الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ذكرياتى مع أبى وأخى محمد نوح

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عاصرت شقيقي ورافقته منذ حضوري إلي القاهرة في الستينيات وشاهدت كيف كان حزينًا بعد نكسة ١٩٦٧، وأخذ يغني في كل التجمعات شيلي طرح الحزن السودة والبسي توب الحرية والله حي بكرًا جاي ومدد شدي حيلك يا بلد وجاء نصر أكتوبر ١٩٧٣.

وتسابق كل الفنانين علي تقديم ما لديهم وازدحمت الاستديوهات. معظم الفنانين ونوح كالأرض الشرقانة  لترتوي بالنصر، ليغني ويصرخ.

ورن جرس المنزل وكانت السيدة سميحة أيوب مديرة المسرح الحديث، وطلبت من نوح أن يقابلها فورا في المسرح.

عرضت عليه أن يتم عمل مسرحية تشعل حماس وفرحة المصريين بالنصر وأخبرته أن المخرج عبدالغفار عودة، أحضر شاعرًا من المنصورة لكتابة الأغاني للعمل ولديه اقترح، وحيث لا وقت لكتابة وتلحين أغاني، فالعرض عبارة عن أغاني نوح الحماسية التي كتب معظمها الشاعر الكبير إبراهيم رضوان ويعرفها الشباب يقوم شاعر المنصورة زكي عمر، بعمل ربط  بين الأغاني بفقرات تمثيليته يلقيها الفنانون منهم  فؤاد أحمد وعبدالسلام محمد وميرفت سعيد ونجوم المسرح، واقترح «نوح» ومن خلال البروفات أن يلقي البيانات العسكرية خلال العرض، وسميت المسرحية باسم «مدد شدي حيلك يابلد».

وجاء يوم الافتتاح والمسرح عن بكرة أبيه والشباب الذي يعرف أغاني نوح يقف في الطرقات وانطلق نوح يصرخ مدد مدد شدي حيلك يا بلد إن كان في أرضك مات شهيد فيه ألف غيره بيتولد، واحميني من ليل الغربة داريني وامسحي بقميصك طيني، أنا ابنك شادد حيلي وفي حبك أقول مواويلي. ويختم بشيلي طرح الحزن السودة والبسي توب الحرية، واطلعي بالقامة المفرودة ع السكك الأخضرانية، يا بلدنا يا أم ولادنا يازادنا يازوادنا.

وتحول المسرح إلي حالة وطنية. يصرخ نوح ويصرخ الشباب فرحًا النصر، وكنا أحيانًا وبعد العرض نخرج ونجد شبه مظاهرات تهتف بالنصر وتردد مدد مدد شدي حيلك يابلد.

في تلك الفترة كنت أجد «نوح» دائمًا يستمع للأسطوانات الغربية أحيانًا موسيقي كلاسيكية ثم كثير لنجوم البوب أمثال توم جونس وچيمس براون، وديمس روسس وأنجل بيرت وبول انكا، وأعجب بما يسمي في تلك المرحلة بال سول ميوزيك، وزاد ثقة في أنه في الطريق القادم والصحيح فقد كان أحيانًا يكتب البعض أن موسيقي نوح غربية ويستخدم آلات غربية فظهر مع أماني ناشد، وتحدث عن أن الآلات وسيلة مثل ماكينة الخياطة تصنع بها بدلة وجلباب وبالطو  للدكتور، أنا بقدم ألحان شرقية بوسائط أكثر تأثيرًا للشباب وأنه عازف عود جيد وملم بكل المقامات الشرقية.

