الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

عبد المسيح يوسف يكتب: البابا شنودة كاريزما إنسانية تمتعت بحب الملايين

البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يتمتع مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، بشخصية كاريزمية متفردة علي مستويات متنوعة، بالتأكيد الديني والروحي منها، لكن علي المستوى الإنساني والسياسي والاجتماعي والثقافي، فقد كان شخصية نادرا ما يجود بها الزمان. هذه الشخصية الكاريزمية تفسر الحب الجارف الذي ينعم به من مختلف التيارات الشعبية، المسيحية وغير المسيحية. كأي شخصية عامة في المجال الديني، لها ملايين المحبين، لكن هذا لا يمنع أن لا يوجد شخصية عامة يتفق حولها الجميع. كان البابا شنودة الثالث، لمن لا يعرف كاتبا وشاعرا له مكانته. كما كان عضوا في نقابة الصحفيين المصريين، ومن أوائل أعضاء نقابة الصحفيين، وكان تقديرا لمكانته، عادة ما يذهب وفد من النقابة ليقدم له كارنيه تجديد العضوية بالنقابة.

كان البابا شنودة الثالث، لبقا، مفوها، قادرا علي الحديث، الشيق والجذاب، كتب الكثير من الأشعار الروحية والدينية. ولم تقتصر قدراته الأدبية واللغوية والثقافية عند حدود ضئيلة، بل تجاوزت آفاق آرحب لتوجهات عروبية قومية، كان البابا شنودة الثالث صاحب موقف وقضية، كان يرفض دخول المدينة المقدسة، القدس، إلا مع أخوتنا العرب، وكانت مواقفه العروبية، أحد الأسباب، التي جعلت الناس والإعلام يلبقونه "بابا العرب"، لأنه كان يولي دائما الأهمية للحفاظ علي التماسك والأهداف القومية العروبية. دوائر الهوية في فكر البابا شنودة لم يقتصر علي الدائرة العروبية فحسب، بل وسبقها الانتماء القوي للغاية لمصر، عندما علم شعبه، وهذا مصطلح مسيحي يطلق علي شعب الكنيسة من الأقباط الأرثوذكس، أن مصر وطن يعيش فينا ولسنا نعيش فيه. كانت محاضرته الأسبوعية، الأربعاء من كل أسبوع، تمثل الملجأ والمنفذ للآلاف من المسيحيين للتواصل معه وطرح اسئلتهم الاجتماعية والدينية والروحية، خاصة وأن قداسته كان يتمتع بروح الدعابة وخفة الدم، التي كانت تأثر قلوب من يشاهدونه أو يستمعون إلي عظاته، التي جعلت الملايين يلقبونه، بجانب ألقابه المتنوعة بقلب "معلم الأجيال" و"ذهبي الفم العصر الحديث".

عاش البابا شنودة الثالث طفولة صعبة، لأنه كان يتيما، ورغم هذا اليتم، نجح أن يطور نفسه وقدراته ليصبح شخصية كونيه يعرفها القاصي والداني، وكان بفضل علمه وتفقهه في الأمور الدينية والروحية، من باباوات الكرازة المرقسية، التي اعتلوا السدة المرقسية، وأثروا كثيرا فيها علي مستوى الإدارة وحماية الإيمان من الانحرافات، التي ليس المجال  للخوض في غمارها.

هذه الشخصية الكاريزمية للبابا شنودة الثالث، كانت تأثر عقول وقلوب الناس، من المسيحيين وغير المسيحيين. كان البابا شنودة رمزا وقائدا لا مواقف تتسق مع مكانته الرمزية عند المسيحيين بأنه يعبر عن رمزية "الأسد المرقسي". والكثير يتذكر كيف أنه واجه بكل شجاعة وصلابة بطش السادات في أواخر السبعينيات، ولم يرضخ لضغوطات السادات والمحيطين به سواء في أحداث الزاوية الحمراء أو عند تحديد اقامته في الدير. وكيف أنه كان علي علاقة طيبة بالسلطة خلال حكم مبارك، لكنه في مختلف الأحداث الطائفية والإرهابية كان يعبر عن غضبه مما يحدث وتقصير الدولة في حماية المواطنين المصريين من الأقباط، وكان آخرها قبل نياحته عند حرق الكنائس من تيارات الإسلام السياسي المتحالفة مع الإخوان والسلفيين ما بين ثورتي يناير ويونيه.

كانت قوة البابا شنودة الثالث نابعة من نضجه وتطوره في الدير، حيث كان من الرهبان المتوحدين، الذي يعيشون في مغارات لوحدهم بالصحراء لفترات طويلة، قبل أن يتم اختياره أسقفا عاما للتعليم من قبل المتنيح مثلث الرحمات القديس البابا كيرلس السادس. كان البابا شنودة -الذي يعتبره الملايين قديسا- علي علاقة خاصة وقوية مع الله. وكان معروفا أن هناك حوار دائم بين البابا شنودة الثالث والله. وتجسد هذا الحوار، في احدي المرات، عندما كان يواجه المسيحيون مشاكل صعبة، وفي إحدى عظاته الروحية، كان البابا شنودة يقرأ ورقة صغيره في يده، وفجأ رفع رأسه ونظر للسماء في مشهد مهيب كما لو كانت يتحدث إلي الله، وليس في مخدعه كعادة الرهبان، ولكن يتحدث إلي الله أمام الملايين، ما يؤكد رسالته للشعب وللجميع، أن الله لا يغيب ويتدخل لحل مشاكل أبنائه من الأقباط.

كان البابا شنودة الثالث، يحظى بحب الملايين الجارف، ورغم ظروف الثورات في مصر، وحالة الاضطراب التي كانت تسود في مصر المحروسة، ذهب الملايين، نعم الملايين، لنوال بركة أبيهم البابا شنودة الثالث بعد نياحته في الكاتدرائية المرقسية في العباسية. أعرف كثيرون من الأقباط العاديين كان يتشفوعون بمثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، لأنه كما يقولون "كان علي عمار كبير مع الله، فهو رجال الل المفوه والفاهم"، كانت هذه العبارة يقولها الكثيرون.

ومع كل هذا الحب الجارف الذي أحاط بالبابا شنودة الثالث، كانت هناك مشاكل مع السادات، كما كانت هناك مشاكل مع شخصيات أخري مع اختلاف في الحدة والدرجة مثل الاب متي المسكين، والدكتور جورج حبيب بباوي، هي من أكثر المشاكل التي جذبت اهتمام الاعلام، دون أن يؤثر ذلك علي مكانة وحب الملايين للبابا شنودة الثالث، الذي سيظل أحد باباوات الكرازة المرقسية، البابا 117، الذي يحظى بحب الملايين، وأثر تأثيرا كبيرا في حماية الإيمان المسيحي، وكان عن حق ذهبي الفم ومعلم الأجيال، لأنه لم يكن رمزا مسيحيا فحسب، بل كان صحفيا، وكاتبا، وشاعرا، وشخصية عامة عالمية، كما سيبقي هناك البعض ممن كانت لهم ملاحظات، وهذا لا يقلل من مكانة ورمزية مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث، الذي يعد حالة فريدة تستحق الدراسة والاستفادة والتعلم من مسيرتها العامرة