تمر اليوم الذكرى التاسعة على الإبادة الوحشية التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي بحق الأقلية الإيزيدية في العراق، بعدما اجتاح التنظيم الإرهابي، أغسطس 2014، إقليم سنجار وسيطر على القرى التي يقطنها الإيزيديون، خاصة وأن قادة التنظيم الإرهابي حرصوا على إرسال رسائل مُضللة للأهالي تطالبهم بعدم الهروب، وعدم المواجهة، لأنهم ليسوا أعداءً للتنظيم، خلافًا للحقيقة، التي ظهرت بعد اجتياح المنطقة.
بعد اجتياح القرى، شرع التنظيم في قتل الرجال وباع النساء سبايا، ووزع بعضهن هدايا على عناصره، وانتقى بعض الأطفال وضمهم لصفوف المقاتلين بعد إخضاعهم لحلقات دينية تستهدف محو عقولهم وتثبيت الفكرة الداعشية في رؤوسهم.
وفي كلمة له بمناسبة الذكرى التاسعة، أدان محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء العراقي، أمس الخميس، ممارسات داعش بحق الإيزيديين، ووصفها بـ"الجريمة البشعة والفظائع التى مارسها الإرهاب بحق المكون الإيزيدي، وراح ضحيتها الآلاف، يندى لها جبين الإنسانية"، موضحًا دور الحكومة في تقديم الاجراءات والتسهيلات إنصاف المتضررين من الحادث البشع.
قبل أيام، صنفت الحكومة البريطانية الممارسات التي ارتكبها التنظيم الإرهابي حق الإيزيديين بأنها أعمال تمثل "إبادة جماعية". ووفقا لبيان صادر عن وزارة الخارجية البريطانية، فإن موقف المملكة المتحدة كان دائما هو أن تحديد ما إن كانت قد وقعت جرائم إبادة جماعية تقرره محكمة مختصة، وليس حكومات أو أجهزة غير قضائية. وقد تحدد ذلك في أعقاب حكم أصدرته المحكمة الفدرالية الألمانية في وقت سابق من السنة الحالية حين أدانت أحد المقاتلين السابقين في صفوف داعش بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في العراق.
وأشار البيان إلى أن الإيزيديين عانوا معاناة هائلة على أيدي داعش قبل تسع سنوات، وما زلنا نلمس تداعيات أفعاله حتى اليوم. لذا فإن تحقيق العدالة والمساءلة ضروري لمن دُمِّرت حياتهم.
"الفتاة الأخيرة".. كتاب يوثق شهادة الناشطة والناجية الإيزيدية نادية مراد حول الإبادة
دائما ما يكون تذكر الناشطة الإيزيدية نادية مراد، الناجية من قبضة داعش، مصحوبًا بالكثير من الخوف والألم النفسي، لذا هي تشدد على ضرورة تتبع عناصر التنظيم الإرهابي، مطالبة المجتمع الدولي بمحاكمة داعش، من القادة إلى المواطنين الذين دعموا فظاعاتهم، على ما ارتكبوه من مجازر وجرائم ضد الإنسانية.
في كتابها "الفتاة الأخيرة"، شرحت نادية مراد تفاصيل هجوم التنظيم على المنطقة، موضحة أنه أطلق "هجمات مفاجئة على عدد من القرى المجاورة، فقاد آلاف الإيزيديين خارج منازلهم نحو جبل سنجار، في حشود مترنحة مذعورة، سرعان ما تضاءلت حتى باتت خيطًا رفيعًا، وراءهم كان المسلحون يقتلون كل من يرفض اعتناق الإسلام (تحديدا اعتناق أفكار التنظيم) أو كل من كان على قدر من التعنت أو الإرباك أو يحاول الهرب، فأخذوا يلاحقون أولئك الذين مشوا ببطء وأطلقوا النار عليهم أو نحروهم".
أشارات مؤلفة "الفتاة الأخيرة" إلى تعامل التنظيم الإرهابي مع أهالي القرى، فكان اجتياحهم للمنطقة مرعبًا، حتى الناس التي كانت تفر من أمام مقاتليه لا ينظرون للذين يسقطون منهم خوفًا من الوقوع في يد عناصره الإرهابية.
