تحتفل كنيسة الروم الأرثوذكس، اليوم السبت، بعيد "تجلي السيد المسيح"، ويذكر الكتاب المقدس قصة العيد، حيث ذكر أنه بعد إعلان يسوع آلامه لتلاميذه، أخذ "بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم على انفراد إلى جبل عال، وتجلى أمامهم.
وتحتفل به الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 13 مسرى في التقويم القبطي ويوم 19 أغسطس في التقويم الميلادي.
ويقول الأنبا باسيليوس متروبوليت عكار وتوابعها للروم الأرثوذكس بلبنان حول ذلك العيد:
نعيِّد في هذا الأحد عيد تجلي ربنا يسوع المسيح، وإظهاره لمجده أمام تلاميذه حسبما استطاعوا، أي حسبما استطاعوا هم أن يروا ويعاينوا. فظهور مجد الله للإنسان لا يكون بحسب عظمة هذا المجد، بل بحسب إدراك الإنسان واستطاعته للمعاينة، وإلا فتنقلب الأمور عكسيًا. فالناس وبدون أن يعيشوا حياة روحيّة يدعون الإيمان، والحياة الروحيّة ويقارنون بينهم، وبين الآخرين حتى بالرغم من عدم ارتيادهم للكنيسة، وعدم عيشهم الحياة الروحيّة يتكبرون ويتباهون. فكيف إذا أظهر الله لهم مجده، وعاينوه بالواقع والحقيقة سيتكبرون وسيسقطون في جحيم الكبرياء. فالله رحمة بالناس لا يظهر لهم إلا بحسب استطاعتهم كي لا يصيبهم الأذى الروحي والعصبي حتى الجسدي. كما هي في حال أن فقيرًا ومحبًا للمال يأتيه فجأة مبلغ كبير من المال هو غير مستعد له بكل تأكيد سيتضرر نفسيًا، ويفقد اتزانه، ولو لفترة بسيطة، هذا إذا لم يفقد اتزانه طيلة حياته.
ولهذا أيضًا نصح السيّد الرسل بأن لا يقولوا شيئًا للناس لأنهم لن يصدّقوا فكيف سيأتي موسى ليتحدّث مع يسوع، وكذلك إيليا، وهما من رجالات العهد القديم الأعظم بين رجالاته.
الإخباريّة هذه ستلوث عقل أتباع يسوع أولاً، وينقسمون بين مصدّق ومكذّب. وأوصاهم أن لا يقولوا شيئًا إلى أن يقوم ابن البشر من بين الأموات. وقيامة يسوع من بين الأموات ستجعل كل حدث صغيراً أمامها، فلم يسمع أن أحداً قام من بين الأموات. بل سمع أن الأنبياء أقاموا الأموات كإيليا وأليشع، وكذلك السيّد، ولكن ولا أحد منهم قام هو من بين الأموات، وقام السيّد بذات سلطانه "كل ما للآب فهو لي."
نتعلم من هذا الحدث أن الحياة مع المسيح ليست هي حياة القوى والمعجزات، بل هذه ثمار الحياة مع المسيح إذا كانت فائدتها كبيرة، وإلا فتستمر الحياة مع المسيح، وتبقى ثمارها مخفيّة.
كما أن الحديث عن ثمار الحياة مع المسيح بدون سبب أو استفادة مضر لأنه يذهب بالأتعاب سدى ويخف تكرارها. لم يكن أحد من الآباء يفتخر بالعجائب والحوادث الروحيّة بل يفتخرون بأنهم قد استحقوا رحمة الله، وأن يعيشوا تحت جوانح هذه الرحمة مطمئنين بتواضع غير حاسبين أنفسهم شيء. كثيرون منهم كانوا يطلبون أن لا تعطى لهم هذه النعم لصنع العجائب كي لا يقعوا في الكبرياء، وكم تروي لنا الكتب الروحيّة عن الآباء أقوال وأفعال تدل على أن التباهي بالعجائب والنعم خطير، ويستغل الشيطان هذا الإعجاب عند العائشين حياة روحيّة، ويقودهم بذلك في طريق الضلال دالاً إياهم على أنهم قد صاروا شيئًا. وهو يستغل كل فرصة للإيقاع بالبشر المجدون في الطرق الروحيّة، والكسالى في هذه الطرق. وكما يقول السيّد: "ولو استطاع أن يضل المختارين لفعل". هكذا حاول أن يضل نساكًا كباراً كسمعان العمودي، وآباء البريّة في صحراء مصر، وغيرها من فلسطين وآسيا الصغرة تارة بحروب ذات اليمين، وتارة بحروب ذات الشمال، فمنهم من قاومه، ومنهم من سقط.
