الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

جاك سوبيلسا يكتب: أفكار جيوسياسية.. آراء بعض المحللين خالفت الواقع حول الصراع الروسى الأوكرانى وقضايا أخرى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وهو صراع استمر قرابة عام ونصف يتزايد عدد الجيوسياسيين الذين يظهرون على شاشات التليفزيون. يقدمون العديد من التكهنات المؤكدة ولكن تكذبها الأحداث والحقائق بشدة.
ويبدو أن العديد من هذه الأخطاء مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بفكرة أن هؤلاء الجبوسياسيين فى تحليلاتهم ينظرون إلى العوامل التى توصف بـ«متغيرات معاصرة» (ماذا عن الهجمات والهجمات المضادة، دور الطائرات بدون طيار أو الذخائر العنقودية، والمساعدات الغربية لكييف وآثار العقوبات المفروضة على روسيا، إلخ) دون النظر إلى «العوامل الثابتة» والقديمة أحيانًا العزيزة فى عالم الجغرافيا السياسية.
وتشمل هذه «الاتجاهات الثابتة» نوعين رئيسيين من العوامل: تلك المتعلقة بالمكان وتلك المتعلقة بالوقت. عند تطبيقها على النزاع الروسى الأوكرانى فإن الميول الثابتة المرتبطة بالفضاء والجغرافيا عديدة.
وعلى الجانب الأوكرانى، يمكننا الاستشهاد بما يلي:
- أوروجرافيا: أوكرانيا فى معظمها (باستثناء القطاع الجبلى الصغير فى الجنوب الغربي) سهل شاسع حول حوض دنيبر من السهل غزوها عن طريق البر وحدود طبيعية لكن بالمقابل سبع دول مجاورة!
- السياق المناخي: مكان يسوده شتاء قارس يبعث ذكرى مريرة للجيوش النابليونية. 
- الجغرافيا الحيوية: ثراء التربة مما جعل أوكرانيا لعقود «مخزن الحبوب فى أوروبا».
- ثروات باطن الأرض: حيوية مناجم الفحم فى دونباس والدور التاريخى لصناعة الصلب منذ بداية القرن العشرين.
وبالنسبة للجانب الروسي: الوصول إلى البحر مطلب أساسي! يظل الوصول إلى البحر هاجسًا حقيقيًا للسوفييت والأدميرال جورتشكوف. سعت روسيا التى تمتلك ثلاثة من عناصر القوة: الأرض والنار (النووية) والهواء إلى أن تصبح أيضًا قوة بحرية، حتى تستطيع أن تصل إلى مرتبة القوة العظمى.
لكن السياق الجغرافى غير مواتٍ: الظروف المناخية الصعبة فى القطب الشمالي؛ الوجود المرهق لليابان وللصين فى المحيط الهادئ؛ مضيق الصوند الذى يسيطر عليه الناتو فى الشمال الغربي!
باختصار تكمن الفرصة الوحيدة هى التوجه نحو المحيط الهندى عبر أفغانستان التى يعتبرها الكرملين «نقطة الضعف» فى جنوب آسيا، (مع النتائج السلبية التى نعرفها!) و... البحر الأسود عن طريق السيطرة على شبه جزيرة القرم ثم دونباس.
منذ حرب القرم عام ٢٠١٤ ثم ضم دونباس أصبح الهدف الرئيسى للكرملين أكثر من أى وقت مضى هو السيطرة على هذه الأراضى التى تسمح بالوصول إلى البحر الأسود وبالتالى المتوسط.
«الاتجاهات الثابتة» المرتبطة بالزمن والتاريخ؟
لا تزال الذاكرة الجمعية لدولة كييف (أكبر دولة فى أوروبا فى القرن الحادى عشر) تعى الاحتلال البولندى ولا سيما فى الغرب، مما ساهم فى صعود الكاثوليكية ضد الكنيسة الأرثوذكسية واذا بأوكرانيا ممزقة بين الإمبراطورية القيصرية والإمبراطورية النمساوية المجرية والستالينية والمجاعات الدراماتيكية للمجاعة الكبرى بين عامى ١٩٣٢ و١٩٣٣ مع ما يقرب من ٨ ملايين حالة وفاة.


وليحل محله العديد من السكان النازحين من جبال الأورال؛ (نذكر أن جزءًا كبيرًا من السكان الحاليين فى دونباس ليسوا «موالين لروسيا» ولكنهم «روس» أحفاد هؤلاء المرحلين)؛ ناهيك عن الساعات المظلمة للحرب العالمية الثانية ووجود عدد كبير من الأوكرانيين إلى جانب قوات الرايخ الثالث ضد السوفييت، مما أعطى الذريعة لفلاديمير بوتين وأهدافه فى «نزع النازية».
وبالنظر إلى هذه المجموعة من العوامل المرتبطة بالجغرافيا والتاريخ قمنا بشرحها مع ألكسندر ديل فال فى يناير ٢٠٢١ فى كتاب «العولمة الخطرة.. Dangerous Globalization» لنضع الخطوط العريضة للصراع المستقبلى الذى أطلقه الكرملين، ونقتبس (الصفحات ٧٥/٧٦): «إن شبح الحرب بين دولتى أوكرانيا وروسيا أصبح هامًا أكثر من أى وقت مضى.
يشتعل الصراع بين أهم عضوين سابقين فى اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وهما الاتحاد الروسى وأوكرانيا اللذان يمثلان أكثر من ثلاثة أرباع الإمكانات الاقتصادية وثلثى سكان الاتحاد السوفيتى. تتميز العلاقات بين البلدين بتزايد العداء الذى يتميز بالانفصال الجيوسياسى عن النخب الأوكرانية.