زادت معرفة الوسط الثقافي المصري بالنجاح الذي أحدثه محمد نوح في حفلاته وبدأت الشئون المعنوية بالقوات المسلحة والمسئولون عنها منهم العقيد رفعت صقر الانتباه لحالة الحماس التي يبثها محمد نوح فقد غني في معرض الغنائم بعد نصر أكتوبر١٩٧٣ بأرض الجزيرة موقع الأوبرا الآن وانفعلت حوله الجماهير يهتفون بالنصر وبأعداد رهيبة ويرقص الجنود والمصابون من العساكر علي أغاني المدد واحميني لعبد الرحمن الأبنودي والله حي كلمات إبراهيم رضوان، ولكن كان بعض الأشخاص المسئولون عن الإعلام لا يرحب به ويراه مزعجًا ومُقلقًا وخصوصًا بعد أغانيه في مسرحية كلام فارغ لأحمد رجب وإخراج سمير العصفوري، ونوح ما زال مُنطلقًا يغني للنصر ويصرخ مدد شدي حيلك يا بلد والله الحي.

ولم يترك نوح مكانا في الجبهة إلا ويذهب إليه ويغني للجنود والظباط وينفعل معه الجنود ويزدادون حماسة وكأنه يتم شحنه بحماس الجنود ويعود وينتقل من محافظة إلي أخري ويغني للطلبة في الجامعات من الإسكندريه إلي أسيوط، وكان البعض يهاجمه أن كل اغانيه وطنية وماذا تغني في المناسبات السعيدة وكتب الأستاذ مفيد فوزي في عاموده الشهير سماعي، محمد نوح، وزئير محمد نوح حضر الرئيس السادات أكثر من حفلة لمحمد نوح وكان يعرف أن محمد نوح تنقل مع فرقته بين معظم وحدات القوات المسلحة والجبهة.

وفي أحد الأيام ونحن مجتمعون مع الحاجة نوحة بالمنزل ونتبادل الأحاديث وقد جلست أمي بعد أن أنهت أعمال المطبخ وأعدت طعام الغذاء للقبيلة النوحية، رن جرس التليفون ولاحقته أمي فهي في انتظار مكالمة، فرفعت السماعة بسرعة وأحمر وجهها وهي تردد مين مين والله ما ينفع الهزار كده عيب وأغلقت السماعة وهي غاضبة وقد اكتسي وجهها باللون الأحمر، سألها نوح: مين يا نوحة، أجابت وقد قضبت حاجبيها وما زال وجهها أحمر من حرارة المطبخ وزادها حرارة الموقف واحد بيهزر، ويقول: أنا أنور السادات، لم تكمل ورن جرس التليفون، وكان فوزي عبدالحافظ، مدير مكتب الرئيس، وتلعثم نوح: أيوه يا فندم، أمي الحاجة يمكن مش مصدقة أسف أسف جدا افتكرت حد بيعاكس.

وعلق الرئيس بعد أن أخذ السماعة من  مدير مكتبه: قول لأمك يا محمد متقفلش في وش رئيس الجمهورية عيب وضحك وبصوته المعهود، إحنا بنكلفك بمهمة وطنية وأنا عارف دورك وإخلاصك لمصر. أوامر سيادتك، روح يا محمد سينا رجعت والناس يمكن بعضهم مش فاكر كلمة مصر والبلد والأرض، سمعهم مصر وغني وخليهم يغنو لمصر معاك وقول احميني ومدد وشدي حيلك يا بلد.

لقد كنّا ونوح والجنود المصريون أول من دخل سينا بعد خروج الصهاينة وغني نوح وهتفت معه الأهالي من سيناء والجنود المصريون بكل حماس.

ظلت الحاجة نوحة لا تقترب من  التليفون لمده تقترب من الأسبوع وطبعا الكل يلاعبها ويضحك ايوه يا نوحة الرئيس.، وأعلّق أنا خايف كارتر يطلبك والله لو أبويا حامد موجود كان زمانه بياخد حقه وتعلق: اختشي ويعلق نوح  شوف أمك بتقول كلمة أنا نسيتها من زمان من أيام اليشمك وبين القصرين معقول يا نوحة  اختشي أربعيناتي قديمة جدًا.

