المسيح هو رأس الكنيسة المصرية والهوية المصرية جسدها، وما بين المسيح الكلمة الغير محدود في الزمان والمكان، والهوية المصرية التي بدأت قبل كتابة التاريخ، هنا التلاقي بين فلسفة إمبراطورية الأجداد الإيمانية والتي ظهرت في قوانين ماعت ألـ 42 وبين عظة السيد المسيح على الجبل التي "مثلت فلسفة الأيمان المسيحي"، فالتلاقي هنا هو لاسترجاع وأحياء عظمة سمو الإنسانية قبل سقوط ادم.
ومن قبل بزوغ التاريخ هكذا حملت الكنيسة المصرية الأرثوذوكسية مكون هوية الأجداد وسارت بها عبر منحنيات وتعريجات كثيرة ومتنوعة "قوية متفردة استثنائية" لا تمثلها في خصائصها وسماتها أي كنيسة أخري في العالم، بل اجزم القول إن من أسباب ثبات الكنيسة وقوتها واستمرارها هو ما تحمله من هوية مصرية وتعليم صحيح مستمد من الإباء الأولين الذين اختلط إيمانهم المسيحي بهويتهم المصرية.
وعبر تاريخ تواجد الكنيسة ظهر أباء كثيرين يحملون المكون الايماني والمكون الوطني للهوية، كان من بين هؤلاء الإباء وأكثرهم بريقا ولمعان، هو قداسة البابا شنودة الثالث، وهنا سأضيف إلى ما كتبه الأخرين عن قداسته وهو " كثير ومتنوع " فهو علامة بارزة في تاريخ الوطن والكنيسة لان بريق لمعانه وتوهج حضوره وذكراه، نابع من مكون هويته المصرية، فهو الكاتب والباحث والصحفي والشاعر والأديب والسياسي وبطريرك الكنيسة، ولذلك هو امتداد ومرحلة لن تنتهي من تاريخ الكنيسة. وإن كان تاريخ مولده الأرضي هو 3 أغسطس 2023، لكن تاريخ تواجد هويته هو من عمق زمان تواجد مصر قبل كتابة التاريخ، فهو مثل أجداده الفراعنة ملوك الأرض وعظماء التاريخ في كل سماته وصفاته الشخصية والروحية كما حمل تعاليم السيد الرب الذي هو أيضًا السرمدي الأبدي فظهرت فيه صورة الهوية وصورة المسيح وتلاقي في شخصه حكمة قوانين ماعت أل 42 وتعاليم السيد الرب في موعظة الجبل، ولذلك تجلت عظمته واصبح اسم لا يموت.
واري أن اعظم ما يميز قداسته هو موقفه من الكيان الصهيوني، لان بحكمة أجداده واستنارة روحانياته، كان يري الخطر الكبير لتواجد هذا الكيان في المنطقة ويعلم أهدافه وتطلعاته، فمنذ ثلاث سنوات كنت في زيارة للسفير الفلسطيني بالرياض السيد باسم الأغا، وتطرق الحديث عن الشخصيات العربية والعالمية التي ناضلت بجانب القضية الفلسطينية وقد اثني كثيرًا علي موقف قداسة البابا شنودة والكنيسة المصرية ومساندتها للقضية الفلسطينية وذكر جميع المواقف والأحداث والتصريحات التي قام بها قداسته من اجل مساندة القضية الفلسطينية واصطحبني إلي متحف صور يتضمن جميع الشخصيات التي وقفت بجانب الشخصية المصرية وكان يتوسطهم قداسة البابا شنودة وشخصيات أخري عالمية وعربية ومصرية .
أما عن "بابا العرب"، واختيار هذا اللقب، أنه في مايو عام ١٩٩٧ كان قداسته على موعد حضور اجتماع رؤساء مجالس كنائس الشرق الأوسط بسوريا ثم يتبعه لقاء مع الرئيس السوري حافظ الأسد، وكان قداسة البابا قبل سفره تلقى دعوة لزيارة اللاجئين الفلسطينيين بمخيم اليرموك ورغم ترتيب جدول الزيارات لكن لم يتردد ورحب البابا على الفور في مساء الخامس من مايو، وحالت الجموع المحتشدة دخول سيارته وسيارات الوفد المرافق، فنزل مترجلًا وسار بموكبه محاطًا بأبناء المخيم وهم يرددون» بابا شنودة أهلا بيك. شعب فلسطين بيحييك.
وهناك ألقى عصام القاضي الأمين العام لمنظمة طلائع حرب التحرير الشعبية الفلسطينية، كلمة ترحيب بقداسة البابا قال فيها، يسرني أن أقول لك يا قداسة البابا إنك موجود في قلب كل فلسطيني بل في قلب كل العرب والمسلمين، إنك بابا الشرفاء في العالم الذين يناضلون لأجل الحق والعدل. إنك بابا القدس. إنك بابا العرب جميعًا، ثم القى قداسة البابا كلمة استعرض فيها أوجاع القضية الفلسطينية وختمها بكلمته المشهورة، لن ندخل القدس إلا مع إخواننا المسلمين، عندها لم تهدأ القاعة من التصفيق ثم ختم جولته بالمخيم التي كانت حديث فلسطين والبلاد العربية، ومن يومها أضيف لقب بابا العرب إلى عشرات الألقاب التي حصل عليها البابا شنودة والتي زينت بافتخار سيرته العطرة».