قال الدكتور حسين حمودة استاذ الادب العربي بجامعة القاهرة: هناك أسئلة كثيرة مطروحة الآن حول الذكاء الاصطناعي، وما يمكن أن يقوم به في مجالات متعددة، وما يمكن أن يمثله من تهديدات للإبداع الإنساني، أو على الأقل ما يمكن أن يقوم به من إزاحة للإنسان المبدع ، وهذه الأسئلة تلوح بلا إجابة حاسمة ونهائية، حتى الآن على الأقل في بعض المجالات العلمية، منها تصنيع الأدوية على سبيل المثال، توصل الذكاء الاصطناعي إلى بعض النتائج الإيجابية، ويستطيع أن يصل إلى مثل هذا النجاح في بعض المجالات العلمية الأخرى.. لكن فيما يخص الإبداع في الفنون والآداب فالأمر أكثر تعقيدا.. ولعل بعضنا لاحظ النتائج التي توصل إليها استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في حقل الموسيقى أو الغناء.. وهي نتائج متواضعة جدا.. يمكن اكتشاف زيفها بسهولة بالغة.
واضاف حمودة في تصريحات خاصة للبوابة نيوز: أنه في مجال الأدب حاول أن يكتشف قدرات بعض برامج الذكاء الاصطناعي، منطلقا من السؤال التمثيلي حول خطر التكنولوجيا على الشعر، ومنها الذكاء الاصطناعي،فقان بتجربة مع برنامج Chat GPT.. سأله أن يكتب له قصيدة عن فقدان التواصل الحقيقي في عالم الوسائط التكتولوجية الحديثة أو العالم الافتراضي، فقال لي على الفور: "يسعدني أن أكتب هذه القصيدة"، وكتب لي بسرعة نصا بالفعل.. وهو نص محدود القيمة جدا من الناحية الجمالية، فضلا عن الأفكار التي يتحرك خلالها.. وقد بدأ هكذا:
"في هذا العالمِ المتسارعِ،
أصبحَ التواصلُ مجردَ وهمٍ مزيفِ
نحنُ نتحدثُ كثيرًا ونكتبُ الكثيرَ
ولكننا نفتقدُ الحوارَ الحقيقيَّ.."
وظل النص يمضي هكذا، في هذه الوجهة التبسيطية، وإن لم يخل من بعض عبارات مناسبة، مثل:
"فالتعبيرُ عن النفسِ أصبحَ مجردَ نقراتٍ (كليكات)
وسطوعُ الشاشاتِ أضاءَ العالمَ بلا ظلٍّ
وتحولتْ العلاقاتُ إلى أرقامٍ وإحصائيَّاتٍ"..
باختصار، كان الأمر كله أشبه بتمرين ما على الكتابة، وليس كتابة إبداعية حقيقية.. والحقيقة أن مثل هذه البرامج، حتى الآن على الأقل، لا تنجح سوى في إعطاء صورة واضحة التزييف .
وتابع : الأمر قد يكون هو نفسه في مجال الرواية مثلا.. قد تستطيع بعض البرامج تنظيم المادة الروائية التي ظل المبدعون ينظمونها بطرق "يدوية" خلال تاريخ طويل ، المعلومات عن كل شخصية مثلا، أو حتى قد تستطيع أن تقدم هذه البرامج اقتراحات بشأن تنمية الحبكة.. لكنها في النهاية لن تستطيع أن تصوغ عملا روائيا عميقا وحقيقيا، قائما على إبداع شخصيات من لحم ودم كما يقال، أو متصلا برؤية الكاتب الروائي للعالم، أو موصولا بقدر من الامتلاء الزمني المرتبط بجماعة إنسانية ما.
وأوضح حمودة أن الإبداع الأدبي والفني إبداع فردي في النهاية، يتصل بمخيلة وبصوت خاص وبقدرة جمالية وبتجارب مميزة لكل مبدع أو مبدعة، وليس بتشغيل معطيات جاهزة، ولذلك سوف تظل إنجازات برامج الذكاء الاصطناعي في هذا المجال محدودة، ربما تستطيع هذه البرامج أن تقدم فوائد للثقافة عموما، كأن تصوغ دوائر معارف متخصصة في فروع معرفية دقيقة، أو حتى تقوم بتنظيم بعض المعارض الكبيرة، أو تصنع إرشيفات ضخمة بتنظيم أكثر دقة.. وما إلى ذلك، لكنها في مجال الإبداع الفني والأدبي، الذي هو إبداع فردي في النهاية، يشبه البصمة تقريبا، لن تستطيع تقديم ما هو أكثر من تقديم نسخ تكشف عن نفسها بوضوح، وربما نستطيع أن نقرأ أو نسمع فيها عبارة لن تكتبها أو تقولها بشكل مباشر: "أنا صورة زائفة من الإبداع" !!
ثقافة
حسين حمودة: الذكاء الاصطناعي لا يقدم كتابة إبداعية حقيقية
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق