حظيت القمة الأفريقية الروسية، باهتمام إعلامي كبير وحاولت وسائل الإعلام المختلفة تسليط الضوء على مستوى حضور الضيوف الأفارقة إلى روسيا، وعلاقة ذلك بالمعضلة التي أحدثتها الحرب الأوكرانية، وهي الاستقطاب الدائر بين الشرق والغرب لدول القارة السمراء، التي يحاول بعضها التزام مبدأ الحياد فيما أعلن بعض الدول الانحياز التام إلى روسيا، والبعض الآخر إلى الغرب.
وفي هذا السياق؛ نشرت صحيفة "ديلي مفريك" الجنوب أفريقية، تقريرا حول إقبال الزعماء الأفارقة للحضور إلى سان بطرسبورج حيث عقدت القمة الأفريقية الروسية الثانية، وكانت القمة الأولى عقدت في سوتشي عام ٢٠١٩ وكانت مصر حينها ترأس الاتحاد الأفريقي، وحضر أكثر من ٤٠ رئيس دولة أفريقية إلى القمة.
وقالت "ديلي مفريك" إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يأمل في مشاركة قياسية للزعماء الأفارقة في القمة الروسية الأفريقية الثانية، لكن يبدو أن ١٧ زعيمًا أفريقيًا فقط سيحضرون وهو أقل من نصف العدد الذي ظهر في أول قمة روسية أفريقية له في سوتشي في عام ٢٠١٩.
وأضافت أن يوري أوشاكوف، كبير مستشاري السياسة الخارجية لبوتين، أفصح لوكالة الأنباء الروسية إنترفاكس الأربعاء الماضي قبل يوم من انطلاق القمة، إسم ١٧ زعيما أفريقيا سيحضرون القمة، مشيرة إلى أن هذا الوضع يمثل ضربة كبيرة لبوتين لأنه كان يأمل في عرض كبير للدعم من أفريقيا ليثبت للعالم أنه ليس معزولا، على الرغم من العقوبات الغربية الواسعة.
ويعد التمثيل المنخفض للأفارقة في سان بطرسبورج على الرغم من النشاط الدبلوماسي الكبير الذي قام به وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قبل شهور من انعقاد القمة في دول القارة السمراء لبحث عدد من الملفات أبرزها الحضور إلى سان بطرسبورج.
وألقى "أوشاكوف" باللوم على الحكومات الغربية لممارسة الضغط على القادة الأفارقة لعدم الحضور، وعلى الرغم من حضور بعض القاد البارزين على مستوى القارة مثل الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، والرئيس السنغالي ماكي سال ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد والرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ورئيس زيمبابوي إيمرسون منانجاجوا.
إلا أن بعض القادة الآخرين لن يحضروا في سان بطرسبورج ووفقا لصحيفة فاينانشيال تايمز، فإن الرئيس النيجيري بولا تينوبو، والرئيس الكيني وليام روتو، ورئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، والرواندي بول كاجامي، والرئيس الزامبي هاكايندا هيشيليما هم أبرز القادة الذين لم يشاركوا.
وعزا التقرير الذي نشرته "ديلي مفريك" عزوف بعض القادة الأفارقة عن الحضور، إلى انخفاض التوقعات بفوائد العلاقات القوية مع روسيا، وأشار جوزيف سيجل، مدير مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث داخل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون، ممول من الكونجرس الأمريكي، مؤخرا إلى أن رؤساء الدول الأفريقية البالغ عددهم ٤٣ الذين حضروا قمة سوتشي "لديهم آمال كبيرة في أن تبرز روسيا كقوة جديدة مصدر الاستثمار والتجارة للقارة، ووعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمضاعفة حجم التجارة الروسية مع أفريقيا في غضون خمس سنوات إلى ٤٠ مليار دولار.
وأضاف "منذ ذلك الحين، تقلصت التجارة الروسية مع القارة إلى ١٤ مليار دولار ولا تزال غير متوازنة، حيث تصدر روسيا سبعة أضعاف ما تستورده من أفريقيا، وتتركز ٧٠٪ من هذه التجارة في أربع بلدان فقط - مصر والجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا".
يذكر أن الرئيس الروسي بوتين، أفصح عن رقم أعلى من ذلك بشأن التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا، حيث أعلن أن حجم التبادل التجارى زاد في العام الماضي ٢٠٢٢ ووصل إلى نحو ١٨ مليار دولار أمريكى، في مقاله المنشورة على موقع الكرملين الاثنين الماضي.
وتابعت الصحيفة الجنوب أفريقية بالقول إنه قد يبتعد بعض القادة الأفارقة أيضا لتجنب الظهور بمظهر انحياز إلى جانب في عالم يزداد استقطابا بسبب الحرب الروسية ورد الفعل العنيف من الغرب.
وفي السياق نفسه؛ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا يناقش العلاقة الروسية الأفريقية وحقيقة وضع بوتين في الوقت الحالي على المسرح العالمي بعد نحو عام ونصف العام على اندلاع الحرب الأوكرانية، وأشارت الصحيفة إلى أنه "منذ البداية، وجدت أفريقيا نفسها في وسط الانقسام الجيوسياسي حول الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبعد أيام قليلة من الغزو العام الماضي، أثار قادتها الذعر في العواصم الغربية حيث امتنعت ١٧ دولة من أصل ٥٤ دولة عن التصويت لإدانة العدوان الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشكلت ثماني دول أفريقية أخرى غالبية الناخبين الغائبين".
وأضافت "واشنطن بوست" بعد ذلك، كان هناك جهد في أوروبا وأمريكا الشمالية لدفع القارة إلى الصف، ولم يكن الأمر دائما بهذه الروعة، فخلال رحلة الرئيس الفرنسي الصيف الماضي إلى الكاميرون، قال إيمانويل ماكرون إنه "رأى الكثير من النفاق، خاصة في القارة الأفريقية بشأن الحرب".
ونوهت الصحيفة الأمريكية إلى أنه إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتقد أنه يمكن أن يستخدم التنازل الغربي لجذب الزعماء الأفارقة، فقد كان مرة أخرى على ثقة مفرطة".
وقالت "واشنطن بوست" إنه من الواضح أن أي فكرة مفادها أن أفريقيا ككل تميل نحو روسيا هي فكرة خاطئة، ومن خلال مجموعة فاجنر، لعبت روسيا دورا حاسما، وإن كان مدمرا في كثير من الأحيان، في دول من بينها مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، ولدى موسكو علاقات ودية مع قوى كبرى مثل مصر وجنوب أفريقيا.