والعارفون بخفايا الحياة الروحيّة كانوا يكتشفون ضلال التكلم في مثل هذه الأمور من خلال تناولها مع الناس بسبب أو بغير سبب.
أيها الإخوة الأحباء، من الأفضل أن نعيش الحياة الروحيّة، ونخفي ثمارها، والله له المجد سعيلنها عندما يريد لأن كلام الإنسان في أمور لا خبرة حقيقيّة عنده فيها تجعله هزءًا بين الناس، وفي أحسن الأحوال سيتضجرون. وعلى الإنسان المؤمن العادي أن يعيش روحيًا مع أهل بيته يربي أولاده عليها، ويظهر ما يقوله بأعماله لا بكلامه لأن للأعمال وقع أشد من وقع الكلام. وبهذه الطريقة استطاع المسيحيون أن يربحوا الوثنيين الى المسيح، وأن يعتلوا عروش الممالك. ولما صار كلام المسيحيين أكثر من أفعالهم، وخالفت أفعالهم أقوالهم، وتبعوا العالم في أحوالهم خسروا كل شيء حتى الولد والبلد، وصاروا جزءًا فيما يفتخرون لأن العالم محتاج للأعمال، وليس للأقوال كيلا نسمع: "أيها الطبيب طبب نفسك".
رجائي الى الله في هذه الأيام العظيمة، ونحن نجتاز صيام العذراء أن يعطينا الله أن نقلل من كلامنا، ونكثر من خير أعمالنا، وأن نجعل نوره متجليًا في حياتنا لكي بمعاينتنا لنوره نصل الى رؤية قيامته، ومشاركته في حضوره، وهو آت بمجد عظيم.
ومع التهنئة بعيد التجلي والكرامات التي يعلنها كرامات البشر أريد أن أتقدّم بالتهنئة أيضًا من كل الطلاب الذين اجتازوا الإمتحانات الدراسيّة في أي مستوى كان، وأينما كانوا، وبشكل خاص أتقدّم بالتهنئة، والتهنئة هنا واجبة من مدير المدرسة الوطنيّة – عكار، ومدير المعهد المهني الأرثوذكسي العالي بجميع أقسامه وفروعه، وكذلك المدرسة الوطنية الأرثوذكسيّة – رحبة بشخص مديرها الجديد. والمدرسة في مشتى الحلو (سوريا) على النتائج الباهرة التي حققوها في هذا العام برغم الظروف القاسيّة والمعيقات والإحتمالات والصبر معنا على ما واجهنا خلال العام الدراسي الفائت، ولم نكن نتوقع أن تكون النجاحات في أغلب الفروع 100/100، وهذا إن دلّ على شيء يدل على أن القائمين على هذه المؤسسات مؤمنين بها مؤتمنين عليها، وكأنها مؤسساتهم الشخصيّة.
وكذلك أهنئ الطلاب وأهاليهم على إظهارهم حقيقة القوى، "وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، ومن طلب العلى سهر الليالي."
فأشكر كل الأساتذة، والإداريين، والعاملين، والمدراء على أتعابهم، والى مزيد من العطاء والتقدم والرفعة لعكار، ولأبناء عكار. فكل المؤسسات التي ذكرت هي في أبرشيّة عكار، والى جانب مؤسسات عديدة غيرها. وستزداد بنعمة الله ومحبته، وبدعمكم المعنوي والمادي، فهي لخدمة الإنسان، وليست ملكًا لأي إنسان.