إن الصراع المسلح فى شرق أوكرانيا، الذى اندلع فى عام ٢٠١٤ شرق أوكرانيا وخلف أكثر من ثلاثة عشر ألف قتيل ونزوح ما يقرب من مليون ونصف المليون شخص، لم يكن مجرد حرب أهلية أوكرانية ولكنه يضع القوات الروسية فى مواجهة مع قوات الناتو وستتطور الأمور إلى حرب بين روسيا وأوكرانيا، وستعوض أوكرانيا ضعفها النسبى بدعم أمريكى غربى.
وسينتج عنه صراع أكبر تقف فيه القوى الخارجية المتورطة بشكل غير مباشر (الناتو) ضد روسيا المتورطة بشكل مباشر. ويرى الأوكرانيون أنه نزاع بين الدول المعارضة لروسيا المتهمة بالتدخل فى دونباس من خلال دعم المتمردين الموالين لروسيا. فى المقابل، تقول موسكو إنها حرب أهلية بين الانفصاليين الناطقين بالروسية فى شرق أوكرانيا والقوة القومية فى كييف».. ويبدو لنا أن الفشل فى أخذ هذه العوامل فى الاعتبار يلعب دورًا رئيسيًا فى «أخطاء» بعض المتخصصين.
مختارات من تلك الأخطاء؟
أكد جنرال متقاعد قبل أسابيع قليلة من غزو أوكرانيا أن «أوكرانيا لا تهتم بشكل مباشر بالكرملين منذ استعادة شبه جزيرة القرم. وأن بوتين سيهتم من الآن فصاعدًا بمستقبل الجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى وحدودها مع الصين لتعزيز طموحاته الامبريالية».
ولم يتردد ضابط متقاعد بارز آخر (يناير ٢٠٢٢) فى التأكيد: «لن تغزو روسيا أوكرانيا أبدًا. ستكون خائفة للغاية من ردود أفعال أعضاء الناتو».
ووصف عالم جغرافى سياسى بارز ثالث قبل الصراع ببضعة شهور: «جيش روسى فائق التطور سيقضى على القوات الأوكرانية فى غضون أسابيع قليلة» ثم برر مدة الصراع للأسف بقوله «الجيش الروسى بمعدات قديمة وقوات سيئة التدريبـ«.
والأكثر من ذلك: لا يتردد الخبير السويسرى فى قوله فى نهاية يناير ٢٠٢٢، قبل ثلاثة أسابيع من الغزو: «إذا قامت روسيا بغزو أوكرانيا وهو الأمر الذى لن يحدث أبدًا فلن يتدخل الغرب بشكل عام والاتحاد الأوروبى بشكل خاص إلا من خلال المواقف الاقتصادية غير الفعالة تمامًا».
ومع ذلك ولنكون منصفين فإن هذه الأخطاء ليست من اختصاص الجيوسياسيين وحدهم.. دعونا نتذكر ميشيل تورين وكتابه «Bal des Aveugles» الذى نُشر فى عام ٢٠١٥ وتجاهلته وسائل الإعلام.
دعونا نتذكر بعض الأمثلة المأخوذة من كتابه: أكدت كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولى فى سبتمبر ٢٠٠٧: «لا، إنه ليس انهيارًا أنا متفائلة جدا لبلدنا». وبعد بضعة أشهر إذا بفرنسا تعانى من أشد ركود اقتصادى شهدته منذ الحرب العالمية الثانية.
أعلن توماس بيكيتى الملقب بـ«موتسارت الاقتصاد الصغير» فى مايو ٢٠١٢: «فرانسوا هولاند رئيسنا الجديد، سيصبح بلا شك معادلًا لروزفلت بالنسبة لأوروبا». وأعلن ديفيد فانجر كبير المحللين فى وكالة موديز فى أغسطس ٢٠٠٨: «فى الولايات المتحدة، البنوك الكبرى لا تفلس أبدًا» وقد أعلن ذلك قبل أسابيع قليلة من انهيار بنك ليمان براذرز.
كما أكد إيلى كوهين الاقتصادى الفرنسى البارز بكل يقين فى خريف عام ٢٠٠٧: «فى غضون أسابيع قليلة ستنصلح السوق بسرعة أكبر وستستأنف الأعمال التجارية كما كان من قبل».. «أكبر"! واذا بنا نفاجأ بانخفاض سوق الأسهم بنسبة ٥٠٪ تقريبًا فى أول تعامل بعد هذا التصريح. نكتفى بهذا القدر من الأخطاء وهذا القدر من التحذير.
استنتاج
مع كل الحذر المطلوب من زاوية «الجغرافيا السياسية المستقبلية»، فإننا نؤمن أكثر من أى وقت مضى بالحاجة الملحة إلى مراعاة الاتجاهات الرئيسية المرتبطة بالجغرافيا والتاريخ.. عقيدة توحى لنا بأن نصف عالم الغد مرتبط بعالم عودة الإمبراطوريات!.. سنتحدث عن ذلك فيما بعد.
معلومات عن الكاتب:
جاك سوبيلسا هو أحد أشهر علماء الجيوسياسة الفرنسيين، وهوالرئيس السابق لجامعة السوربون والرئيس الفخرى لها حاليًا ودبلوماسى سابق. وكان الرئيس الأول والوحيد لقسم الجغرافيا السياسية فى فرنسا بجامعة السوربون، ونشر فى نهاية عام 2021، مع ألكسندر ديل فال، عملًا إبداعيًا رائعًا عنوانه «العولمة الخطرة».. يطرح، هنا، تحليلات بعض الجيوسياسيين التى ثبت عدم صحتها، ويشير إلى ما تنبأ به بشأن الحرب الروسية الأوكرانية وانحياز الناتو لأوكرانيا.