الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

أندريه بوير يكتب: «الحادث».. رواية تبدو على الفور أصيلة وشخصية وعميقة.. تقدم منذ السطور الأولى تحليلًا لتفكك الصناعة الفرنسية لصالح الغول الأمريكى

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

بعد الكتابين السابقين «الحفل الداخلى» فى ٢٠١٣ و«رباعية لوسيرن» فى ٢٠٢١، وهما عملان متميزان للغاية ولكن كلاهما مخصص للموسيقى، قدم كريستيان كاليكا كتاب «الحادث»، وهو عمل يتناول موضوعًا بعيدًا عن الموسيقى.
على ما يبدو، على الرغم من أن الأمر دائمًا يتعلق بالانسجام، والانسجام مع عالمه، والانسجام مع حياته، والوئام الواضح، والوئام المفقود، والانسجام الموجود ولكن الانسجام الهش، ولأن هذه الرواية تبدو على الفور أصيلة وشخصية وعميقة. ليس هناك شك فى أن المؤلف واحد مع المخلوقات التى يعرفها، وليس فقط مع بيير دورفال، البطل المركزى للرواية.
لقد أحببت هذا الكتاب حقًا لأنه يظل أصيلًا بكل أبعاده. عندما يختار المؤلف «الحادثة» عنوانًا، فهو لا يغش، لأن الحادث يقع فى قلب الرواية، بل إنه موجود بعدة طرق، كما سترى. عندما يصف شخصية «لانسيني»، نتعرف بسهولة على مدينة ساحرة ومعروفة تموت ببطء، لكن الحياة فيها جيدة جدًا.
عندما يصف موقع الفاجوم، هذا المصنع الذى يصنع المطاط الخاص، فإننا نشارك مدراءه التنفيذيين فى افتتانهم بالمواد التى يقومون بتحويلها، مع قلقنا بشأن مشاريع الشركة الأم الأمريكية General Rubber. لأن هذا الأخير، كما نشعر به، ليس لديه أى حنان خاص للمصنع الفرنسى أو للعاملين فيه تم تسليمه الخام إلى الغول الأمريكى من قبل الدولة الفرنسية والمساهمين والرأى العام.
أخيرًا، عندما يصف المؤلف أحلام شخصياته وطموحاتها ونقاط ضعفها، فإننا نتعرف بسهولة على الممثلين فى مجتمعنا المعاصر، هؤلاء المديرون التنفيذيون الذين يتظاهرون بالاعتقاد بأن حياتهم لن تعرف أى مصادفة، وأنهم قادرون على تنحية حياتهم الشخصية جانبًا لصالح حياتهم المهنية.
بما أننى أعترف بولع قوى بالثقافة الإيرانية التى لا تضاهى، فلقد حرص على تضمين روايته امرأة إيرانية، ميثرا، ستكشف عن نفسها أخيرًا فى دور زوجة بيير. وعندما يخرج نظام بيير بالكامل عن القضبان بسبب الحادث، دون أن أكون قادرًا على الكشف عن التفاصيل هنا، ستلعب دورها ببراعة إيرانية بالكامل وتتابع العواقب التى ستنجم عن ذلك بلا هوادة.


نظرًا لأن شخصًا ما يجب أن يكون مسئولًا عن الحادث، فسيتعين على بيير أن يتولى هذا الدور. وفى هذه المناسبة، سيكتشف الشعور بالوحدة المفاجئة للرئيس، وسيرى رؤساءه الأمريكيين ينتهزون الفرصة التى يتيحها الحادث لتسوية حساباتهم مع الشركة الفرعية الفرنسية ومديريها.
وسيرى عالمه الخاص ينفصل تحت ضربات الغراب الذى يختبئ وسط الحشد، وهو حشد لن يفوت فرصة الابتهاج بمصيبة الآخر، ونحن نفهمه، لأنه كان يقضم منذ فترة طويلة فى قضم بصوت عال. قليلا يراقبه ينتشر العيش بسعادة مزدوجة، مهنية وعائلية دون أن يتمكن من تحقيق ذلك.
فى مواجهة هذا التفكيك المبرمج للنظام الذى يكشف بعد ذلك كل تناقضاته وأوهامه، سيتعين على بيير انتظار فرصة التعافى، بافتراض أنها تقدم نفسها. عندها، وأنا أحب هذا الجزء من الرواية بشكل خاص، ستجتمع الأحداث، بعد أن نظمت نفسها لإسقاطه، للسماح له بإعادة بناء نفسه.
لن يكون «الحادث» رواية جيدة إذا لم تكن رواية متعددة الأبعاد. إنه، من السطور الأولى، تكريم رقيق وكئيب لفيشى وفن العيش فى خطر كما تقدم تحليلًا لتفكك الصناعة الفرنسية لصالح الغول الأمريكى وكل ذلك يٌظهر من الداخل آليات إدارة مقيدة بافتقارها للسلطة وكل النفاق الناتج عنها.
كما أنها رواية عن الولاء تكشف عن الصداقة. وتعجبنى شخصية أوليفييه فيرمولين النقابى، المخلص لمديره العام السابق، الذى فهم صدقه وعمقه، وكذلك لأعضاء نقابته وشركته. فيرميولين، رجل حقيقى.
أخيرًا، إنها رواية عن الحب بين الشخصيات التى تبحث عن طريقها وسط الأفخاخ التى ساهمت كل واحدة من جانبها فى خلقها والتى سيتعين عليهم التغلب عليها أو الالتفاف عليها خلال السنوات السبع التى تتكشف خلالها الرواية فى أربعين. فصول متوترة بما فى ذلك الخاتمة، كل منها يلتقط حلقة دقيقة وواقعية وواضحة من هذه القصة الجميلة.
ومن الناحية المنطقية، بدأت القصة مع لانسينى المذكورة أعلاه، وتنتهى أيضًا بالأخيرة، لدرجة التساؤل عما إذا كانت هذه المدينة، فى الأساس، هى الشخصية الرئيسية، ما لم يكن المؤلف يريدنا فقط أن نجعلها تصدق؛ على أى حال، ها هى آخر جملتين من كتابه: «يبدو أنه يوجد عدد أقل وأقل من الملاجئ للابتعاد عن كل هذه التحولات الكبيرة ومع ذلك فنحن لا نفقد الأمل».. «إنها ملاجئ تملأها أحاسيس الحزن والأسى؟ تقلبات كبيرة؟ والأمل».. يمكننا التعرف على كل هذه المشاعر والصفات ومناقشتها لفترة طويلة؛ ولكن يبقى أفضل شيء هو قراءة رواية «الحادث».
معلومات عن الكاتب: 
أندريه بوير.. أستاذ جامعى، مهتم بقضايا التنمية البشرية والصحة العامة، يتناول، فى مقاله، رواية «الحادث» من تأليف الكاتب الفرنسى كريستيان كاليكا.