الذهب الأسود وفقا لمصالحها الخاصة.
من خلال الحصة الكبيرة من احتياطيات الذهب الأسود التى تمتلكها إيران فإن رغبة الجمهورية الإسلامية فى التحرر من أى استيلاء غربى على ثروتها وكذلك رفضها لنظام البترودولارمن شأنه أن يضر بحسابات الولايات المتحدة.
البديل الذى يمثله بشكل خاص للقوى الناشئة وبالتالى منافسى واشنطن مثل الإمبراطورية الوسطى: فى الواقع أن تسويق أى احتياطى نفطى على نطاق كوكبى سيسمح للولايات المتحدة بالتأثير على اقتصاد منافسها الصينى القوى والتى تشكل إيران بالنسبة له نسمة من نسمات الهواء النقى المتاحة من حيث المعروض من الذهب الأسود المباع بغير الدولار الأمريكى.
ولذلك ترى واشنطن ضرورة إحباط طموحات طهران التحررية من خلال دعم الفصائل المعارضة لنظام الملالى وكذلك من خلال العقوبات الاقتصادية المعززة التى تستهدفها هى وحلفائها.
استراتيجيات الحماية الذاتية التى تستخدمها طهران
خوفًا من انقلاب يشبه ذلك الذى أطاح بحكومة مصدق ١٩٥٣ اختارت طهران استراتيجية لإحياء الإمبراطورية إذا جاز التعبير من أجل غايات الحماية الذاتية ضد واشنطن «التهديد المحتمل».
إيران واحدة من الدول الـ١٥ التى لا يزال إنفاقها العسكرى هو الأكبر دون الأخذ فى الاعتبار برنامج تطوير الأسلحة النووية الذى كان الشاه قد علقه فى نهاية الستينيات.
كما أن نظام الملالى شأنه شأن تركيا يعتمد على استغلال الإسلام.. كما ترى طهران فى إسرائيل كبش فداء مفيدًا لا ترغب بالتالى فى القضاء عليه تمامًا ولكن ترغب فى التأثير عليه نفسيا كما يبدو أن هذه الاستراتيجية بدأت تؤتى ثمارها ففى جنوب أفريقيا على سبيل المثال أظهر حفيد نيلسون مانديلا مؤخرًا نفسه إعجابه بالالتزامات الثورية لآية الله الخمينى وخلفائه، كما يُنظر إلى إيران فى لبنان والعراق ودول جنوب شرق آسيا على أنها المدافع الأكبر الأخير عن القضية الفلسطينية.


وسعيًا إلى السيادة فإن إيران لها يد فى التدخلات الأجنبية فى المناطق استراتيجية على هذا الكوكب مثل مضيق باب المندب وهو نقطة عبور للسفن التجارية التى تربط أوروبا بآسيا. أى شخص له وجوده على شواطئ هذا المضيق فقد دخل بلاط العظماء وبالتالى له الهيمنة والسيادة وهو ما يفسر وجود القواعد العسكرية الأمريكية والصينية والهندية والفرنسية والإيطالية فى جيبوتى.. ولكن جيبوتى لا ترغب فى إثارة غضب حلفائها الغربيين اذا ما رحبت بالوجود الإيرانى على أراضيها وبالتالى تراهن طهران على اليمن المجاور وبشكل أكثر تحديدًا على غرب البلاد لتكون بابًا مفتوحًا على المضيق ويخضع لسيطرة الحوثيين الشيعة التى تدعمها القوة الإيرانية.
غموض العلاقات الغربية- الإيرانية
إن الروابط المعاصرة بين إيران والغرب والتى تتميز بتوازن القوى يمكن تحديدها بنقاط يمكن للغرب أن يستمدها من استراتيجيات طهران الاستفزازية: إيران الشيعية والمملكة العربية السعودية السنية تتنافسان على قيادة المناطق الإسلامية والإقليمية ولأنهما قوتان جغرافيتان متقاربتان فكلاهما ينظر إلى الآخر على أنه خطر محتمل. فصعود الواحدة تعنى سقوط الأخرى: انتشار إيران النووى ووجود أيادٍ لها فى اليمن يشجع الدول الخليجية على توقيع عقود مشتريات أسلحة مع الولايات المتحدة وفرنسا تقدر بأكثر من ٥ مليارات دولار.
إن المدة القصيرة لاتفاقيات فيينا لعام ٢٠١٥ بسبب الانسحاب الأمريكى تلك الاتفاقية التى تنص على تقييد برنامج طهران النووى مقابل رفع جزئى للعقوبات تمامًا تعكس الإطار المفيد طويل الأجل للوضع الحالى الذى يرغب الجميع فى الاستفادة منه.
أما أوروبا فهى تعمل على موازنة علاقاتها مع طهران فى إطار سياسة متعددة الاتجاهات للتحرر من الهيمنة الأمريكية والروسية أيضًا من حيث إمدادات الغاز والتى تتزايد منذ بداية الحرب فى أوكرانيا.
التهدئة الإيرانية السعودية الأخيرة
دفعت القوة الإيرانية الكبيرة الرياض مؤخرًا إلى قبول التعامل بإيجابية مع المصالح الأمنية لإيران التى هددت سابقا بضرب دول الخليج فى حال توصلهم إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن تحليق صواريخها عبر مجالها الجوى حيث ترغب تل ابيب فى استخدام كل ذلك من أجل تدمير المنشآت النووية الموجودة على الأراضى الإيرانية.. الصين التى كانت تعتمد فى ذلك الوقت على سلطة الملالى وترفض العملة البترودولارية هى القوة الأولى التى شجعت هذه العملية فى ربيع عام ٢٠٢٣ خاصة أنها بمثابة الشريك الاقتصادى الأول لدول الخليج منذ عام ٢٠٢٠.
وهكذا، فإن الانتشار النووى الإيرانى وكذلك الأرباح المختلفة التى تجنيها القوى الغربية مع الوضع فى الاعتبار الثمار التى يحملها استخدام الإسلام السياسى من جانب الملالى لخدمة هيمنة الإمبراطورية الفارسية الجديدة على العالم الاسلامى وعدم الانحياز دون التخلى عن السياسات السيادية البترولية التى لجأت إليها إيران مما يجعلها المصدر الرئيسى لتزويد الطاقة الصينية بالهيدروكربونات وبعد أن شجع الاتفاق الأخير بين الرياض وطهران على جعل القوة الإيرانية فى وضع لا يتزعزع على المدى البعيد كل ذلك يشير إلى أن أوهام الكيانات المعارضة للسلطات الإيرانية من الصعب أن تؤتى ثمارها فى أى وقت قريب.