قالت نادية مراد: إن داعش احتلَّ سنجار بسهولة، إذ لم تلقَ إلا مقاومة بضع مئات من الرجال الإيزيديين الذين قاتلوا للدفاع عن قراهم بأسلحتهم الخاصة، لكنهم سرعان ما نفدت الذخيرة منهم.
تطرقت "مراد" إلى انسحاب قوات البيشمركة الأكراد من أمام مقاتلي التنظيم، حيث وصف الانسحاب من قبل مراقبين بأنه تكتيكي لضمان عدم إراقة المزيد من دماء العائلات التي كانت تفر بكثرة تجاه قوات الأكراد فأحدثوا ارتباكا في الصفوف.
ووفقا لـ"مراد": "أكثر ما أصابنا بالصدمة كان الأكراد الذين أقسموا على حمايتنا، ففي وقت متأخر من الليل ومن دون أي تحذير وبعد أشهر من طمأنتنا أنهم سيقاتلون من أجلنا حتى آخر رمق، خرج البيشمركة من سنجار مستقلين شاحناتهم متوجهين إلى مناطق آمنة قبل أن يصل إليهم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
اجتاحت داعش المنطقة، وبحسب كتابها المشار إليه، فـ"مع مغادرة قوات البيشمركة احتل المقاتلون سريعا المراكز ونقاط التفتيش العسكرية الشاغرة، مما جعلنا نعلق في قريتنا، ولم نكن قد أعددنا خطة للهروب، وقطعت داعش سريعا الطريق الذي يربط قرى سنجار الجنوبية مثل كوجو بالجبل الذي كان قد بدأ يمتلئ بعائلات تحاول الاختباء، وألقي القبض على العائلات القليلة التي حاولت الهرب فقُتلت أو اختطفت".
سردت "مراد" بعض فظائع الهجوم، الذي نتج عنه نزوح الآلاف مات كثيرون منهم بسبب المرض أو التقدم في السن أو أطلق عليه النار بينما تابع البقية هربًا باتجاه الجبل، "كانت شمس الظهيرة على درجة من الخطورة، فتوفي عدد من كبار السن أو المرضى إلى جانب الطريق، لتتداعي أجسادهم النحيلة على التراب كما الأغصان المتساقطة، وكان العابرون من المارة يكملون السير، وكأنهم بالكاد قد لاحظوا وجودهم، حتى لا يتأخروا عن بلوغ الجبل، أو مخافة أن يسقطوا بين أيدي الإرهابيين".
وثقت "مراد"، العديد من القصص الحقيقية التي حدثت معها أثناء وقوعها مع الفتيات الإيزيديات في قبضة داعش بعد الهجوم على قضاء سنجار.
وروت "نادية"، في مذكراتها، أنه أثناء نقل الفتيات في باص إلى مدينة الموصل، كان أحد المسلحين وينادونه "أبو بطاط" يتعمد التحرش بالفتيات، ويلمس مناطق حساسة من أجسادهن داخل الباص، وعندما اعترضن عليه هددهن ورفع السلاح في وجوههن.
وقالت إن التنظيم يؤمن بتفسيرات خاطئة للدين، ولا يجد في اغتصاب الجواري خطيئة، وسيكون عملنا هو اجتذاب المنضمين الجدد لصفوف المسلحين، وسيتم تناقلنا كهدايا لمن يُظهر الوفاء ويفعل ما يُطلب منه.
وتحدثت تقارير عن شكل الحياة داخل المدن الواقعة تحت سيطرة داعش، قبل تحريرها، حيث يتم جمع الأطفال وضمهم لمدرسة تقوم على غسل عقولهم وتحفيظهم عدد الآيات والأحاديث مع تقديم تفسيرات مغلوطة، ويتولى جهاز يسمى بـ"الحسبة" التفتيش على الأفراد وجلد من يتم العثور معه على علب السجائر والدخان مثلا.
وفرض التنظيم الإرهابي على النساء المرور في الطرقات العامة بـ"الزي الشرعي" لديهم وهو زي يغطي المرأة كلها بعباءة سوداء ونقاب يخفي الوجه.