كنا دائمًا أسرة تحاول البحث عن البهجة هل كان ذلك عوضًا عن إحساس بموت الأب والمسئولية والظروف التي مررنا بها. أمي كانت خفيفة الظل أحيانًا تغني وأخري تقلد إحدي الشغالات أو السائق أو البواب أو أحد من أبنائها كان لقاء الحاجة نوحة مقدس دائمًا لا يتغيب عنه أحد ولم يتوقف إلا بعد موت أمي رحمة الله عليها.

في فرح لإحدي بنات الرئيس السادات وكان نوح يشارك في معظم الاحتفالات الخاصة بالرياسة، وقد كان من ضمن المعازيم الفنان عمر الشريف، وقد دعاه الرئيس للعودة حين قابله في واشنطن، وحضر الحفل معظم الساسة والنجوم من مصر والدول العربية وبعض السفراء وضيوف عرب وأجانب، واندهش «نوح» حين أنهي إحدي أغانيه وطلبت ابنة الرئيس الصغري وبصوت عالي الكوسة يا نوح، وتكرر من أحد الحضور وبصوت عالي الكوسة يا محمد، نظر «نوح» للفرقة ومسح علي وجهه ونظر بنصف عين فوجد الرئيس يضحك ويشاور قول، وأشار «نوح» أن تبدأ الفرقة وبدأ بالموال:

حقولك إيه يا خال علي جري وبكاني         سنين طويله شغال والشغل سواني
تقريري في الشغل امتياز ومخلص ومش مرتشي       ومعرفش إيه. تانيييييييييي

لحد ما جه ابن أخت السيد الوزير، وهوبا وشغلوه مكاني ومشيت أهلوس لوحدي في مسألة محيراني ليه نزرع القمح في سنين يا بلد. يا بلد  يا بلد. ويطلع القرع في ثواني 
وزاد الهرج 
وارتفعت الضحكات والتصفيق 
وأكمل نوح علي الموسيقي ومع السقف 
يا بلدنا يا عجيبة
يا بلدنا يا عجيبة 
فيك حاجه محيراني 
نزرع القمح في سنين
يطلع القرع ف ثواني 

كانت دهشتنا جميعًا من مدي إعجاب الرئيس انتقلت الحالة لكل الحضور وصافح الرئيس «نوح» بعد الحفل وأصبح يتقابل كثيرًا معه وتوطدت علاقته به وكان يرسل له الجلاليب والرمان والمانجو وإحدي المرات سأل الرئيس، محمد نوح: «انت عمرك يا محمد ما طلبت أي حاجة من الدولة انت مش محتاج؟»، ولاحقه «نوح»: «محتاج يا ريس قطعة أرض أبني عليها مسرح حسيبه للبلد عاوز أبني مسرح يليق بتاريخ مصر في الفنون»، وطلب الرئيس فوزي عبدالحافظ وأبلغه ولم يمض الكثير من الأيام وكنا بمكتب محافظ القاهرة نشاهد الممكن من القطع المتاحة والصالحة، ولكن اغتيل السادات وأصبح مع محمد نوح ورقة موقعة من الرئيس السادات بمنح قطعة أرض لبناء مسرح وانتقلت من مكتب إلي آخر وسط دهاليز الموافقات والبيروقراطية إلي أن كتب الأستاذ أنيس منصور في عاموده، إمضاء السادات أوقفت حرب طويلة بين مصر وإسرائيل ولكنها لم تستطع أن تتخلص من بيروقراطية الدولة وموظفيها المتجذرة.

وأتذكر الآن صرخات نوح
صرخ حين مات والده  وهو مازال طالبًا 

صرخ  في نكسة ١٩٦٧ 

صرخ للجنود مُحفزًا  في الجبهة

صرخ للطلبة في كل الجامعات والتجمعات

صرخ  لنصر ١٩٧٣ وفي معرض الغنائم بأرض الجزيرة

صرخ في استاد القاهرة

صرخ قهرًا حين تم إخلاء مسرحه وتحويله لمخزن

صرخ طالبًا الموت في سلام ومات في سلام.